الثلاثاء 2019/07/16

واشنطن بوست: مأساة السوريين تتعاظم والعالم غير مكترث

بقلم: إيشان ثارور

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يبدو أن حملة النظام التي يدعمها الكرملين في شمال غرب سوريا قد توقفت الأسبوع الماضي. منذ أواخر نيسان/ أبريل الماضي، أطلقت قوات بشار الأسد حملة شنت من خلالها هجوما بريا وجويا على محافظة إدلب، التي تعد الملاذ الأخير ومكان تجمع مختلف جماعات الثوار.

يُعتقد أن القصف المتواصل الذي شهدته إدلب وأجزاء أخرى من محافظة حماة المجاورة قد أودت بحياة المئات من المدنيين، بينما نزح عشرات الآلاف. على الرغم من إراقة الدماء، لم يحقق النظام الكثير من أهدافه الاستراتيجية.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، قالت منظمات حقوقية إن نحو 22 شخصا على الأقل قد لقوا حتفهم خلال الغارات الجوية التي شنتها القوات الروسية وقوات النظام. كما هو الحال مع الحصار السابق لمعاقل الثوار الأخرى في سوريا، فقد قالت المعارضة إن قوات الأسد استهدفت أعدادا لا تحصى من المستشفيات والمنازل المدنية. وقد أدت أعمال العنف المستمرة هذه إلى تجدد المخاوف من نزوح جماعي آخر للاجئين، حيث فر أكثر من ثلاثة ملايين شخص باتجاه تركيا أو أماكن أخرى هربا من المناطق التي مزقتها الحرب.

قال بيان صادر عن رؤساء المنظمات الإنسانية صدّقت عليه الأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي: "لقد مات الكثيرون، حتى في الحرب هناك قوانين ". كما حذر البيان من أن "إدلب على شفا كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل طيلة هذا القرن"، مستخدمين هاشتاج #العالم-يراقب على مواقع التواصل الاجتماعي.

إذا كان العالم يراقب، فهو لم يفعل شيئا حتى الآن. يبدو أن العملية الدبلوماسية الطويلة التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف بدعم من واشنطن لإيجاد حل سياسي للصراع السوري قد وصلت اليوم إلى نهايتها. في حين سيتم استئناف مجموعة منفصلة من المحادثات تضم كلا من روسيا وتركيا وإيران في أوائل آب/ أغسطس القادم، والتي تبرز بدورها التحديات الجيوسياسية التي تعيق فرص تحقيق السلام في سوريا.

في ظل كل هذا، توحي تصرفات الأسد وحلفائه الروس كما لو أن هذا الاستقرار قد تحقق بالفعل. فقد حث النظام اللاجئين السوريين بالبلدان المجاورة، في كل من تركيا والأردن ولبنان- التي تضم مجتمعة ما يعادل 5 ملايين لاجئ سوري- على العودة إلى ديارهم. تبقى أعداد العائدين صغيرة حتى الآن. إذ يخشى الكثيرون من أن يتم الزج بهم في سجون النظام أو ابتزازهم من قبل المليشيات الموالية له. تتزايد معاناتهم بسبب نفاد صبر الدول المستضيفة حيث ترزح هذه الأخيرة تحت ضغوطات تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين خلال عقد من الزمن.

أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن "الدول المانحة [في الغرب] قد أنفقت مليارات الدولارات على المساعدات المقدمة إلى البلدان الثلاثة، أملا في تجنب موجة هجرة جديدة كالتي حدثت بين العامين 2016-2015 باتجاه أوروبا، والتي أدت إلى إثارة غضب الأحزاب اليمينية هناك، مشيرة إلى أن " هذه الدول تقول إن تدفق اللاجئين– حيث تم استقبال نحو 5.2 مليون لاجئ - قد أنهك بنيتها التحتية وأدى إلى تزايد العداء ضد اللاجئين السوريين. في بعض المناطق، يواجه اللاجئون عداء متزايدا من سلطات الدول المستضيفة حيث يتعرضون لضغوطات من أجل الدفع بهم إلى العودة إلى ديارهم ".

قال أحد النجارين من محافظة حلب حيث يعيش اليوم لاجئا في بيروت: "لا نعرف ما الذي يمكننا فعله. رغم وجودي هنا، كل ما يراه ابني هو أب لا يستطيع أن يقدم له شيئا، في الوقت الذي أواجه فيه خطر الترحيل في حال حاولت التوجه إلى العمل. لا أستطيع العودة إلى الوطن [إلى سوريا]. سيكون الأمر بمثابة التوجه إلى مصير مجهول".

تدعم تركيا عددا من فصائل الثوار التي تسعى روسيا إلى إخراجها من إدلب. حاولت الدولتان لعب دور الوسيط في هدنة العام الماضي، لكن انهار اتفاق وقف إطلاق النار في نيسان/ أبريل. يسعى كلا الطرفين إلى الحؤول دون حدوث تصعيد شامل، إلا أن كليهما غير راضٍ عن الوضع الراهن. على الرغم من خلافات كل من تركيا وروسيا حول سوريا والمستقبل المحتمل لحكم الأسد، إلا أن هناك العديد من نقط التقارب بينهما على العديد من الجبهات الأخرى.

خلال الأسبوع الماضي، تلقت تركيا دفعة من نظام الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من طراز S-400، وهي عملية أثارت غضب حلفاء تركيا في الناتو، وخاصة الولايات المتحدة.

هناك تكهنات تشير إلى استعداد تركيا لشن هجوم جديد على شمال شرق سوريا، وضرب المليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة التي حاربت مقاتلي تنظيم الدولة. قد ترحب روسيا بهذه الخطوة، لأنها قد تدفع بالأكراد إلى حضن النظام في دمشق، وتقوض المصالح الأمريكية هناك. بالنسبة لأنقرة، تنطوي هذه الخطوة على العديد من المخاطر، بما في ذلك الإضرار بعلاقاتها مع واشنطن والتي تشهد توترا سابقا، إضافة إلى إثارة الرأي العام في الداخل.

قال أليكسي كليبنيكوف، خبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي: "على الرغم من تعاون البلدين في الوقت الحالي بخصوص قضية إدلب وتباحثهما حول العملية العسكرية التركية [شمال شرق سوريا]، يبدو أنه لا أحد مستعد لاتخاذ إجراء أحادي حاسم لكسر الوضع الراهن القائم"، مضيفا : "تبقى الأسئلة الرئيسية الآن: ما مدى صبر روسيا بخصوص إدلب؟ إلى أي مدى يمكن لتركيا أن تعرّض المصالح الأمريكية للخطر في سوريا؟ وما هي سياسة واشنطن بخصوص سوريا؟". لا يمكن الإجابة عن السؤال الأخير.

في ظل رضاه عن الهزيمة المزعومة لتنظيم الدولة، أشار الرئيس ترامب مرارا وتكرارا إلى عدم اكتراثه بما ستؤول إليه الأمور في سوريا، وبدلا من ذلك، فتح جبهة جديدة قد تكون مدمرة ومزعزعة للاستقرار مع إيران. أصر البيت الأبيض على سحب إيران وكلاءها من سوريا كشرط مسبق لأي محادثات محتملة، وهو مطلب يعتقد بعض المحللين أنه صعب للغاية ولا يمكن أخذه على محمل الجد.

أشار تشارلز ليستر، عضو بارز في معهد الشرق الأوسط، إلى أن إيران على وجه التحديد لم تلزم وكلاءها بالمشاركة في معركة إدلب، وهو قرار ساعد على إظهار الضعف النسبي للأسد في غياب حلفائه. كتب ليستر قائلا: "لا يوجد دليل أفضل على افتقار النظام السوري للقوة البشرية اللازمة لاستعادة السيطرة على بقية البلاد من الأحداث الأخيرة في إدلب"، مؤكدا أن تصريحات الأسد الأخيرة بتحقيق النصر سابقة لأوانها.

وقال سام هيلر من مجموعة الأزمات الدولية لـ "أسوشيتيد برس": "إن عجز قوات النظام السوري حتى الآن عن إحراز أي تقدم في إدلب لا يعني عدم قدرتها على ذلك في نهاية المطاف، لكنه يوضح أن انتصار الأسد عسكريا متوقف على سياسة تتخطى مسألة سوريا". وأضاف ليستر: " لم يحقق نظام الأسد أي نوع من الانتصارات، لقد نجا على حساب دم السوريين وخوفهم؛ كما إن تحقيق الاستقرار أمر بعيد المنال.