الأحد 2020/05/17

أين الخطأ في مؤتمرات الاتحاد الأوربي في بروكسل حول سوريا ؟

أعلن الاتحاد الأوربي عن موعد مؤتمر بروكسل الرابع حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة، ووجّه الدعوة للمانحين بغرض جمع المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في دول الجوار على وجه الخصوص، وللنازحين والمحتاجين في داخل البلاد.

ليس هناك أي توقّعات لطرح خطّة لحل سياسي، أو حتى تطرّق لها إلا من خلال التأكيد على وجوب تطبيق قرارات الأمم المتحدة مثل القرار 2254،وبيان جنيف، وضرورة تفعيل عمل اللجنة الدستورية.

ومع أن السيدة موغيريني مسؤولة السياسات الخارجية السابقة في الاتحاد الأوربي، كانت قد قالت في بروكسل 3 " إن المؤتمر لا ينبغي أن يكون لمجرد جمع التبرعات" لكنه حقيقة يبقى كذلك.

المبالغ المالية التي يجمعها المؤتمر يرسل معظمها عادة إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر لمساعدة هذه الدول في تحمّل أعباء وجود اللاجئين السوريين على أراضيها، وهذه المسألة هي التي تأتي على أولوية اهتمامات وسياسة الاتحاد الأوربي، حيث يرى أن هذه المساعدات ستكون كافية لمنع وصول اللاجئين السوريين إلى أوربا على غرار ما حدث في موجة عام 2015.

هذه الأموال أيضاً حسب ما يشترط الاتحاد الأوربي، لا يصرف منها شيء في مشاريع إعادةالإعمار "إلا إذا بدأت عملية سلام ذات مصداقية في جنيف برعاية الأمم المتحدة" كما ورد على لسان موغريني.

يتخلل المؤتمر خلافات متكررة من بعض الدول المستضيفة للاجئين في الحصص المخصصة لها، وأنها لا تفي بالاحتياجات والمصاريف الحقيقية التي تنفقها من ميزانياتها على اللاجئين، وخصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، كما أنه هناك عدم رضى من جانب آخر عن سياسات الاتحاد الأوربي في اعتبار هذه الأموال عاملا مساعدا على توطين اللاجئين السوريين في هذه الدول، وثمناً لقبول ذلك.

روسيا تنتقد هذا المؤتمر أيضاً، وتشدد على وجود تناقض بين جمع المساعدات لسوريا وبين فرض العقوبات الاقتصادية والمالية عليها من وجهة نظر روسيا، كما أن نظام الأسد يستنكر عدم دعوته لحصور المؤتمر، ويدين بشدة حسب تصريح لوزارة خارجيته تسييس قضية المساعدات الإنسانية.

أين الخطأ في مؤتمر بروكسل للمانحين؟

أهداف الاتحاد الأوربي المتعلقة بسوريا في "إنهاء الحرب عبر عملية انتقال سياسي"حسب وثيقة ستراسبورغ 14/3/2017 التي سبقت مؤتمر بروكسل 1 بأقل من ثلاثة أسابيع، كانت تتطلب من الاتحاد:

• أولاً: دعم وتقوية المعارضة السورية وخصوصاً هيئة التفاوض والائتلاف الوطني.

• ثانياً: مواصلة "دعم تعاون المعارضة السياسية السورية وانخراطها مع المجموعات المسلحة المعتدلة، بغية تقوية مشاركتهم في وقف إطلاق النار، والتحضيرات من أجل انتقال سياسي مستقبلي"

•ثالثاً: التوسّع في ما قدّمه الاتحاد الأوربي "من دعم إلى هياكل الحوكمة المدنية المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، كالمجالس المحلية وغيرها من الكيانات الإدارية" والعمل "مع الحكومة السورية المؤقتة لضمان مقاربات مكمّلة ومتناسقة ضمن قطاعات مختلفة وعبرها".

هذا المنحى في الاستراتيجية الأوربية يدل في أبعاده الثلاثة السياسية والعسكرية والخدمية، على دعم حكم محلي قادر على اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، وتوفير الأمن والخدمات الأساسية للسكان المحليين، و"خلق فرص العمل من خلال مقاربات تستند إلى المجتمع، وذات ملكية محلية لتوليد الدخل، وترويج الشعور بالتمكين" كما ورد حرفياً في الاستراتيجية، ويدل على رغبة الاتحاد في أن يصبح هذا الحكم المحلي قادراً على الاعتماد على نفسه وعلى موارده الذاتية، وليس فقط انتظار تلقّي تبرعات المانحين، وإنفاقها فيما يشبه عمل الجمعيات الخيرية.

لكن الذي حدث كان عكس هذه الاستراتيجية تماماً إلى يومنا هذا، فمؤتمرات بروكسل الثلاثة الماضية لم تلتزم بالاستراتيجية التي تبنّاها مجلس الاتحاد الأوربي، ورغم اللقاءات "الماراثونية" التي حصلت بين ممثلي الاتحاد الأوربي من جانب وبين ممثلي الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة من جانب آخر، إلّا أنّ الاتحاد وبدون مبررات مقبولة تجنّب دعوة المعارضة التي يمكنها أن تدير الحكم المحلي ضمن المعايير التي يطلبها الاتحاد من حيث الشفافية والتشاركية وغيرها، وذهب إلى التسابق لجلب عدد كبير من ممثلي منظمات المجتمع المدني، وصل عددهم إلى أكثر من 500 يمثلون أكثر من 300 منظمة، من بينهم ما يزيد عن 200 منظمة من سوريا.

الاتحاد الأوربي سيواصل خطأه هذا في مؤتمر بروكسل 4 القادم، والسؤال للاتحاد الأوربي لا يزال قائماً، لماذا لم يلتزم بالاستراتيجية التي تبنّاها مجلسه، وهي كما سلف كانت ستقود إلى إنشاء حكم محلي يمكن الاعتراف به دولياً حال استمرار رفض النظام في الانخراط في العملية السياسية، ويستطيع هذا الحكم المحلي أن يؤمّن الاستقرار لملايين السكان المحليين ويقدم لهم الخدمات الأساسية، ويوفر فرصة عودة عدد من اللاجئين السوريين، إن كان في دول الجوار أو في أوربا، ويضع النظام في مأزق فقدان شرعيته، بينما العمل مع منظمات المجتمع المدني لا يحقق أي شيء من ذلك؟!

دون الوصول إلى جواب سيكون على عاتق الاتحاد تكرار عقد مؤتمرات المانحين مرة تلو الأخرى دون أهداف استراتيجية تُذكر!.