الجمعة 2019/01/18

واشنطن بوست: هجوم منبج يكذب ادعاءات ترامب


بقلم: جينيفر روبن

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يوم الأربعاء الماضي، أدى هجوم انتحاري إلى مصرع أربعة جنود أمريكيين في مدينة منبج بسوريا. تعد هذه الحصيلة " الأكبر من نوعها نتيجة لنيران معادية منذ أن أصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة " حسب ما جاء في مقال آخر "واشنطن بوست".

وقد "جاءت عملية القتل هذه، نتيجة لهجوم انتحاري تبناه فيما بعد تنظيم الدولة، بعد أقل من شهر من إعلان ترامب هزيمة مقاتلي التنظيم وعزمه سحب 2000 جندي أمريكي من سوريا. ومنذ ذلك الحين، بدت استراتيجية الإدارة الأمريكية غير واضحة، ولا سيما مع استقاله وزير دفاع الأمريكي "احتجاجا على هذا القرار".

لكن الأمر المفاجئ الوحيد لهذا الحادث المروع هو السرعة التي قرر بها تنظيم الدولة تنفيذ هجوم مباغت، ويظهر بجرأة عدوانه وقدراته في منطقة قريبة من القوات الأمريكية.

في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كتب آدم غارفينكل في "الأمريكان إنترست": بالطبع لم يهزم تنظيم الدولة بشكل كامل، فحسب عدة تقديرات تتكون صفوف هذا التنظيم من نحو 12،000 إلى 14،000 مقاتل ومؤيد في كل من سوريا والعراق. لا شك في أن خسارة الأراضي التي كان يسيطر عليها لها تأثير على سمعته وقدرته على التجنيد، كما إنه فقد العديد من مقاتليه. إلا أن تنظيم الدولة قادر على تعويض الأراضي التي فقدها من خلال حشد قواته من جديد ولو بشكل مؤقت، كما إنه قادر على إحداث الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا.

يطلب الأطباء من المريض تناول جميع المضادات الحيوية ولو شعر هذا الأخير بتحسن، وهم على حق. الشيء نفسه ينطبق على استئصال المنظمات الإرهابية. على المريض تناول جميع الأدوية، في هذه الحالة، الولايات المتحدة تركت الأمر للآخرين بدلا من أن تتولى الأمر بنفسها.

يطمئن الحلفاء المحليون حين يعلمون بوجود قوة كبرى ترعى مصالحهم في حال وجود من يهددها ويهدد أمنهم.  يحررهم هذا الشعور بالاطمئنان ويدفعهم إلى اتخاذ قرارات من شأنها أن تعود بالنفع على القوى الكبرى. إن عدم وجود هذا الشعور لا يخفف بالضرورة من اتخاذ أي قرارات؛ يمكن أن يؤدي ذلك بسهولة إلى اتخاذهم قرارات طائشة ومتسرعة لتخليص أنفسهم من الخطر تحت تأثير الذعر (تأمل دوافع السياسة التي تنتهجها السعودية مؤخرا في اليمن).

تلعب هذه العناصر دورا جوهريا في علاقات التحالف، بل إن دورها يصل إلى حد تحديد كيفية عملها، حيث تؤدي هذه العناصر إلى فوارق دقيقة. لكن الرئيس الأمريكي لا يؤمن بمفهوم الفوارق الدقيقة كما إنه لا يؤمن بمفهوم المعادلة غير الصفرية، ويمكن اعتبار التحالفات مثالا جيدا لهذا النوع من المعادلات.

بصرف النظر عن نكثها بوعدها للأكراد، والمثال المخزي عن خيانة الولايات المتحدة لهم، فإن محاولة خروجها من سوريا أمر محفوف بالمخاطر، إذ يعيد لأذهاننا ما حدث إثر الانسحاب المبكر لإدارة أوباما من العراق، والقلق الذي أثاره قرار التدخل الأمريكي في سوريا آنذاك.

يبدو أننا نسينا أن ترك فراغات للسلطة في المنطقة يؤدي إلى نتائج كارثية. "إن سحب القوات الأمريكية من سوريا، بما في ذلك القوات الجوية، سوف يفتح المجال أمام كل من نظام الأسد وإيران لاتباع المزيد من الأساليب الوحشية، ويعطي الحكومة الروسية كل ما تحتاج إليه عموما للتحرك عكس المصالح الأمريكية ".

بدلاً من تبني نهج مخالف لنهج أوباما بخصوص سوريا، زاد ترامب من سوء الوضع. فقد عارض قادة عسكريون وخبراء (ممن يعارضون ترامب) قرار الانسحاب الكامل دون شروط، بالإضافة إلى إسرائيل، التي أعربت عن قلقها عندما أمر ترامب فجأة بالانسحاب.

على سبيل المثال، فقد حذر ديفيد أديزنيك قائلا: "إن السعي وراء تطبيق سياسة أوباما بنسخة محدثة في سوريا سيكون أيضا هدية قيمة لإيران، التي بالكاد تستطيع تحمل دعم نظام الأسد في الوقت الذي يحتج مواطنوها على فشلها. فبدون وجود قوات أمريكية في طريقها، ستتمكن طهران من استكمال جسرها البري من إيران إلى البحر المتوسط، ​​وتسليم أسلحة متقدمة بسهولة أكبر إلى "حزب الله"، شريكها في سعيها لمسح إسرائيل من الخريطة". وقد حذر "رانج علاء الدين"، الذي يعمل في "مؤسسة بروكينغز" من أن "انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد يؤدي إلى عودة ظهور تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق، وخلق فراغ من المرجح أن يملأه نظام الأسد وإيران، والتخلي عن حلفائها الأكراد".

إن تبني تنظيم الدولة مسؤوليته عن التفجير الانتحاري قد سخر من ادعاءات ترامب بالقضاء عليه. يقول روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا: "في حدث مشابه لما حدث في العراق؛ حيث تمت السيطرة على المناطق التي كانت بحوزة المتطرفين كالفلوجة؛ يُرمى بهذه الجهود عرض الحائط، فكان لا بد من إعادة السيطرة عليها من جديد"، مضيفا قوله: " لقد تمت السيطرة على منبج قبل عامين ونصف، عندما قامت وحدة من القوات البرية المدربة، المؤلفة من الأكراد، بطرد تنظيم الدولة بمساعدة من الهجمات الجوية الأمريكية".

سنعرف قريبا ما إذا كان انسحاب القوات الأمريكية قد ساهم في ظهور تنظيم الدولة من جديد، والتي ستكسب المزيد من الجرأة والقوة في الوقت الذي تغادر فيه الولايات المتحدة سوريا. إن خبر انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أمر مفرح لكل من موسكو ودمشق وطهران. مهما كان حجم الاستثمار بتدخل روسيا في انتخابات ترامب، فقد كسبت الكثير في الشرق الأوسط.