الخميس 2019/01/17

واشنطن بوست: هكذا يتحيز ترامب لروسيا

بقلم: مايكل ماكفول

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


من أجل الدفاع عن نفسه من الاتهامات الموجهة إليه بالتواطؤ والتعاون مع مسؤولين حكوميين الروس خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016، كرّر الرئيس ترامب جملة مألوفة "لقد كنت أكثر صرامة وحزماً مع روسيا من أوباما، بوش أو كلينتون أو أي رئيس آخر".

كان تصريحه أقرب إلى الحقيقة لو أنه أشار إلى إدارته أكثر من نفسه. لدى إدارة ترامب سياسة صارمة تجاه روسيا، وهي سياسة أؤيدها في الغالب. لكن ترامب لا يؤيدها. فخلال السنتين الماضيتين، أوضح باستمرار أنه لا يدعم سياسة إدارته تجاه روسيا.

تشير استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب بشكل صريح إلى أن "الصين وروسيا تتحدّيان قوة ونفوذ الولايات المتحدة وتستهدفان مصالحها، وتحاولان تقويض الأمن والازدهار الأمريكيين". لكن ترامب لم يعرب قطّ عن دعمه لهذا النهج. لقد قال عكس ذلك تماماً، ما يشير مراراً وتكراراً إلى أنه يريد أن يكون صديقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويؤمن بأن "التعايش مع روسيا أمر جيد، وليس أمراً سيئاً".

بعد غزو بوتين لأوكرانيا وضمه شبه جزيرة القرم عام 2014، زادت إدارة أوباما من الإنفاق العسكري في أوروبا، وساهمت في تحسين القدرات العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بما في ذلك نشر قوات جديدة بالقرب من الحدود الروسية. وبالفعل فقد دعمت إدارة ترامب هذه السياسة ووسّعت من نطاقها. ومع ذلك فقد ظلّ ترامب، كمرشح ورئيس، معارضاً ومنتقداً لهذه السياسة وحلف الناتو. في الآونة الأخيرة، علمنا أن ترامب قد هدّد بالانسحاب من الحلف. إن وجود تقارير عن هذه التهديدات في حد ذاتها هدية لبوتين، لأنها تقلل من المصداقية التي يعتمد عليها موقفه الرادع.

لقد واصلت إدارة ترامب بالفعل تطبيق سياسة أوباما في فرض عقوبات على المسؤولين والشركات الروسية رداً على سلوك بوتين. لكن ترامب لم يعرب قطّ عن دعمه لهذه العقوبات. فعندما وقّع قانوناً تحت اسم "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، كان ازدراؤه للقانون جليّاً. ثم فجأة، دعا فريق ترامب إلى رفع العقوبات المفروضة على الشركات التي يسيطر عليها رجل الأعمال الشهير أوليغ ديريباسكا، على الرغم من أن بوتين لم يغيّر سلوكه العدواني على الإطلاق.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2018، احتجز بوتين عشرين بحاراً أوكرانيا في المياه الدولية. انتقدت إدارة ترامب هذا العمل الإجرامي بينما لم يعلق ترامب كثيرا على الموضوع فقال "إن ما حدث ليس جيدا ولست سعيدا على الإطلاق ... نحن لا نحب ما يحدث من كلا الجانبين"  كما لو أن للأوكرانيين ذنباً في هذه الجريمة؟ حتى الآن، لم يتخذ الرئيس أي إجراء للمساعدة في تأمين إطلاق سراح أولئك البحارة.

تسعى إدارة ترامب إلى احتواء النفوذ الروسي في الشرق الأوسط والضغط قدر الإمكان على أهم حليف لروسيا في المنطقة، إيران. لكن ترامب أعلن للتو عن رغبته في سحب الجنود والمعدات الأمريكية من سوريا، وهو ما يسعى إليه بوتين وحلفاؤه الإيرانيون بالضبط.

لقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها وكالات الاستخبارات الأمريكية والمحامي الخاص روبرت مولر، أدلة كثيرة على أن الحكومة الروسية انتهكت سيادة الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وقد أيد كبار مسؤولي الإدارة هذه التقييمات؛ مؤكدين أن ترامب لم يفعل ذلك. عندما أتيحت له الفرصة المثالية لإثبات حزمه تجاه بوتين بخصوص هذه القضية عندما كان هذا الأخير إلى جانبه خلال مؤتمر صحفي لهما في هلسنكي، فعل ترامب عكس ذلك تماما، موضحا: " لدي ثقة كبيرة في موظفي الاستخبارات الأمريكية، لكن الرئيس بوتين قد أكد ونفى وجود يد لروسيا فيما حدث"، مضيفاً: " لا أرى سببا يدفع روسيا لفعل ذلك".

خلال القمة نفسها، روى بوتين قصة خيالية لترامب وللعالم بأسره، عن اثني عشر مسؤولا سابقا في الحكومة الأمريكية وكيف ساعدوا في غسل الأموال من روسيا ثم نقلها لدعم حملة كلينتون. ثم طلب بوتين من ترامب السماح لبلاده باستجواب هؤلاء المجرمين المزعومين، وصف حينها ترامب الفكرة بأنها "عرض رائع".

وجّه مسؤولو إدارة ترامب من وقت لآخر انتقادات لسياسات بوتين القمعية داخل روسيا، في الوقت الذي لم ينبس فيه ترامب ببنت شفة عن أهمية الدفاع عن حقوق الإنسان في روسيا، ولا كلمة واحدة. على العكس من ذلك، فقد تحدث عن التكافؤ بين الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة تجاه العالم مقارنة بروسيا. عندما تم الضغط على ترامب من أجل انتقاد بوتين، انتقد ترامب الولايات المتحدة قائلاً: "لدينا الكثير من القتلة، هل تظن أن هذه الدولة بريئة؟".

حتى بالنسبة للقضايا الصغيرة ذات الصلة الوثيقة بالمصالح القومية الأمريكية، فإن ترامب يتحيّز لبوتين. لماذا يدافع ترامب عن غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان؟ لماذا يعرب ترامب عن مخاوفه من أن تشعل دولة الجبل الأسود الحرب العالمية الثالثة؟ إنها كلمات بوتين فلماذا يرددها رئيس الولايات المتحدة؟

لا أشهد سياسة - سواء كانت تجاه روسيا أو أي بلد آخر -، حيث توجد هناك فجوة واسعة بين الإدارة الرئاسية والرئيس نفسه من قبل، إن ما يحدث أمر غير مسبوق. وبالتالي، فإن السؤال المهم ليس من هو الرئيس الأمريكي الذي كان أكثر صرامة وحزما مع روسيا، ولكن لماذا وصل رئيسنا الحالي إلى هذا الحد لتصبح هناك فجوة بينه وبين سياسة حكومته بخصوص روسيا؟