الخميس 2019/04/18

واشنطن بوست: تفاقم نقص الوقود بمناطق سيطرة الأسد يثير غضب العامة


بقلم: سارة الديب

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يواجه السوريون الذين نجوا من ثماني سنوات من الحرب ممن يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام اليوم آفة جديدة: نقص حاد في الوقود على نطاق واسع الأمر الذي أدى إلى شل حركة المدن الكبرى.

تصطف المئات من السيارات خارج محطات الوقود، وتنتظر طوابير طويلة من الناس شراء الغاز المنزلي الذي يخضع لنظام الحصص قبل الفجر. في حين يعبر سائقو سيارات الأجرة الحدود باتجاه لبنان لملء خزاناتهم بالوقود ومضاعفة حصصهم. يمكن رؤية السيارات واقفة على جنبات الطريق بسبب عدم وجود وقود في خزاناتها.

جاء هذا النقص الحاد في الوقود نتيجة للعقوبات الغربية المفروضة على سوريا وتجديد العقوبات الأمريكية على إيران، حليفها الرئيسي. بل وأدت هذه العقوبات إلى إثارة انتقادات علنية واسعة النطاق ضد نظام بشار الأسد، في الوقت الذي استطاع فيه قمع المعارضة التي استمرت ثماني سنوات ضد حكمه.

أدت العقوبات الغربية التي فُرضت على سوريا، بعد الحملة العنيفة التي شنها الأسد ضد احتجاجات الربيع العربي عام 2011، إلى شل صناعة النفط في البلاد، التي كانت توفر فيما مضى 20 ٪ من عائدات خزينة النظام.

خلال سنوات الحرب، سقطت حقول النفط الرئيسية في سوريا في أيدي تنظيم الدولة لتنتقل بعد ذلك إلى أيدي القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة.

قامت إيران، التي قدمت دعما عسكريا حاسما للأسد، بتمديد اعتمادات ائتمانية بقيمة 3 مليارات دولار من إمدادات النفط منذ العام 2013 لصالح النظام. كما ساعدت روسيا، الحليف العسكري الرئيسي لسوريا، في تغطية النقص الحاد الذي عرفه الغاز المنزلي.

لكن يبدو أن المساعدات الإيرانية قد قلت بسبب إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة على إيران في أعقاب إعلان الرئيس دونالد ترامب قراره الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015. في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كما أضافت وزارة الخزانة الأمريكية عددا من الشركات الروسية والإيرانية إلى قائمتها السوداء لقيامها بشحن النفط إلى سوريا وحذرت من تعرض منتهكي العقوبات لـ "مخاطر كبيرة".

قال عدد من المسؤولين السوريين إن واردات النفط توقفت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وطلبوا من العامة التحلي بالصبر.

كانت إنتاجية سوريا تقدّر من النفط قبل الحرب بنحو 350 ألف برميل يوميا، وكانت تقوم بتصدير أكثر من نصف هذه الكمية.  في حين تصل إنتاجية سوريا اليوم نحو 24 ألف برميل فقط، وهو ما لا يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية حسب ما جاء على لسان مصطفى حمورية، رئيس الشركة الحكومية لتوزيع الوقود.

وقال حمورية لإحدى المحطات التلفزيونية "إنها حرب اقتصادية شرسة ضدنا".

في وقت سابق من هذا الشهر، وضع النظام قيودا على حصص الوقود التي تحصل عليها السيارات الخاصة والتي تقتصر على120  لترا فقط بشكل شهري. في حين قام النظام، يوم الإثنين الماضي، بمنع سائقي السيارات من شراء أكثر من 20 لترا خلال خمسة أيام. يُسمح للأسر باستخدام عبوة غاز منزلي واحدة فقط سعتها 8 كيلوغرام (أي ما يعادل 18 رطلا) كل 23 يوما من خلال نظام البطاقة الذكية الذي تم اعتماده الشهر الماضي. كما طلب النظام من محطات الوقود أن تبقى مفتوحة على مدار الساعة لكن الكثير منها غير قادر على القيام بذلك.

يُلقي المسؤولون باللوم على العقوبات، لكن العديد من السوريين يشيرون إلى سوء إدارة النظام وفساده. فقد أثارت كيفية معالجة النظام للأزمة انتقادات واسعة النطاق، حتى على وسائل الإعلام التابعة له وداخل البرلمان.

تقوم صفحة "هنا سوريا" - وهي صفحة على موقع فيسبوك- بتقديم تقارير عن الشؤون الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وكانت الصفحة نشرت في تقرير لها أن المسؤولين في النظام يخترقون الطوابير لملء خزاناتهم والاستيلاء على أكثر مما هو مسموح به. وكانت هذه الصفحة انتقدت إحدى الجولات المتلفزة التي قام بها وزير النفط لمحطات بنزين قيل إنها قد ساهمت في التخفيف من حدة الأزمة.

تساءلت الصفحة في منشور لها "هل من الصعب للغاية أن نتسم بالشفافية والمصداقية؟ هل سيؤدي ذلك إلى تقويض سمعة شخص ما؟  نحن دولة تواجه العقوبات والمقاطعة والشعب يعرف هذا الأمر جيدا ويدركه".

ومنذ ذلك الحين، أمر النظام بتخفيض مخصصات المركبات التابعة للنظام من الوقود إلى النصف.

عندما قامت صفحة أخرى على فيس بوك تحت اسم "هاشتاغ سوريا" بالإبلاغ عن ارتفاع متوقع في أسعار الوقود المدعوم، اتهمها مسؤولون تابعون للنظام بإثارة الذعر والتسبب في أزمة في محطات الوقود جراء تهافت الناس على شرائه. رفضت الصفحة بعد ذلك نفي هذه الأخبار وطلبت من الوزارة الإدلاء بتصريحات عوض "توجيه تهديدات لها".

تم القبض على مدير الصفحة، وقال العاملون فيها إن الوزارة قد قررت معاقبة مديرها "بدلا من معالجة المشكلة الحقيقية"، ودعوا الجهاز الأمني ​​لإطلاق سراحه أو توجيه التهم. أثار اعتقال مدير صفحة "هاشتاغ سوريا" انتقادات علنية وواسعة من وكالات الصحافة التابعة للنظام.

قالت الإعلامية نهلة عيسى وهي مقدمة على إحدى القنوات التابعة للنظام إن هذا الأمر "مثير للضحك" مضيفة " الشائعات ليست مسؤولة عن الوضع الذي نحن فيه اليوم".

عرفت الموارد الحكومية خللا واضحا بسبب الحاجة إلى توفير الوقود المدعوم للمناطق الكبيرة التي سيطر عليها النظام في السنوات الأخيرة. وفقا للأمم المتحدة، يعيش اليوم ثمانية سوريون من أصل 10 تحت خط الفقر، ولا يستطيع العديد منهم تحمل تكاليف الوقود المدعوم.

كانت المصاعب الاقتصادية والغضب من الفساد الحكومي من بين المظالم الرئيسية التي أدت إلى إشعال الاحتجاجات في سوريا عام 2011. وقد أدى استخدام النظام للعنف والكفاح المسلح من قبل المعارضة إلى اندلاع حرب أهلية شاملة.

قال جهاد يازجي، خبير اقتصادي ورئيس تحرير "تقرير سوريا"، إن نقص الوقود والغاز "هو الأسوأ"، مضيفا أنه من المرجح أن يلجأ النظام إلى العمل بنظام الحصص والاعتماد بشكل أكبر على النفط المهرَّب من العراق. يرى خبراء آخرون أن من المرجح أن تشتري دمشق 20 ٪ من الوقود من وسطاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد داخل سوريا.

وقال داني مكي، الصحفي السوري المقيم في لندن والموجود حاليا في دمشق معلقا على هذا الأمر، إن الغضب يتصاعد مرة أخرى بسبب تدهور الخدمات واصفا الوضع بأنه أشبه بـ "بطنجرة ضغط".