الأربعاء 2018/11/14

واشنطن بوست: حرب السعودية في اليمن باءت بالفشل

بقلم: فيليب جوردن

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أدى مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إلى جانب التدهور الحاد الذي تشهده الأوضاع الإنسانية في اليمن، وتزايد اهتمام وسائل الإعلام بالحرب التي تدور هناك، إلى فرض المزيد من الضغوطات على السعودية لإنهاء الحرب.

يطالب كبار المسؤولين الأمريكيين الرياض اليوم بالموافقة على وقف إطلاق النار والمشاركة في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، حيث أعلن البنتاغون أنه سيتوقف عن تزويد الطائرات السعودية بالوقود جواً، في الوقت الذي هدد فيه الكونغرس، بقيادة غالبية الحزب الديمقراطي الجديد، بتعليق عمليات بيع الأسلحة إلى السعودية، سيراً على نهج ألمانيا التي قامت بذلك في وقت سابق.

إن الضغط المتزايد، الذي يشكل بداية نهاية الدعم اللا مشروط الذي تقدمه إدارة ترامب للسعوديين، أدى إلى إحياء الآمال بأن الحرب اليمينية قد تصل أخيراً إلى نهايتها عبر طاولة المفاوضات.

يجب أن نأمل جميعاً بأن تنجح محادثات الأمم المتحدة، بقيادة المبعوث البريطاني مارتن غريفيث، لكن يجب أن نكون واقعيين أيضاً. وإن كان السعوديون وشركاؤهم الإماراتيون مستعدين للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، فإن الحوثيين الذين تدعمهم إيران، والذين يسيطرون على جزء كبير من اليمن اليوم، من المستبعد أن يحذوا حذوهم. في الوقت الذي نجا فيه الحوثيون من سنوات من العزلة الاقتصادية والقصف السعودي دون هوادة، هم يدركون اليوم أن جميع الضغوطات موجهة نحو الطرف الآخر من الصراع.

من المحتمل أن يوعز إليهم الإيرانيون أنه لا فائدة من تقديم التنازلات أيضاً بالنظر إلى العداء الذي تُكنّه إدارة ترامب لنظام طهران. ومن شأن الرفض الحوثي أن يَمنح السعوديين والإماراتيين ذريعة لاستئناف الحرب، وشن هجوم وحشي على ميناء الحُديدة، والذي يقول مسؤولون أمميون إن من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير، دون القدرة على إجبار الحوثيين على الاستسلام.

يقول السعوديون إنه لا خيار أمامهم سوى تصعيد الحرب إذا لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق في المحادثات، ولكنْ ثمة بديل أفضل: إعلان النصر والعودة إلى الوطن.

بالنظر إلى كل ما استثمرته السعودية بعد ثلاث سنوات ونصف من الحرب، ومخاوفها بشأن النفوذ الإيراني والتهديدات الحوثية، قد يبدو هذا الخيار غير عقلاني، ومن المؤكد أنه سيكون من الصعب القيام به. لكنه أفضل بكثير من الاستمرار في حرب كلّفت الكثير على المستوى البشري والمالي والاستراتيجي دون تحقيق أي من الأهداف المعلن عنها.

والواقع، أن الحرب السعودية على اليمن قد فشلت بكل المقاييس. فبعد ثلاث سنوات ونصف من إطلاق ما كان من المفترض أن يكون عملية عسكرية سريعة، أصبح شوكة الحوثيين أقوى من أي وقت مضى، وازداد نفوذ إيران ولا يزال إرهابيو القاعدة يشكلون تهديداً كبيراً؛ في الوقت الذي يمر فيه اليمنيون بأسوأ وضع إنساني على وجه الأرض؛ ويتدفق اللاجئون إلى السعودية وسلطنة عمان المجاورة لها، كما إن سمعة السعودية – التي تعد مكونا ضروريا لتحقيق طموحاتها في أن تصبح من الاقتصادات الصناعية الحديثة ووجهة سياحية – قد تضررت بشدة في الولايات المتحدة وفي شتى أنحاء العالم. لو قام السعوديون بتطبيق منهج "وضع معايير مرجعية" ترتبط بخطة الإصلاح الاقتصادي الخاصة بهم، وتقييم السياسات التي يتبنونها بانتظام وتغييرها إذا لم تتحقق الأهداف، لكانوا سيضطرون إلى تغيير السياسة التي يتبعونها في اليمن منذ عدة سنوات.

إن تحمل هذه التكلفة المرتفعة سيكون مبررا لو أن هناك أي أمل في أن تحقق هذه الحرب هدفها المتمثل في إعادة النظام السابق إلى السلطة، لكن هذا بعيد المنال حتى على المدى البعيد.

خلال زيارات دورية لي إلى الرياض على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، أقرّ المسؤولون السعوديون لي بصفة خاصة بأن الحرب لم تكن تسير على ما يرام، لكنهم كانوا يصرون باستمرار على أنهم بصدد إحراز تقدم.

تُذكّرنا هذه التطمينات الرسمية بتلك التي كانت تصدر عن القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين على نحو منتظم لسنوات في فيتنام بشكل مخيف، أو تلك التي كان يصدرها قادة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، قبل أن يقروا في النهاية بأن تدخلاتهم العسكرية أتت بنتائج عكسية، وذلك في مرحلة متأخرة من الحرب.

لا يعني انسحاب القوات السعودية من اليمن التخلي عن أهدافها المشروعة، والتي تتمثل في الحدّ من النفوذ الإيراني أو احتواء التهديدات التي يشكّلها الحوثيون. بل على العكس، فحتى مع إنهاء حملة القصف التي تشنّها السعودية اليوم على اليمن، فهناك عدد من الخطوات التي يمكن أن تتّخذها الرياض للدفاع عن مصالحها الوطنية وزيادة أمنها.

يمكن أن تشمل هذه الخطوات تعزيز الدوريات البحرية، بدعم من الولايات المتحدة، لمنع تسليم الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين وكذا فرض المزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على عُمان، وتقديم حوافز المالية، لتعزيز حدودها البرية مع اليمن، هذا بالإضافة إلى الاستعداد للقيام بضربات جوية ضد مواقع الصواريخ البالستية المتقدمة والقواعد الجوية في اليمن، مثلما تفعل إسرائيل حاليا في سوريا؛ نشر الدفاعات الصاروخية المعدلة في جميع أنحاء الرياض والمدن السعودية الأخرى، لتشمل منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الأميركية الصنع، إضافة إلى تقديم المساعدة المالية والإنسانية لحلفاء السعودية في اليمن، وتقديم الحوافز الاقتصادية والمالية للحوثيين، بما في ذلك تمويل إعادة الإعمار، في حال توقفوا عن استهداف المصالح السعودية. كل هذه الإجراءات مجتمعة ستكلف أقل بكثير مما تنفقه الرياض حالياً على الحرب، ومن المحتمل أن تنقذ الكثير من الأرواح وتحقق لها المزيد من الأمن أيضاً.

يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في حثّ السعوديين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حل سلمي بخصوص اليمن. كما يجب أن تصر على عدم منح حق النقض للحوثيين وإيران على حساب تحقيق السلام.

يجب الضغط على السعودية لإنهاء الحرب الحالية مع الآخرين إذا استطاعت ذلك. يجب أن تُنهي الحرب وحدها إذا استدعى الأمر ذلك.