الثلاثاء 2019/06/04

واشنطن بوست: هكذا يرحب الأسد باللاجئين العائدين


بقلم: لويزا لوفلوك

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تم إلقاء القبض على المئات من اللاجئين السوريين بعد عودتهم إلى ديارهم قبيل انتهاء الحرب التي فروا منها سابقا، ليتم استجوابهم، كما أجبر العديد منهم على التبليغ على أفراد من أسرهم، في حين تعرض الكثير منهم للتعذيب، حسب ما جاء على لسان العديد من العائدين إلى سوريا ومراقبين في مجال حقوق الإنسان.

يواجه الكثيرون ممن نجوا من المعارك على الأراضي التي سيطر عليها الثوار سابقا واستولت عليها قوات النظام الآن، مصيرا مشابها اليوم، في الوقت الذي يقوم فيه نظام بشار الأسد بالاعتماد على المخبرين وعمليات الترصد بشكل أكبر.

بالنسبة للعديد من اللاجئين السوريين، عادة ما تتطلب عودتهم إلى منازلهم الحصول على إذن من النظام واستعدادهم لتقديم بيان كامل عن أي ضلوع لهم في المعارضة السياسية.

لكن أظهرت العديد من الحالات أن الضمانات التي يقدمها النظام جزء من عملية "مصالحة" جوفاء، حيث يتعرض العائدون للمضايقة أو الابتزاز من قبل الأجهزة الأمنية أو يتعرضون للاحتجاز والتعذيب للحصول على معلومات أثناء وجودهم في الخارج، بحسب تصريحات الكثير من العائدين ومجموعات المراقبة.

تم اعتقال نحو 2000 شخص بعد عودتهم إلى سوريا خلال العامين الماضيين، وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، في حين تم اعتقال المئات في المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار.

يقول أحد الشباب العائدين إلى مناطق سيطرة النظام خارج دمشق: "لو كنت أعلم عن هذا الوضع، ما كنت لأعود أبدا"، قائلا إنه تعرض للمضايقات على مدار أشهر من قبل أفراد قوات الأمن الذين جاؤوا مرارا إلى منزله وأوقفوه عند نقاط التفتيش لتفتيش هاتفه.

وأضاف: "لا تزال عمليات الاحتجاز قائمة من قبل الشرطة السرية، الأمر الذي يجعل الناس في حالة من الارتياب والخوف، فعندما يظهرون على أعتاب بابك لا يمكنك الرفض ولا يبقى أمامك سوى الذهاب معهم".

تحدث إلينا العائدون شريطة عدم الكشف عن هويتهم وإخفاء أسماء عائلاتهم خوفا على حياتهم.

منذ اندلاع الحرب عام 2011، فر أكثر من 5 ملايين شخص من سوريا ونزح 6 ملايين آخرين إلى أجزاء أخرى من البلاد، وفقا للأمم المتحدة، وتمثل هذه الأعداد أكثر من نصف السكان السوريين بقليل.

خلال العامين الماضيين، عندما هزمت قوات الأسد الثوار واستعادت السيطرة على جزء كبير من البلاد، بدأ اللاجئون في العودة. تقول الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 164 ألف لاجئ قد عادوا إلى البلاد منذ عام 2016. ولكن، بسبب عدم قدرتها على دخول البلاد، لم تتمكن الأمم المتحدة من معرفة ما إذا كانوا قد عادوا إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أو المعارضة.

دعا الأسد إلى المزيد من عمليات العودة، وشجع العائدين في خطاب متلفز له في شباط/ فبراير الماضي على "القيام بواجباتهم الوطنية"، وقال حينها إنه ستتم مسامحة كل العائدين "الصادقين منهم".

وجد استبيان أجري مؤخرا على السوريين العائدين لمناطق سيطرة النظام أن نحو ٪ 75 منهم تعرضوا للمضايقات عند نقاط التفتيش أو في مكاتب التسجيل التابعة للنظام أو في الشارع، وتم تجنيدهم على الرغم من الوعود بإعفائهم أو عدم اعتقالهم.

وقال نادر عثمان، أحد الأمناء في الرابطة السورية لكرامة المواطن، التي قالت إنها أجرت مقابلات مع 350 عائدا من جميع أنحاء سوريا: "وفقا لبياناتنا، من النادر ألا يتعرض العائدون إلى أي مضايقات"، مضيفا قوله: " الواضح أن معظم الأشخاص الذين عادوا ظنوا أنهم لن يتعرضوا لمضايقات من قبل النظام، لقد ظنوا أن عدم انضمامهم لصفوف المعارضين كفيل بجعلهم خارج دائرة المحاسبة".

طلبنا من مسؤولي النظام التعليق على المعاملة التي يتعرض لها العائدون وغيرهم من السوريين الذين يعيشون اليوم تحت سيطرة النظام لكن دون جدوى.

يقول العديد من اللاجئين خارج سوريا إنهم كانوا قلقين بشأن العودة إلى ديارهم، مع تزايد المخاوف بشأن سلامتهم الشخصية في ظل توافد التقارير التي تفيد بأن النظام لم يفِ بوعوده والضمانات التي قدمها. تقول منظمات الإغاثة إنه لا توجد علامات تدل على بدء عودة اللاجئين على نطاق أوسع في القريب العاجل.

خلال محادثات لهم مع ممثلي الأمم المتحدة، أوضح كبار المسؤولين السوريين أنه ليس مرحبا بكل العائدين، وهو ما أكده مسؤولان أوروبيان اطلعا على المحادثات، قالوا إن الأفراد الذين تربطهم صلات بجماعات معارضة أو نشاط إعلامي أو عمل إنساني ليس مرحبا بعودتهم.

لكن الضغوط على اللاجئين للعودة تتزايد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، خاصة مع تشديد جيران سوريا القيود المفروضة عليهم للدفع بهم إلى المغادرة.

"كانوا على علم بكل شيء":

غادر "حسن" البالغ من العمر 30 عاما منزله في محافظة حمص عام 2013. وقبل أن يعود نهاية العام الماضي، حصل على ما اعتقد أنه ضمانة لسلامته بعد دفع رشوة كبيرة لمسؤول أمني رفيع المستوى.

لكن ضباطا من فرع "أمن الدولة" استقبلوه في المطار واقتادوه للاستجواب، يقول حسن "لقد كانوا على علم بكل شيء، ما فعلته في الخارج، والمقاهي التي جلست فيها، حتى الوقت الذي جلست فيه مع أنصار المعارضة خلال مباريات كرة القدم".

بعد أسبوع، ألقي القبض على حسن خلال زيارة له لمكتب تسجيل واقتيد إلى مركز شرطة قريب. يقول إنه احتجز في غرفة صغيرة حيث قام الضباط بالتناوب على ضربه واستجوابه، متهمين إياه بنقل ذخيرة لجماعة معارضة مسلحة داخل سوريا في عام 2014.

قال حسن إنه " أخبرهم أنهم يعلمون أنه لم أكن داخل سوريا في ذلك الوقت، وأن ما فعلوه كان لطلب المال منه وإخباره بأنه الطريق الوحيد لنيل حريته".

وقال إنه في إحدى الأيام، قام الحراس بجر امرأة شابة أمام عينيه و"ضربها حتى صرخت، [ثم] أخبروني بأنهم سيفعلون الشيء نفسه بي إن لم أتعاون معهم".

يقول حسن إنه أطلق سراحه في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي بعد أن دفع أقاربه رشوة أخرى تقدر بنحو 7000 دولار.

يجب على السوريين العائدين من الخارج، مثل حسن، الحصول على موافقة أمنية لمجرد الدخول مرة أخرى للبلاد، وفي بعض الحالات يجب عليهم توقيع تعهدات بالولاء وتقديم تقارير مستفيضة حول أي نوع من الأنشطة السياسية، بحسب ما جاء في الوثائق التي تتضمن الأسئلة التي يجب طرحها والبيانات التي يجب توقيعها والتي تتضمن عبارات من قبيل "أنا على استعداد تام للتعاون مع السلطات المعنية للحفاظ على سلامة الوطن والإبلاغ عن أي شيء مشبوه من شأنه أن يؤثر على الأمن".

بالنسبة لسوريين آخرين، بمن فيهم المدنيون ومقاتلو الثوار في مناطق المعارضة التي استولت عليها قوات الأسد، فإن صفقات الاستسلام التي فرضها النظام تنص على "مصالحة" رسمية تديرها أجهزة الأمن. إلا أنه تم اعتقال المئات كجزء من هذه العملية، حيث قامت مجموعات محلية تعمل في المناطق المتنازع عليها سابقا، بما في ذلك درعا والغوطة الشرقية وجنوب دمشق، بتوثيق 500 حالة اعتقال على الأقل منذ آب/ أغسطس الماضي.

 

خلال الشهر الماضي، قالت الأمم المتحدة إنها وثقت 380 حالة اعتقال في درعا وحدها، وإن شخصين على الأقل لقيا حتفهما داخل الحجز.

غالبا ما تتضمن الاعتقالات استجوابا مكثفا، مع نقل المحتجزين بشكل متكرر إلى مكاتب الاستخبارات حيث يتم تعريضهم للتعذيب وغيره من الإساءات المعروفة، وفقا لمجموعات حقوق الإنسان ومحتجزين سابقين، حيث قال العديد منهم إن عظام معاصمهم قد انكسرت بسبب تعليقهم لفترات طويلة.

طُلب من المدنيين - الذين قاموا بعمليات المصالحة بالمناطق التي كان يسيطر عليها الثوار سابقا- في وثيقة أخرى تستخدمها قوات الأمن: "وضح دورك في الأحداث الجارية ومشاركتك في الاحتجاجات وأعمال الشغب والأنشطة الإرهابية المسلحة واذكر تفاصيل مشاركة أقاربك في الأحداث الحالية".

"لا نعرف ما الذي سنفعله":

يصف العائدون والمدافعون عن اللاجئين عملية المصالحة بأنها وسيلة يستخدمها النظام لجمع المزيد من المعلومات عن المواطنين والحيلولة دون قيام معارضة في المستقبل.

توضح الوثائق التي أصدرها هذا الشهر مركز العدالة والمساءلة السوري ومقره واشنطن نوع المعلومات التي تم جمعها قبل ثورة 2011.

تتضمن مذكرات الأجهزة الأمنية، بما في ذلك أفرع الأمن السياسي والمخابرات العسكرية، تقارير عن الرحلات الميدانية لأندية الشباب. خلال الوقت الذي بدأت فيه الاحتجاجات الشعبية، زادت أعداد أسماء المخبرين والمجندين الذين تم تعيينهم.

يقول باحثون ودبلوماسيون غربيون إن أجهزة الأمن التابعة للنظام تستخدم العائدين الآن لزيادة كم معلوماتهم الاستخباراتية وسد الثغرات التي فتحت خلال الحرب.

تقول إيما بيلز، وهي محللة مستقلة تجري أبحاث في ظروف العائدين السوريين: "لا يقوم النظام بتأمين عمليات العودة فحسب بل يضفي الطابع المؤسسي على نظام جمع المعلومات من خلال استخدام مخبرين" مضيفة: "من أجل العودة إلى ديارهم، يجب أن يتعامل نصف السكان الذين نزحوا مع مجموعة من وكالات الأمن والمخابرات المسؤولة عن احتجاز وتعذيب عشرات الآلاف من المواطنين خلال النزاع".

رغم أن العديد من السوريين يخشون ما ينتظرهم في بلادهم، فقد لا يكون لديهم خيار آخر بخصوص البقاء في المنفى.

لدى السوريين الذين يعيشون في لبنان والأردن وتركيا حقوق محدودة في مجال العمل. كما أصبح من الصعب بشكل متزايد تأمين الأوراق المطلوبة للبقاء داخل هذه البلدان بشكل قانوني، ما يزيد من خطر تعرض السوريين للاستغلال والإيذاء، فضلا عن تقييد حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم.

في الوقت نفسه، تقوم الأجهزة الأمنية في كل بلد بترحيل عدد متزايد من السوريين، حسب مجموعات الإغاثة، ناهيك عن مخاوفهم المتزايدة بشأن التعرض للمضايقات أو الاعتقال أو التعذيب في بلدهم الأم.

في لبنان، أجبر البعض على التوقيع على وثائق ترحيلهم والقول إنه طوعي، وفقا لـ "هيومن رايتس ووتش".

قال نجار من محافظة حلب يعيش الآن كلاجئ في العاصمة اللبنانية بيروت: "لا نعرف ما الذي يجب فعله حقا". مضيفا: "على الرغم من وجودي بالقرب من عائلتي، إلا أن كل ما يراه ابني هو أب لا يستطيع أن يعيله وأواجه خطر الترحيل عند ذهابي للعمل. لكنني لا أستطيع العودة إلى الوطن [إلى سوريا] لا أستطيع فعل ذلك. سيكون الأمر أشبه بالتوجه نحو حفرة مظلمة".