الأربعاء 2018/11/14

سوريا.. ملامح التصعيد تطغى على سيناريوهات الحلول المرتقبة

الأمور تجري نحو الحل العسكري، ملامح إجماع دولي بدأت تظهر بهذا الاتجاه، جناحا "الإرهاب الدولي" الرئيسيان حسب تصنيف الأمم المتحدة موجودان على الأراضي السورية، منطقة شمال شرق البلاد ينتشر فيها بضعة آلاف من تنظيم الدولة، وجيب إدلب شمال غرب البلاد يضم على الأقل عشرين ألف مقاتل من "هيئة تحرير الشام"، وإذا توسّعنا في التصنيف قليلاً حسب اللاعبين الكبار أصحاب القرار فإن عشرات الآلاف من فصائل الجيش الحر هم إرهابيون حسب تصنيف روسيا وإيران. بالمقابل تصنّف تركيا ميليشيا PYD الكردية على قوائم الإرهاب باعتبارها تابعة لحزب العمال الكردستاني، وأخيراً الولايات المتحدة وإسرائيل ترى الوجود الإيراني والميليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا بمثابة خطر إرهابي ينبغي طرده بشكل كامل.

لن يعقد أحدٌ صفقة مع الإرهاب، هذا هو حجر الزاوية في هذه المعادلة المعقّدة، الحلّ السياسي ولو في جزء من أجزاء البلاد يعني صفقة ما، والصفقة لن تأتي مع "إرهابي"، جميع الدول تنظر من زاوية أخرى تتطلب الجواب عن مجموعة أسئلة: ماذا بعد الصفقة؟، كيف سيكون مصير هؤلاء المقاتلين؟، أين سيذهبون؟، من سيستقبلهم؟، ما طبيعة برامج إعادة تأهيلهم وإدماجهم في مجتمعاتهم؟ كيفية تفادي مخاطر انتكاستهم وعودتهم للفكر المتشدد الذي أمضوا فترة من حياتهم استناداً لتعاليمه، وسبل منع نشره في بلدانهم؟.

هذا الأمر ينسحب عند بعض الدول حتى على الفصائل المعتدلة، الولايات المتحدة لم تثق بهذه الفصائل وأوقفت الدعم عنها أولاً، ثم تخلّت عنها في معركة الجنوب ثانياً، ما أدى إلى استسلامها وتفكيكها. بالمجمل أي قرار من هذا النوع سيحمّل تلك الدول تبعات مالية باهظة، عدا عن التهديدات الأمنية التي ستبقى قائمة في أي لحظة.

تأجيل معركة إدلب ليس كما ادّعى ترامب بسبب أن امرأة سورية فاجأته بهذا الطلب، وهو لم يكن يعلم أصلاً عن بلدة اسمها إدلب، وفيها ملايين المدنيين "المساكين"؛ ترامب لم يكن يوماً بهذه الأخلاق الإنسانية، لكنها واحدة من مسرحياته الفاشلة، هي من نوع "بكاء طفل" سمعه طيار أمريكي كان يحضّر لقصف قافلة حافلات تنظيم الدولة المنسحبة نحو الشرق، فتوقّف عن ذلك.

تأجيل معركة إدلب جاء بطلب مُلحٍّ من الأوربيين؛ ليجنّبهم موجة تسونامي الإرهابيين الذي كان سيعبر الحدود صوب قلب أوروبا، حتى روسيا والصين من جانبهما كان لهما رغبة في هذا التأجيل خشية تسلّل رعايا الدولتين والدول المجاورة لهما إلى بلدانهم التي أتوا منها، أو إلى بعض الملاذات التي كانوا يأوون إليها سابقاً في الشيشان، أو تركستان وقرغيزيا، أو إقليم الإيغور الصيني.

إلى متى سيبقى تأجيل إدلب؟

ثمة ملامح إجماع دولي أن موضوع إدلب أهم من المنطقة الشرقية، ففي المنطقة الشرقية عدد صغير من عناصر تنظيم الدولة الذي فقد عمقه الاستراتيجي في العراق، وليس له مدينة كبيرة يتمركز فيها، أو تنطلق عملياته منها، التنظيم مشتت في البادية والمناطق الريفية الصغيرة على ضفاف الفرات، أو أماكن شبه مهجورة محاذية للحدود العراقية، ويصعب عليه أن يعيد تنظيم صفوفه، وهو اليوم يُسمح له بالحركة وفق أجندة التجاذبات السياسية لا أكثر، فمرة تسمح له إيران بالحركة لتحسين موقفها التفاوضي مع الولايات المتحدة، وتارة تفعل ذلك الولايات المتحدة للضغط على المليشيات الكردية عندما لا تنصاع لبعض الأوامر، ولإبقاء مشروعية انتشار قوات التحالف عموماً في سوريا بذريعة مكافحة الإرهاب.

إذن الحرب على "الإرهاب" في إدلب أهم، لكن كان لا بد من ترتيب مسرح العمليات بدقة متناهية، بحيث تبقى موجة اللاجئين داخل الحدود السورية، ولا بد من تجهيز ما يكفي من المساحة لاستقبالهم، وحين يتم ذلك ستبدأ المعركة.

اللقاء الرباعي الذي جرى مؤخراً بين قادة روسيا وألمانيا وفرنسا مع تركيا، كان في جزء منه للتعبير عن إرادة الجانبين المذكورين سابقاً: الاتحاد الأوروبي من طرف، وروسيا والصين ودول جوارهما من طرف آخر، في التشديد على رفضهم استقبال أي عائد من جبهات القتال في سوريا أو في العراق، سواء أكان مع تنظيم الدولة أو جبهة النصرة، أو أي فصيل آخر، ولو كان مع فصائل الجيش الحر.

على هذا، فالآلاف أو عشرات الآلاف من هؤلاء المقاتلين لا يملكون خياراً غير الموت وهم يحاربون في سوريا، أو تتفق الدول على منحهم خياراً آخر مثل مراجعة تصنيفهم وقبول عودة الأقل تشدداً منهم، مع وضعهم تحت المراقبة الدائمة وإدخالهم في برامج إعادة التأهيل المُكلِفة، أو اشتراط بقائهم في سوريا بعد إلقاء سلاحهم مع ضمان إصدار عفو عنهم، وسقوط الملاحقات القانونية بحقهم كما هو حال اتفاقيات المصالحات التي جرت مع النظام، أو عزلهم وتثبيتهم في جيب ضيّق، على أن يكون الهدف من ذلك العمل على تصفيتهم تدريجياً بشكل بطيء.

يبدو أنه لا أحد مستعدّ الآن لعقد صفقة من هذا النوع، والنظام قبل أي أحد آخر سيرفض كل هذه الحلول، وسيصر على عودة المقاتلين الذي قاتلوه إلى بلدانهم الأصلية، بينما هو يتفرغ لمحاسبة المقاتلين المحليين كما فعل في درعا وغيرها من مناطق المصالحات، ولذا فإن وتيرة الحرب سترتفع كثيراً شمال شرق وغرب البلاد في المرحلة المقبلة.