الثلاثاء 2019/01/15

واشنطن بوست: ترامب فقد عقله قبل أن يخسر سوريا!

بقلم: ريتشارد كوهين

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


بعد أن نجحت ثورة الشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ، تساءل الجمهوريون حينها في واشنطن "عمن كان سببا في خسارة الصين؟" والآن، وبعد مرور كل هذه السنوات، يطرح الجمهوريون السؤال نفسه بخصوص سوريا. ليجيب بعضهم: أن باراك أوباما هو السبب، لكنني أعتقد أن كلا من الرئيس السابق أوباما والرئيس ترامب يتقاسمان اللوم، مع وجود اختلاف طفيف، فقبل أن يفقد ترامب سوريا، فقد عقله.

يشجع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قرارات ترامب الجنونية. فخلال واحد من أغرب الخطابات السياسية في العصر الحديث، قال بومبيو الأسبوع الماضي في القاهرة: "لن تتراجع أمريكا حتى انتهاء حربها ضد الإرهاب"، مضيفا: "اتخذ الرئيس ترامب قراره بسحب قواتنا من سوريا وإعادتها إلى أرض الوطن". لم يتوقف عند هذا الحد وحسب بل زاد من تناقض تصريحاته عبر القول "عندما تنسحب أمريكا من مكان ما، غالباً ما تعم الفوضى، وعندما نقوم بإهمال أصدقائنا، يزداد استياؤهم ".

في هذه الحالة، كانت ولا تزال الفوضى تعم المكان. فقد فاجأ قرار ترامب بالانسحاب، الذي أعلن عنه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حلفاءه في المنطقة. وأثار هذا القرار خوف إسرائيل، في حين أصيبت كل من فرنسا وبريطانيا بالحيرة وأحس الأكراد بالخيانة، كما دفع قراره هذا بوزير الدفاع، جيمس ماتيس إلى تقديم استقالته من منصبه ليحذو حذوه بريت ماكغورك، مبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم الدولة، وسارع السيناتور ليندسي غراهام إلى البيت الأبيض ليطلب من ترامب عدم تسريع عملية الانسحاب على الأقل. قد يأتي "الانسحاب الفوري" بعد أشهر أو أكثر...في الوقت الذي ينتظر فيه العالم تغريدة جديدة منه.

كان كل من بومبيو والرئيس ترامب على حق عندما قالا إن أوباما قد فشل في سوريا. كان عليه أن يتدخل عندما كانت هناك معارضة معتدلة لبشار الأسد. وكان يجب عليه أن يفي بوعيده عندما قال إن استخدام الأسد للأسلحة الكيمياوية "خط أحمر". بدلاً من ذلك، بعد هجوم سارين مميت، لم يفعل أوباما شيئا يذكر. في المقابل، نجد أن ترامب قام بضرب سوريا مرتين نتيجة لاستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين.

لقد أصبحت سوريا شبيهة بالبلقان قبل الحرب العالمية الأولى، حيث أضحت قنبلة موقوتة على وشك الانفجار. تتصادم هناك المصالح الأمريكية والروسية والإيرانية والتركية والكردية والسعودية والإسرائيلية. تخوض إسرائيل وإيران بالفعل حربا بالوكالة هناك، حيث تشن إسرائيل غارات جوية بشكل مستمر على المنشآت الإيرانية في سوريا، كان آخرها ضرب مطار دمشق هذا الأسبوع. لقد سلّحت إيران "حزب الله" في حين سلحت روسيا سوريا.

عانت البلقان من عدة أزمات قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة وتترتب عنه حرب عالمية. وبغض النظر عن محاولة جورج دبليو بوش إعادة ترتيب الشرق الأوسط فقد كان الحظ حليف المنطقة. لكن هناك العديد من اللاعبين داخل سوريا ولا يمكن الاعتماد على حظها وحده. فالأتراك عازمون على الوصول إلى الأكراد. في هذه الأثناء يسعى الأسد إلى تسوية الكثير من النقاط رفقة حليفته روسيا، التي قدمت له للتو إمدادات جديدة من الصواريخ. كان على ترامب أن يصغي لبومبيو عندما قال: "عندما تنسحب أمريكا من مكان ما، غالباً ما تعم الفوضى". ومع ذلك، لم يعدل ترامب عن قراره بعد. فقد أعلن البنتاغون الأسبوع الماضي بدء سحب المعدات من سوريا.

من أجل توضيح هذا المثال أكثر، يجب على ترامب أن يعرف ما حدث في كوسوفو، تلك المنطقة البلقانية الصغيرة، التي أصبحت الآن جمهورية بعد تخليصها من الاحتلال الصربي وحمام الدم عام 1999 بسبب تدخل الناتو بقيادة الولايات المتحدة. استخدم الناتو آنذاك القوة الجوية. روسيا، حليفة الصرب، رفضت تفويض الأمم المتحدة بالتدخل، ما دفع بحلف الناتو إلى أخذ زمام المبادرة. تتفاوض كل من كوسوفو وصربيا من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم.

تستطيع القوة الجوية الأمريكية أن تغير ميزان القوى في سوريا، كما فعلت مع تنظيم الدولة، من خلال إظهارها لجميع اللاعبين الآخرين أن للولايات المتحدة مصالح في المنطقة تحاول حمايتها. لكن الأهم هو أن تحول دون الدخول في حرب أوسع نطاقا.

تتعطش الدول لمعرفة ما سيحدث في المستقبل، إنهم بحاجة إلى معرفة القواعد والحصول على التوجيه لإنفاذ هذه القواعد. لقد فشل ترامب تماما في القيام بذلك. فقد كان يرفض تدخل التحالفات - الناتو، على سبيل المثال – في الدول الأجنبية الصديقة. في عالم مليء بالفوضى، كانت قرارات ترامب أكثر فوضوية. لكن السؤال اليوم هل سيؤدي فشله في سوريا إلى فقدان المنطقة بأكملها؟ أظن أنه في طريقه إلى تحقيق ذلك.