الخميس 2019/03/14

روسيا تسحب قواتها من سوريا، وإيران تردُّ بقصف إدلب

يبدو أن الأسد ورّط نفسه كثيراً في الآونة الأخيرة، بدءاً من خطابه أمام المجالس المحلية الذي أعلن فيه رفض نظامه لما يجري في سوتشي، بما يعني رفضه للانخراط في اللجنة الدستورية المعلنة في البيان الختامي لمؤتمره مطلع العام الماضي، إلى رفضه لاتفاق خفض التصعيد في إدلب الموقّع بين روسيا وتركيا، وانتهاءً بظهوره المفاجئ في طهران دون إعلام الروس بهذه الزيارة مسبقاً، في رسالة فهمت منها موسكو اقتراب الأسد من إيران على حساب روسيا، واعتبار الحرس الثوري الإيراني القوة الأساسية التي يمكن للأسد أن يثق بها في استمرار حربه وحكمه للبلاد.

ويبدو أيضاً أن غضب الروس لن يتوقف على الصور المُهينة المسرّبة للأسد في اللقاءات التي تجمعه بالمسؤولين الروس، سواء على الأراضي السورية كما حدث في قاعدة حميميم أو أثناء إحضاره إلى روسيا، فوفقاً لتقارير ومصادر استخباراتية فإن روسيا بدأت منذ عشرة أيام تقريباً بسحب بعض قواتها العسكرية من سوريا، وإن وزارة الدفاع الروسية أعادت حتى الآن ثلاثة كتائب من القوات الخاصة التي كانت تنتشر في حمص وتدمر إلى قواعدها الأصلية في روسيا. معظم عناصر هذه الوحدات كانوا من الشيشان الذين عملوا في سوريا في لباس الشرطة العسكرية الروسية باعتبار أنهم محظورون بموجب الدستور الشيشاني من القتال خارج حدود بلادهم، وهذا الانسحاب يترك قوة برية روسية صغيرة لا تزيد عن 3000 عنصر فقط.

تشير التقارير أيضاً أن سحب القوات لا يقتصر على العناصر الشيشانية، ولكن يتعدّاه إلى عودة معظم الأسطول الجوي من قاعدة حميميم وخصوصاً الجيل المتطور من المقاتلات الروسية والاكتفاء بترك الأجيال القديمة مثل سوخوي 24، و25 التي دخلت الخدمة أعوام 1974، 1975 على التوالي، فيما كانت المقاتلات الأمريكية المقابلة لها في الجيل مثل F111 خرجت من الخدمة في الولايات المتحدة، وأن تعليمات وزارة الدفاع في موسكو تمييع جيشها في سوريا ستتم تغطيتها بموجب تقييم لمخابرات الجيش الروسي بعدم وجود مهمات قتالية جوية من النوع الذي يستدعي بقاء الأجيال الأحدث من الطائرات، أو عمليات أرضية تستدعي بقاء عدد أكبر من الجنود أو الأسلحة والمعدّات البرية.

إضافة للرسالة الموجّهة للأسد في الورطة التي ورّط نفسه فيها بمهاجمة اتفاقات سوتشي، ثم بزيارة طهران، فإن الكرملين سيمضي في قراره استناداً للتفاهم الذي حصل بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في آخر لقاء بينهما نهاية شهر شباط/فبراير الماضي، حيث تم الإعلان في البيان المشترك الاتفاق على إزالة جميع القوات الأجنبية من سوريا، الأمر الذي تم تفسيره على أن سحب الأسلحة الروسية المتطورة سيمنح المقاتلات الإسرائيلية حرية حركة أكبر في ضرب الأهداف الإيرانية داخل سوريا، ويرفع الحرج عن روسيا في عدم التصدي لهذه الغارات، بالرغم من أن موسكو مررت رسالة احتجاج غير مباشرة للولايات المتحدة عقب ذلك بسبب تقارير استخباراتية تشير إلى زيادة في عدد القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا.

إيران وجدت في ذلك -ومتابعة لعملية إحضار الأسد إلى طهران-الفرصة مواتية لتسيُّد المشهد في سوريا، وعملت على إجبار النظام على فتح معركة إدلب فهي بالأصل مستاءة من عقد الاتفاق حول إدلب بين روسيا وتركيا بمعزل عنها، وبالمقابل روسيا من جانبها حين أعلنت أن بعض طائراتها الحربية قصفت "بالتنسيق مع تركيا" فقط مستودع أسلحة تابع لهيئة تحرير الشام فإنها اعتبرت ذلك عملاً دفاعياً وليس مشاركة في الهجوم على إدلب بتعليلها قصف المستودع أنّ الهيئة كانت تخطط لهجوم بالطائرات المسيّرة على قاعدة حميميم الجوية.

ما عدا إيران ونظام الأسد لا يبدو أحداً من كل القوى الموجودة في سوريا راغباً بفتح معركة برية واسعة في إدلب، ولا في المشاركة فيها، فهل ستنجح الجهود في تهدئة الأوضاع هناك، أم إنّ إيران ستفرض إرادتها على الجميع؟