الثلاثاء 2019/03/12

واشنطن بوست: “العنف الجنسي” في سجون الأسد أسلوب ممنهج

بقلم: لويزا لوفلوك

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


قال أطباء نفسيون ومجموعة مراقبة يوم الإثنين الماضي، إن قوات نظام الأسد تستخدم العنف الجنسي على نطاق واسع في سجونها، لإذلال وإسكات السجناء الذكور، الأمر الذي يعد انتهاكا نادرا ما يتطرق إليه الناجون.

بعد مرور ثماني سنوات على بدء الانتفاضة السورية، لا يزال هناك أكثر من 100 ألف معتقل مجهولي المصير. ووفقاً للأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان، فإن قوات النظام تتخذ من التعذيب والانتهاك أسلوباً ممنهجاً ضد المعتقلين، قد يكون العشرات إن لم نقل الآلاف من هؤلاء المعتقلين لقوا حتفهم نتيجة لذلك.

في الوقت الذي تم فيه توثيق العديد من أشكال الانتهاكات، فإن الرجال الذين يخرجون من سجون النظام - بعد سنوات قضوها في غياهب النسيان– نادرا ما يتطرقون إلى العنف الجنسي الذي مورس عليهم، كما إن المراكز التي تقدم المساعدة النفسية قليلة جدا.

وقفا للتقرير الذي صدر الاثنين الماضي عن منظمة "محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان"، وهي منظمة حقوقية سورية، فقد استخدمت قوات الأمن التابعة للنظام الاغتصاب والإخصاء، فضلا عن ربط وحرق وتشويه الأعضاء التناسلية للرجال، لإجبارهم على الاعتراف والخضوع.

وقالت المنظمة إن الانتهاكات حدثت عند نقاط التفتيش أو في الطريق إلى السجن وداخل غرف التحقيق. وقال العديد من الرجال إن سجانيهم أدخلوا خرطوم مياه في فتحة الشرج وفتحوا الصنبور، ما تسبب في انتفاخ جثث السجناء.

لا توجد إحصاءات دقيقة عن حجم الاعتداء الجنسي داخل معتقلات النظام، ويُعزى ذلك جزئيا إلى أن الناجين متفرقون في جميع أنحاء العالم. وغالبا ما يتردد المعتقلون السابقون في الإبلاغ عن مثل هذه الإساءات، ولا سيما عندما يكونون من أُسر محافِظة، تَعد التطرق إلى العنف الجنسي من المحظورات.

من بين 138 رجلا أجرت منظمة "محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان" مقابلات معهم، أبلغ أكثر من 40٪ منهم عن شكل من أشكال الاعتداء الجنسي. ارتفع هذا الرقم إلى ما نحو ٪ 90 عند حديثهم تجريد السجناء من ملابسهم بأمر من حراس السجن.

وقالت المنظمة: "إن ما يتم الكشف عنه اليوم هو عنف جنسي على نطاق واسع ضد المعتقلين السياسيين السوريين خلال مختلف مراحل الانتفاضة في أجهزة الأمن التابعة للنظام ومراكز اعتقالهم". كانت شهادات السجناء مصحوبة بتقييمات طبية، قام خبراء في العلاج العنف الجنسي بمراجعة التفاصيل من حسابات الناجين والتقييمات التي توصل إليها الأطباء.

خلال مقابلات أجرتها "واشنطن بوست"، وصف العشرات من الرجال الذين كانوا معتقلين سابقا في سجون النظام، في دمشق على وجه التحديد، كيف أُمروا بالتجرد من ملابسهم قبل تعرضهم للضرب المبرح، أو كيف أمضوا أياما وهم عراة إلى جانب معتقلين آخرين في زنزانات مكتظة. أبلغ آخرون عن أشكال عديدة من الاعتداء الجنسي باستخدام أدوات ميكانيكية أو أدوات حادة.

وقال أحد الناجين، الذي تحدث إلينا شريطة عدم الكشف عن اسمه خشية على أمن أسرته الموجودة في إحدى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام: "كانت هذه لحظات لم نعد نحس فيها بإنسانيتنا"، مضيفا: "بينما كنت مستلقياً هناك، لم أكن أريد أن أموت، لقد تمنيت لو أنني لم أكن موجودا". تعد روايات الناجين سوابق تاريخية في الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون، ولكن هناك بعض المؤشرات على توقف مثل هذه الممارسات.

يبقى من غير الواضح عدد الأشخاص الذين تم إرسالهم إلى مراكز الاعتقال، بدلا من التجنيد القسري. لكن المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم مؤخرا يقولون إن وتيرة وحجم الانتهاكات داخل سجون النظام وفروع الأمن التابعة له لم تتغير.

إن الأثر النفسي للاعتداء الجنسي مدمِّر، وقد تستمر الصدمة بعد سنوات من إطلاق سراح المعتقلين. أكثر من ثلاثة أرباع الرجال الذين أجرينا مقابلات معهم يعانون اليوم من الاكتئاب والكوابيس منذ مغادرتهم السجن.

سجَّل أطباء النفس في غازي عينتاب، وهي مدينة تقع جنوب تركيا حيث يتمركز السوريون الفارون من الحرب، حالات انتحار يعتقدون أنها مرتبطة بالاعتداء الجنسي الذي يتعرض له هؤلاء المعتقلون في سجون النظام. وقال جلال نوفل، وهو طبيب نفسي سوري يعمل مع معتقلين سابقين في غازي عينتاب: "بالنظر إلى المجتمعات المحافظة التي نشؤوا فيها، غالبا ما يشعر هؤلاء بالإهانة كرجال" مضيفا: "وغالبا ما يعتقدون أنهم لا يستطيعون التعافي مما حدث معهم".

قال الطبيب جلال نوفل لصحيفة "واشنطن بوست": "لم يتحدث رجل من دوما إلى أسرته لمدة ثلاثة أيام بعد عودته من السجن، ليقتل نفسه بعد ذلك. لقد عرفنا قصته كاملة من زملائه في السجن بعد وفاته ". لا توجد الكثير من مراكز إعادة التأهيل النفسي لإعادة تأهيل المعتقلين السابقين، حيث تتجاوز الاحتياجات قدرة المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية العاملة في سوريا وفي البلدان التي تستضيف لاجئي الحرب. كما إن أعداد الرجال الذين يطلبون المساعدة أقل بكثير مقارنة بأعداد النساء.

من بين الناجين من العنف الجنسي الذين طلبوا الحصول على المساعدة بين عامي 2004 و2014 دولة مختلفة 5% منهم فقط رجال، وفقا لمنظمة "أطباء بلا حدود".

خلال مقابلات أجريناها مع العاملين في منظمة "محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان"، قال الناجون إنهم اختاروا العزلة في كثير من الأحيان، في بعض الحالات لم يستطيعوا نسيان ما حدث معهم خلال فترة اعتقالهم بينما نسوا تفاصيل حول حياتهم العائلية. يقول أحد الناجين، إنه يعيش في خوف دائم، مضيفا: "لقد ماتت الروح".