الثلاثاء 2019/03/26

واشنطن بوست: هل يثور مؤيدو الأسد عليه مع تدهور مستوى المعيشة؟

بقلم: ليز سلاي

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يبدو أن السوريين الذين ظلوا مؤيدين لبشار الأسد، طوال السنوات الثماني الماضية من الحرب، يعبّرون اليوم وبشكل متزايد عن استيائهم من النظام في ظل استمرار تدهور مستوى المعيشة في البلاد حتى مع اقتراب الصراع من نهايته.

يعيش السوريون، البالغ عددهم 19 مليونا، في ظروف مزرية في جميع أنحاء البلاد التي مزقتها، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق التي ما تزال خارج سيطرة النظام. وفقا للأمم المتحدة، فقد تم تهجير وتدمير بلدات وقرى بأكملها، ويعيش نحو 89 ٪ من السكان في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية الدولية.

ولكن لأول مرة، يعاني أولئك الذين يعيشون في المناطق التابعة للنظام التي لم تشهد أعمال عنف أقسى أشكال الحرمان، بما في ذلك في العاصمة دمشق.

يقول السكان هناك إن الحياة أصبحت أكثر صعوبة في الأشهر الأخيرة الماضية مقارنة بالسنوات الثماني الماضية للحرب، الأمر الذي يوضح حجم الأضرار الهائلة التي ألحقتها الحرب بالاقتصاد السوري والنسيج الاجتماعي وكذا مكانة سوريا في الأوساط الدولية.

إلى حين استعادة آخر ضاحية من ضواحي دمشق العام الماضي، كانت تنشر القذائف التي يتم إطلاقها على الأراضي التي يسيطر عليها الثوار بانتظام في شوارع العاصمة، حالة من الذعر وعدم اليقين.

قال كاتب مقيم في دمشق، تحدث إلينا شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته، لقد أنهت السيطرة على ضاحية الغوطة الشرقية العام الماضي القصف والصواريخ، ولكنه لم يحقق الهدوء الذي كان يأمل سكانها في الحصول عليه. مضيفاً "إننا نعيش أسوأ الأوقات على الإطلاق، بالكاد يستطيع الناس البقاء على قيد الحياة، كما إن أعداد المعوزين والفقراء تتزايد كل يوم".

عانى المواطنون من النقص الحاد في الوقود والغاز والكهرباء خلال فصل الشتاء البارد، كما إن التذبذبات والانخفاض الذي شهدته العملة السورية بعد اندلاع الحرب أديا إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

يعود الآلاف من الرجال الذين قاتلوا في الخطوط الأمامية لسنوات إلى ديارهم اليوم، دون أمل في العثور على وظائف. لقد غذّى الاقتصاد الحربي الفساد ليصل مستويات لم يسبق لها مثيل، ما يزيد من حجم التحديات اليومية للمواطنين السوريين والتي تتمثل في الوقوف لساعات طويلة لتأمين الاحتياجات الأساسية واضطرارهم لدفع عدة رشاوي لعدد من الجهات الرسمية، حسب ما جاء على لسان سكان دمشق.

يأمل الكثيرون -ويعمل النظام على تعزيز هذه الآمال- في أن يعود المستثمرون العرب الأغنياء إلى دمشق، وتتدفق أموال الصين لتمويل مشاريع إعادة الإعمار وأن تقل العقوبات الأمريكية، من غير المرجح أن تتحقق آمالهم هذه في أي وقت قريب.

تمتلئ المقاهي والحانات في دمشق ليلا، ما يعطي انطباعا عن استرداد المدينة عافيتها، إلا أن المحتفلين لا يشكلون سوى فئة صغيرة من النخبة ممن استفادوا من الحرب، كما أن طريقة عيشهم هذه تؤجج استياء الغالبية العظمى من الناس الذين يكافحون بشكل يومي من أجل البقاء على قيد الحياة على حد قول السكان.

قال داني مكي، محلل وصحفي بريطاني من أصول سورية يعيش في دمشق: "إن ما وُصف انتصارا عسكريا كبيرا لم يتم استخدامه لتحسين الظروف المعيشية كما كان متوقعا"، مضيفا:"هناك ما لا يزيد عن 3 إلى 4 ٪ من الناس الذين يملكون جل الثروة، في الوقت الذي يرى فيه البقية الحياة مجرد صراع". وأضاف قائلا "إنه وضع محبط، لقد كان شتاء قاسيا، فحتى عندما كانت المجموعات المسلحة على أعتاب دمشق، لم تكن كل هذه المشاكل بخصوص ظروف المعيشة".

ينعكس هذا الإحباط على شكل سيل من الشكاوى التي تتهاطل على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الموالين للأسد بشكل غير مسبوق، بما في ذلك بعض المشاهير والشخصيات التلفزيونية الذين استخدموا مكانتهم في الماضي لحشد الدعم لنظامه.

كتب أيمن زيدان، ممثل سوري بارز، في منشور له على صفحته فيسبوك، " لقد انتصرنا لكن لا معنى للنصر إن لم تعد لنا أوطاننا التي نعرفها"، ما يعكس الشعور بخيبة الأمل من انتصار الأسد عسكريا على معارضيه والذي لم يجلب أي نوع من الراحة لمناصريه.

وفي منشور لها على صفحتها فيسبوك، اشتكت شكران مرتجى، ممثلة سورية معروفة، من سوء الأوضاع بقولها "لقد سئمنا من الوعود والتعهدات على أجهزة التلفزيون والراديو"، وأضافت متسائلة: "هل سنسمح للذين لم يموتوا إبان الحرب بالموت من البؤس والبرد والأسعار المرتفعة؟"

أعرب عشرات الأشخاص من متابعيها على صفحتها، البالغ عددهم 54000 متابع، عن دعمهم لمنشورها الذي تمت مشاركته أكثر من 2000 مرة. علق أحدهم قائلا "أنا متأكد من أن رسالتك ستصل إلى بشار الأسد، نحن معكِ ونضيف أصواتنا إلى صوتكِ".

يبدو أن الأسد قد سمع هذه الشكاوى؛ ففي خطاب له ألقاه في دمشق في شباط/ فبراير الماضي، كان دفاعيا على نحو غير اعتيادي، حيث أقر بمعاناة البعض وأن انتشار الفساد بين المسؤولين المحليين قد زاد من حجم المصاعب التي يواجهها الناس. لكنه وجه للسوريين المغتربين أقوى الانتقادات، وعزا نقص المنتجات الحيوية إلى العقوبات الأمريكية.

يقول خبراء اقتصاديون ودبلوماسيون غربيون إن العقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على سوريا كانت على الأرجح، السبب في النقص الحاد وغير المتوقع في منتجات الطاقة في الأشهر الأخيرة.

قال جهاد يازجي، محرر صحيفة "سوريا ريبورت"، وهي جريدة إلكترونية تُعنى بالأخبار الاقتصادية، إن تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية، بحق أفراد مرتبطين بنظام الأسد، على الناس العاديين كان ضئيلا للغاية في الأيام الأولى للحرب. بصرف النظر عن الفترة الوجيزة التي نفدت فيها إمدادات الوقود والغاز بسبب نزاع بين النظام وإيران قبل عامين، باعتبار إيران المورّد الرئيسي لسوريا، فإن معظم المنتجات كانت متوفرة على نطاق واسع في المناطق التي يسيطر عليها النظام خلال المراحل المختلفة للنزاع.

ومع ذلك، فقد استهدفت العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية شركات الشحن التي توفر الوقود والغاز لسوريا، الأمر الذي دفع بشكل مفاجئ أولئك الذين يقومون بنقل هذه المواد إلى سوريا إلى التوقف خشية تعريض أعمالهم للخطر في أماكن أخرى، على حد قوله.

ومع ذلك، يلقي معظم السوريين باللوم على النظام بسبب النقص الذي تشهده أغلب المنتجات الأمر الذي يعكس مدى استيائهم. يقول أحد الكتاب الذين يعيشون في دمشق "لا يلقي الناس باللوم على أمريكا، أو على الأقل لا يحملون أمريكا المسؤولية الرئيسية عما يحدث، فهم يلقون باللوم على حكومة النظام لأنهم يدركون مدى عجزها وفسادها". مضيفا بالقول إنه، لا يزال محظورا انتقاد الأسد، فالرأي المعبر عنه بشكل عام هو أن الأسد ليس متورطا في الإدارة اليومية للبلاد، وأن المسؤولين الفاسدين وبارونات الحرب المحليين هم المسؤولون عن هذه الإخفاقات.

في تجسيد واضح لهذا السلوك، تضمن الممثلة نداء مباشر للأسد في منشورها على فيسبوك حيث كتبت "أرسل إليك هذه الرسالة لأنك الشخص الوحيد الذي يصغي إلينا ويفي بوعوده إن وعد" مضيفة "نحن جميعا مع الوطن، لكننا لا نريد أن يكون الوطن ضدنا".

لا يتوقع أحد قيام ثورة أخرى ضد الأسد في الوقت الحالي، على الأقل في المناطق الموالية، بحسب ما يرى السوريون. فقد أشعلت احتجاجات عام 2011، التي خرج فيها ملايين الأشخاص إلى الشوارع داعين الأسد إلى التنحي، حربا أزهقت أرواح نحو نصف مليون شخص، ودفعت بأكثر من 6 ملايين سوري إلى اللجوء وخلفت أضرارا بالاقتصاد والبنية التحتية تقدر تكلفتها بنحو 388 مليار دولار وفقا للأمم المتحدة.

قال الكاتب معلقا على هذا الموضوع "هذا آخر ما يريده الناس، فلم يعد أحد يهتم " مضيفا "لا توجد أسرة واحدة لم تفقد عزيزا خلال هذه الحرب. إنهم يريدون فقط أن ينتهي الأمر ويحاولون تدبر أمورهم المعيشية".

كما إن التواجد المستمر لأجهزة الاستخبارات يحد من انتشار رقعة الانتقادات. فقد أرعب اعتقال واختفاء "وسام الطير"، أحد مؤيدي النظام البارزين والذي كان يدير صفحة إخبارية مؤيدة للنظام على فيسبوك تحت اسم "دمشق الآن"، العديد من مؤيدي النظام المستائين. لا تزال أسباب اعتقاله غير واضحة، كما لا يزال مكان وجوده الحالي مجهولا، وفقا لأشخاص على معرفة شخصية به.

هناك جدال حول ما إذا كان النظام قد قرر التسامح مع الانتقادات الموجهة له من مؤيديه أو ما إذا كان ببساطة غير قادر على القبض على كل المشتكين. اختفى أكثر من 100 ألف سوري في سجون النظام منذ عام 2011، كما تم إعدام عشرات الآلاف أو قتلوا تحت التعذيب، وفقا لعدة منظمات إنسانية. إلا أن معظم هؤلاء الضحايا كانوا ممن أرادوا الإطاحة بالأسد. قال يازجي، بما أن التحدي يكمن في مجموعات المعارضة التي تضمنت مجموعة واسعة من وجهات النظر، بدءا بالنشطاء الديمقراطيين وصولا إلى المتطرفين، فإن أولئك الذين يقفون بجانبه يشعرون بأن لهم الحق في التعبير عن آرائهم. وأضاف: "لم يعد هناك حاجة لبقائهم مع بعضهم لمواجهة عدوهم المشترك، يقول العديد من الناس اليوم: لقد هزمنا عدونا المشترك، لذا دعونا الآن ننظر من المسؤول عن الكارثة التي نعيشها".

ومع ذلك، فإن هذا الشعور يثير أيضا تساؤلات حول مستقبل سوريا واستدامة حكم القبضة الحديدية لعائلة الأسد، وفقا لمسؤول سوري متقاعد، تحدث إلينا أيضا شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته.

يعلق العديد من الموالين السوريين آمالهم على عملية السلام التي تقودها روسيا، وتدعمها الأمم المتحدة. تقترح الخطة الروسية إدخال إصلاحات على الدستور السوري، وضم بعض أعضاء المعارضة إلى حكومة النظام وربما إضعاف سلطة الأسد المطلقة. إن الفكرة من هذه الخطة أن تتدخل كل من الولايات المتحدة وأوروبا في مثل هذه التسوية، ما يفتح الطريق أمام الحصول على تمويل إعادة الإعمار والاستثمار الأجنبي وإعادة تأهيل سوريا من قبل المجتمع الدولي.

ومع ذلك، فقد أعرب الأسد مرارا وتكرارا عن معارضته لأي تغييرات دستورية يتم التفاوض عليها من قبل القوى الأجنبية.

لم يدعم المسؤول المتقاعد الذي تحدث إلينا المعارضة، لكنه شكك في جدوى نظام لا يظهر أي استعداد للتسوية في مواجهة التحديات الهائلة التي تواجهه. وأضاف بالقول: "إذا كانت الحرب السورية شبيهة بكرة السلة، فيمكن اعتبار هذا الهدوء وقتا مستقطعا، إذ ينتابنا شعور بأن الحرب لم تنته بعد".