الجمعة 2018/11/30

واشنطن بوست: تونس تلقن ابن سلمان درساً قاسياً


بقلم: شادي حميد وشاران جريوال

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن فكرة "النموذج" التونسي تعطي بعض الأمل للمراقبين الغربيين الذين ما زالوا يأملون في وجود التفاؤل نفسه الذي أعقب الربيع العربي.

يقدّم هذا النموذج أيضاً القليل من العزاء للتونسيين أنفسهم، الذين يشعرون –وهم على صواب- بأن ديمقراطيتهم لم تكتمل بعد. لا يقارن التونسيون، الذين لم يعيشوا في ظل الديكتاتورية المصرية أو الهياكل الحكومية الآيلة للسقوط في اليمن، وضعهم بما يحدث في تلك البلدان بل إنهم يقارنون وضعهم اليوم بما يسعون إلى أن يكونوا عليه.

في محادثاتنا مع الشباب التونسي، كثيرا ما أشرنا إلى أن تونس، على عكس جيرانها، تعيش جواً من الديمقراطية النسبية. وغالبا ما تُقابل ادعاءاتنا بالشك. قال مغنّي الراب التونسي "دي جي كوستا" لأحدنا: "ليست هناك ديمقراطية في تونس. إن مثل تونس كمثل رجل عاش حياة رثة وفي يوم من الأيام قرر ارتداء ملابس باهظة الثمن، لكن ذلك لم يغير منه شيئا فالكل يعرف حقيقته".

وبالفعل، يصعب تطبيق مفهوم الديمقراطية في تونس، فقد فشل هذا المفهوم في لعب دور فعال لتحسين الاقتصاد والحد من الفساد، وبالغ في التعامل مع الهجمات الإرهابية، كما أدى إلى تأخير اتخاذ عدد من القرارات المهمة إن لم نقل نشوب العديد من الخلافات. لكن ذلك كله لم يُثنِ تونس عن التميز بطرق استثنائية في المنطقة على الأقل. إن خروج مئات التونسيين للاحتجاج على زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ليس بالأمر الغريب ولا المثير للدهشة، لكن صور هذه الاحتجاجات لا تزال مدهشة بالنظر إلى ندرتها بشكل عام في العالم العربي، بعد أن تحول الربيع العربي إلى الظلام.

في ظل الديمقراطية، يتمتع التونسيون بالحرية للاحتجاج على محمد بن سلمان بسبب اغتيال السعودية للصحفي جمال خاشقجي وحربه المدمّرة في اليمن، والحملة التي شنّها ضد الناشطات. وبهذا يمكن القول إن سيادة القانون في ظل دولة القانون ليست مجرد فكرة جميلة وحسب، وإنما هي ممارسة فعلية.

رفعت نقابة الصحفيين التونسيين دعوى قضائية تحثّ فيها الدولة التونسية على إحالة محمد بن سلمان إلى المحكمة الجنائية الدولية، فجاء رد القضاء المستقل ببد التحقيق. ربما الأهم من هذا كله هو قدرة التونسيين على القيام بذلك دون خوف من انتقام حكومي.

يمكن النظر إلى هذه الأحداث، على الرغم من بساطتها، على أنها تذكير قوي بما يمكن لتونس أن تعلّمنا إياه، بغضّ النظر عن عيوبها وصراعاتها. قد لا تكون نموذجا يُحتذى به لكنها كانت وما تزال مصدر إلهام حقيقي. ولهذا السبب تعد تونس - من خلال وجودها - استثناء وتهديدا للحكومات الاستبدادية الجديدة في الشرق الأوسط.

لا شك في أن وجه الديموقراطية الوحيد الذي حققه الربيع العربي في تونس هو القدرة على الاحتجاج ضد محمد بن سلمان وعلى الرغم من ذلك فتونس نقيض السعودية بكل المقاييس.

مقتل خاشقجي كان آخر أخطاء السعودية ضمن لائحة طويلة من الأخطاء والجرائم والتي أصبحت اليوم تحت رقابة أكبر.

لقد ركز النقاد على حرب اليمن وهذا أمر مفهوم. قد تكون الكارثة الإنسانية هناك أكثر الأمثلة فظاعة على تهور محمد بن سلمان.

ومع ذلك، فإن تأثير السعودية المدمر على بقية المنطقة يسبق نظام محمد بن سلمان. فمنذ العام 2011، عملت السلطات السعودية بلا كلل من أجل تعزيز الأنظمة الديكتاتورية في أعقاب الربيع العربي. فتدخلت عسكريا لسحق الانتفاضة في البحرين، وقدمت مليارات الدولارات لدعم الأنظمة الملَكية في باقي المنطقة.

في كتابه الجديد بعنوان "في أيدي العسكر"، يقدم ديفيد كيركباتريك، الصحفي في صحيفة "نيويورك تايمز"، تفاصيل جديدة ومثيرة حول الدور الحاسم الذي لعبته كل من السعودية والإمارات في التحريض على الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 والذي أنهى التجربة الديمقراطية هناك. في مصر، كان لديهم شريك مستعد لتنفيذ خططهم، الجنرال العسكري عبد الفتاح السيسي، أما في تونس فلم يحالفهم الحظ، ولم يتمكنوا حتى الآن من الدفع بتونس عن مسارها الديمقراطي رغم الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية الكبيرة.

واليوم، تقدم تونس دروسا ليس فقط لجيرانها، بل أيضا إلى الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية التعامل مع ذوي السلطة من أمثال محمد بن سلمان، عن طريق النقد والمساءلة والإيمان بالعدالة على الرغم من طول هذا الطريق.