الأحد 2021/03/07

الخيبة الروسية وأبرز ملامح العشرية الثانية في سوريا

تدخل العشرية الثانية للثورة السورية بالسيناريو الأسوأ الذي لم تكن تتوقعه روسيا، أو ترغب به بعد خمس سنوات من تدخلها العسكري المباشر في معارك مدينة حلب إلى جانب نظام الأسد عام 2015، فمن بين الأهداف الكثيرة المعلنة والمخفية التي خاضت بها هذه الحرب، يبدو أنها حققت منها هدفاً واحداً هو منع النظام من السقوط.

روسيا قلبت مسار الحرب "جزئياً" لصالح نظام الأسد، لكنها فشلت في قلب مسار الحل السياسي، فقد ثبّت مسار جنيف قرار مجلس الأمن 2254 الصادر بعد التدخل الروسي قواعد الحل السياسي حسب بيان جنيف 2012 الصادر قبل التدخل، بالمثل فشلت روسيا في تحقيق أي مكسب سياسي عبر مسار أستانا الذي اختطّته نهاية عام 2016 مع سقوط مدينة حلب بيدها، فاللجنة الدستورية تكاد تصل إلى طريق مسدود بعد خمس جولات فاشلة تماماً.

الانقسام الأساسي في روسيا يدور حول ما إذا كانت العملية في سوريا قد حققت الهدف الرئيسي منها في أن تكون الخطوة الأولى التي تعود بروسيا إلى العالم ثنائي القطب أو المتعدد الأقطاب الذي انهار بتفكك الاتحاد السوفييتي، وترك قيادة العالم للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

ليس فقط أنّ روسيا لم تحقّق خرقاً دولياً يخرج بها عبر الحدود السورية إلى فضاء القطبية العالمية من جديد، هي لم تصل إلى الحدود السورية أصلاً، روسيا ترضخ اليوم للواقع المفروض عليها، سيكون لها واحدة من مناطق نفوذ ثلاث في سوريا، إلى جانب منطقة نفوذ الولايات المتحدة شمال شرق سوريا، إضافة لمنطقة نفوذ تركيا شمال غرب سوريا، بل الأنكى من ذلك في الخيبة الروسية أن لها شركاء في منطقة نفوذها لا تجعلها الأقوى هناك، أو صاحبة الكلمة الأولى، أو اليد الطولى، إيران تتغلغل في معظم المفاصل الحساسة لمنطقة النفوذ هذه، وستعمل ما بوسعها لمزاحمة روسيا فيها، وبدوره نظام الأسد سيعمل على استمرار وجوده-ولو اعتبارياً-كصاحب "السلطة الشرعية" في هذه المنطقة.

في أوج "العربدة" الروسية في سوريا عام 2016 رفض المفاوضون الأمريكيون عقد اتفاق مع نظرائهم الروس، يمنحون بموجبه روسيا مكسباً سياسياً ما من تدخلها العسكري في سوريا، شهادة "أندرو إكسوم" نائب مساعد وزير الدفاع لسياسة الشرق الأوسط، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، تدحض كل التضليل الروسي في قدرتهم الكبيرة على التأثير إنهاء الصراع، أو التوصّل إلى حلّ سياسي، قال "إكسوم" في شهادته": "أرادت مجموعة متنوعة داخل الإدارة، بما في ذلك الدبلوماسيون وبعض الضباط العسكريين الذين يرتدون الزي العسكري، الذهاب إلى أبعد من ذلك، وبالنظر إلى الأهوال اليومية التي نشهدها في سوريا، فقد تساءلوا عما إذا كان ينبغي علينا التعامل مع روسيا بشأن الطرق التي قد نتمكن من خلالها إنهاء الصراع. لم أشعر في ذلك الوقت، ولا أشعر الآن أن هذا كان مسارًا حكيمًا للعمل: كانت روسيا تعمل في تحالف مع نظام الأسد وإيران وحزب الله، ومن بين هؤلاء الأربعة، يمكن القول إن روسيا كانت العضو الأقل نفوذاً. لم أكن متأكدًا من أن روسيا، حتى لو توصلت إلى اتفاق معنا، يمكنها أن تجلب معها شركائها في تحالفها. (كان هذا على عكس موقفنا، حيث يمكننا التحدث كثيرًا باسم الدول الأخرى من حلفائنا)".

وعلى خلاف ما تحدثت عنه دراسة "منى يعقوبيان" الصادرة عن معهد السلام الأمريكي، حول استراتيجية روسيا في مناطق النفوذ في سوريا، فإن مناطق النفوذ لم تكن أبداً استراتيجية روسيا، بل على العكس كانت تريد سوريا بكاملها منطقة نفوذ تفتح لها أبواب نفوذ أخرى في المنطقة مثل دول الخليج ومصر، باعتبار روسيا شريكاً موثوقاً به "حين تتلبّد الغيوم"، لكن فشلها في إعادة تأهيل الأسد، وزيادة الازدراء الدولي لنظامه، يزيد من بؤس روسيا وخيبتها.

استمرار الخيبة الروسية قد يكون العنوان الأبرز للعشرية الثانية، ما لم تراجع روسيا حساباتها، وتضع حدّاً لمغامرتها اللا أخلاقية المتهورة، التي دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً جداً لها.

بالمقابل قد يكون العنوان الأبرز للعشرية الثانية هو تكريس منطقتي النفوذ الأمريكية والتركية،عسكرياً واقتصاديا وسياسياً ً، وذلك يستلزم بشكل ما فكّ الارتباط الدولي مع روسيا، وتجنّب تأثيرها على قرارات مجلس الأمن عبر الفيتو، وتجاوز حديثها عن سيادة النظام، ووحدة وسلامة الأراضي السورية.

قرار تمديد المساعدات الإنسانية المتزامن مع انتخابات النظام القادمة، سيكون أول ملامح العشرية الثانية.

الجسر للدراسات