السبت 2019/03/23

واشنطن بوست: هؤلاء من فرحوا بقرار ترامب حول الجولان

بقلم: ماكس بوت

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن إعلان الرئيس ترامب بأن "الوقت قد حان لاعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة لإسرائيل على مرتفعات الجولان" يمكن اعتباره، كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز"، "برغبة ترامب في الاستهتار بالأرثوذكسية الدبلوماسية وخلق نقاش حول الشرق الأوسط الذي ما يزال على حاله منذ سبعينات القرن الماضي". يمكن اعتبار هذا الوصف صحيحاً، لكنه يقلل بشكل كبير من أهمية ما قام به ترامب. لقد قام ترامب بتقويض أحد الركائز الأساسية للنظام العالمي التي تم تأسيسها سنة 1945: وهو أنه لا يمكن لأي دولة تغيير الحدود الدولية لأي دولة أخرى بالقوة.

أُدرج قانون السلامة الإقليمية ضمن ميثاق الأطلسي لعام 1941 عقب الحرب الأولى والثانية بموافقة كل من الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل آنذاك، وجاء فيه ما يلي: "أولا، ألا تسعى بلدانهما للتوسع إقليميا أو غيره؛ ثانيا، ألا تسعى هذه البلدان إلى القيام بأي تغييرات إقليمية لا تتماشى مع رغبات المعبّر عنها بحرية للشعوب المعنية". ليتم النص عليه فيما بعد ضمن المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945: " يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة".

أصرت الولايات المتحدة على تطبيق مبدأ السلامة الإقليمية، لأنها كانت تسعى إلى عدم تكرار ما حدث سنة 1930، عندما أدى العدوان الياباني على الصين، والعدوان الإيطالي على إثيوبيا، والعدوان الألماني على النمسا وتشيكوسلوفاكيا، إلى الحرب العالمية الثانية. استنادا إلى هذا المبدأ، لم تعترف الولايات المتحدة مطلقا بالسيادة الروسية على دول البلطيق أو على شبه جزيرة القرم اليوم. كما حاربت القوات الأمريكية لمنع ضم كل من كوريا الجنوبية وفيتنام الجنوبية والكويت لأراضي المعتدين عليها. فكانت الولايات المتحدة على استعداد للمخاطرة باستخدام الأسلحة النووية لمنع الاتحاد السوفياتي من الاستيلاء على برلين الغربية التي تعتبر منطقة صغيرة.

يعتبر المبدأ المقدّس للسلامة الإقليمية جوهر قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي تم تبنّيه بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل عام 1967 بعد أن خاضت إسرائيل حرب الأيام الستة لاستباق الحرب العربية عليها. دعا هذا القرار إلى "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها خلال النزاع الأخير"، ولكن عن طريق حذف "لام المعرفة" من لفظ "المناطق"، الأمر الذي خلّف غموضا بخصوص الأراضي التي سيتم إخلاؤها. دعا القرار إلى "الاعتراف بسيادة كل دولة في المنطقة وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي وحقّها في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف دون وجود تهديدات أو أعمال عنف".

من خلال القبول بهذا القرار، فقد وافقت الدول العربية والسلطة الفلسطينية الفعلية على حقّ إسرائيل في الوجود. وتُرك أمر رسم حدود إسرائيل للاتفاق بين الطرفين. أدى ذلك إلى اعتراف مصري وأردني بالدولة اليهودية، وإلى مفاوضات مطوّلة مع الفلسطينيين حول الضفة الغربية وقطاع غزة ومع السوريين على مرتفعات الجولان.

لم يتم التوصل إلى اتفاق بخصوص "الوضع النهائي" مع الفلسطينيين على الإطلاق، كما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع السوريين، لكن مثل قرار مجلس الأمن رقم 242 ركيزة لجميع محادثات السلام منذ عام 1967.

أما اليوم، فقد ضرب ترامب قرار مجلس الأمن رقم 242 عرض الحائط، كما فعل الأمر نفسه بجميع معايير اللباقة الرئاسية.  فما الغاية مما فعله؟

لم يطعن أحد من قبل في السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان. يحاول ترامب اليوم إثارة جدل غير مسبوق، وبالتالي فإنه يقدّم هدية لكل من حزب الله وبشار الأسد من خلال السماح لهما بالظهور في صورة مقاومي الاحتلال الإسرائيلي بدلا من إظهار حقيقتهما.. جزارين لإخوانهم المسلمين.

قام ترامب بهذه الخطوة المهمة لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الفوز الانتخابات القادمة. يتشارك كل من ترامب ونتنياهو في ذلك العديد من المانحين (على سبيل المثال لا الحصر، شيلدون أدلسون)، ونفس المؤيدين السياسيين (المسيحيون الإنجيليون)، كما يتشاركان نفس الازدراء لسيادة القانون (يواجه نتنياهو عدة اتهامات)، كما يكنّان الود نفسه للمتطرفين اليمينيين (تجمع نتنياهو قضية مشتركة بالأحزاب اليمينية المتطرفة في السياسة الإسرائيلية وقادة اليمين المتطرف وسط أوروبا).

ربما اعتبر ترامب استعداد نتنياهو لمدحه بنفس حماس بنس أمراً مهماً. ونتيجة لذلك، قدم ترامب للزعيم الإسرائيلي هدية قيمة كان أي رئيس آخر سيقدمها مقابل تنازلات إسرائيلية كبيرة بشأن المستوطنات.

يظن ترامب أن قراره بشأن مرتفعات الجولان يشبه قراره العام الماضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أنه مخطئ. لقد صدّق الكونغرس على هذه الخطوة، كما تعهد عدة رؤساء قبله بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الواحد تلو الآخر، لأن القدس الغربية كانت جزءا من الدولة الإسرائيلية منذ اليوم الأول. في حين لم يتعهد أي رئيس سابق بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وبالفعل فقد أيد الرئيس السابق رونالد ريغان قرار مجلس الأمن الدولي الصادر لعام 1981 والذي يعتبر ضم هذه المناطق "لاغياً وباطلاً"، لأن جميع الرؤساء السابقين التزموا بمبدأ السلامة الإقليمية، لكن ليس بعد اليوم، فمن خلال إعلانه هذا الذي لا طائل من ورائه، فتح ترامب أبواب جهنم عليه، إذ ستصبح الدول الأخرى قادرة على تغيير الحدود الدولية بالقوة. فهو لم يسعد نتنياهو وحسب، بل جعل كلا من فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في غاية السعادة.