الأحد 2019/07/28

الطريق الوحيد إلى هزيمة قوات الأسد

خط آلون، أو الحدود السورية الفلسطينية التي تسمى اليوم الحدود السورية الإسرائيلية، أقصر الحدود البرية الفلسطينية مع دول الجوار، فبينما تعد الحدود الأردنية الفلسطينية أطول حدود فلسطين البرية، بطول يصل إلى 360 كم، تليها الحدود مع مصر بطول 210كم، ثم مع لبنان بطول 79 كم، نجد أنها تبلغ 70كم فقط مع سوريا، وعليها ولمدة 70 عاماً مضت أيضاً بنى الجيش السوري عقيدته القتالية على هذه المساحة المحدودة لمسرح عملياته العسكرية، وعلى مر تاريخ هذا الجيش لم يخض حرباً إلا ضمن هذه الجبهة الضيقة في العرف العسكري، ورغم أن سوريا مرّت بحالات من التوتر مع كل من العراق وتركيا، إلا أنه لم يتم المخاطرة بفتح أي عملية عسكرية بسبب الحدود الطويلة جداً حسب معايير الجيش السوري، حيث تبلغ مع العراق 600 كم ومع تركيا 900 كم، ولذا كان يكتفي بتحريك قوات صغيرة ومحدودة أشبه بحرس الحدود لعلمه بعجزه عن تغطية هذه المساحات الهائلة فيما لو تورط في حرب خارج حدود السبعين كيلومتر التي ينشر معظم قطعاته وتشكيلاته فيها، حتى إن نظام الأسد أوكل لتركيا في اتفاقية أضنة المشهورة حفظ الحدود الشمالية معها، ولو أدى ذلك إلى توغل القوات التركية داخل الأراضي السورية لملاحقة المجموعات المسلحة الكردية المناهضة لتركيا.

مع استيلاء آل الأسد على السلطة، تم تكريس هذه القضية بشكل أوضح، مع إضافة مهمة لها بعد أحداث الثمانينات تمثّلت في نشر بعض القطع العسكرية قرب جميع مراكز المدن السورية لبثّ الذعر والإرهاب في نفوس السوريين، ولسرعة التدخل وقمع أي اضطراب أو تمرّد يمكن أن يحدث ضد آل الأسد، وتم تطويق العاصمة دمشق على وجه الخصوص بمزيد من القوات العسكرية، وزرع الكثير من الفروع الأمنية بين الأحياء السكانية لحماية كرسي الحكم، وسلامة عائلة الأسد الذي هو أهم من أي شيء كما سيتبين لاحقاً أثناء الثورة المطالبة برحيل هذه العائلة.

مع عام 2011 تغيّر كل شيء فجأة أمام جيش الأسد، وبات في وضع لم يألفه من قبل، الثورة تمتد رويداً رويداً على طول البلاد وعرضها، في أمر يبدو أنه لم يكن بالحسبان مطلقاً، ومع محاولات يائسة في إرسال الجيش أرتاله العسكرية للسيطرة على الوضع، فقد استسلم لعقيدته التي لا يعرف غيرها، وانسحب من معظم الجبهات التي ذهب إليها، وانكفأ من جديد إلى محيط العاصمة ليحافظ عليها، بعد أن فقد ما يزيد عن 60% من مساحة البلاد، واستبدل ذلك بقصف المدن بالمدفعية والصواريخ والطائرات، وبإلقاء البراميل المتفجرة، واستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً.

الروس الذين يعرفون جيداً عقدة النقص هذه في جيش الأسد، وبعد تدخلّهم العنيف لإسقاط حلب أواخر عام 2016، ذهبوا إلى فرض مناطق خفض التصعيد الأربع في مسار أستانا، ليعود جيش النظام إلى ما يعرفه من القتال في جبهات ضيقة، ورغم ذلك وبسبب حالة الانهيار السائدة في صفوف عناصر الجيش، ذهب الروس لأكل مناطق خفض التصعيد واحدة تلو الأخرى لعلمهم بضعف هذا الجيش عن فتح أكثر من جبهة في وقت واحد.

تحدّثت "وكالة الأخبار الفيدرالية" الروسية في مقال نشرته لأحد المعلقين العسكريين عن وضع جيش النظام في تلك المرحلة بالقول: "عندما ذهبنا إلى سوريا كان التقدير الأولي لدى العسكريين الروسي أن أداء الجيش السوري سوف يتحسن سريعًا بمجرد حصوله على الإمداد اللازم والغطاء الجوي القوي، لكن عملياتنا العسكرية الحاسمة التي أضعفت كثيرًا خصوم النظام أظهرت في الوقت ذاته تدهور وضع الجيش النظامي وعدم قدرته على التقدم، لم تحرك القيادة العسكرية السورية أصبعًا في الشهور الأولى، وكان الهمّ الرئيس لديها أن يفاخروا بأن الإيرانيين والروس سوف يقضون على الإرهابيين وفقًا لحديث سمعته بنفسي من ضابط سوري".

لاحقاً أيضاً تحدّث المحلل العسكري الروسي العقيد ميخائيل خوداريونوك، عن تذمّر القوات الروسية من سوء أداء جيش الأسد، وعن حالة الذعر التي أصابت قوات الأسد في تدمر بعد الطلقات الأولى لتنظيم الدولة، وكيف ألقى الجنود أسلحتهم وتركوا الآليات العسكرية وهربوا من أرض المعركة.

الآن يتركّز القتال في الشمال على حدود محافظات إدلب وحلب وحماة، يبلغ طول هذه الجبهات مجتمعة ما يزيد عن 200 كم، وهي تفوق قدرة جيش النظام على تغطيتها على طول خطوطها، ولذا لجأ إلى فتح معارك في نقاط محدودة منها. يزجّ فيها عدداً كبيراً من عناصره، ويترك باقي النقاط هادئة، ليس لشيء إلا لاهترائه وتيقّنه من هزيمته فيما لو فعل ذلك، بالمقابل تستجيب المقاومة السورية لهذه الاستراتيجية وتمنح النظام الأفضلية عليها، وخاصة في حالة نقص العتاد والإمدادات التي يتكرر الوقوع فيها، ولذا يجب على المقاومة العمل على تشتيت قوات النظام ما استطاعت، وفتح معارك كر وفر، وإغارة، وتسلل خلف خطوط العدو في مجموعات ليست كبيرة على طول هذه الجبهة، وفي حال استطاعت المقاومة إعادة نشاطها وعملياتها في باقي المدن السورية، وخصوصاً في ريف دمشق ودرعا، فإن هذا سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل سقوط حلب، وقد تضطر الأسد لسحب قواته من تلك الجبهات نحو العاصمة لحماية نظامه من السقوط، ولو أدّى الأمر للتخلي عن مساحات واسعة من جديد، حيث سيعتبرها عبئاً على المقاومة بعد أن دمّرها، فيما لو عاد السكان المحليون إليها.

في كل حال.. هذا هو الطريق الوحيد لهزيمة جيش الأسد، والطيران وحده لا يحسم المعركة، القتال البري هو الذي يحسمها، والروس ليسوا في وارد إرسال جنودهم من جديد ليقتلوا عوضاً عن عناصر الأسد، وإيران وحزب الله في حالة انكماش بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية المضروبة عليهما، وجيش الأسد سيجد نفسه وحيداً هذه المرة، مقابل مقاومة اكتسبت من خبراتها السابقة الشيء الكثير الذي سيصدم فلول قوات النظام.