الجمعة 2019/06/07

واشنطن بوست: الأسد يحرق سكان إدلب لكسر إرادتهم

بقلم: سارة الديب

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لم يستطع الأب تحمل رؤية ابنته البالغة من العمر 18 شهرا مذعورة في كل مرة تحلق فيها طائرات قوات النظام فوق منزلهم. كل يوم خلال شهر، كانت تركض إليه للاختباء بين ذراعيه، والدموع في عينيها، منقطعة الأنفاس.

رفض "عبد الرحيم" الفرار من مسقط رأسه طيلة سنوات الحرب، وكان عازما على الصمود في وجه هجوم النظام المكثف الجديد الذي شنته قواته في أبريل / نيسان الماضي ضد محافظة إدلب، آخر الأراضي المهمة التي يسيطر عليها الثوار السوريون. لكنه اليوم أب لطفلته الأولى، رويدة.

قال عبد الرحيم البالغ من العمر 25 عاما، -طلب عدم نشر اسم عائلته خوفا على حياته- : "إن النظر في وجه ابنتي ... يقتلني".

فقد عبد الرحيم عزيمته تلك، عندما دمرت غارة جوية في 30 أيار/ مايو الماضي المنزل المجاور لمنزلهم، وأودت بحياة ثلاثة أطفال، أحدهم في مثل سن رويدة. نقل ابنته وزوجته إلى قرية قريبة، على أمل أن تكون آمنة.

لجأ النظام وحلفاؤه الروس إلى استعمال أسلوب معروف في اعتداءاتهم الأخيرة على إدلب - والتي تستهدف بشكل رئيسي المناطق السكنية والمستشفيات والأسواق والبنية التحتية بلا هوادة، وبشكل منهجي لكسر إرادة السكان والضغط على الناس للفرار، وفقا للمراقبين ونشطاء حقوقيين وسكان تلك المناطق. فقد استعملت قوات النظام هذه الطريقة من قبل خلال حملاتها السابقة لاستعادة مدينة حلب عام 2016 وغيرها من المناطق الاستراتيجية الأخرى.

كان ضرب المدنيين والإفلات من العقاب السمة المميزة للحرب في سوريا، التي استمرت 8 سنوات، والتي نادرا ما تثير غضب أو اهتمام المجتمع الدولي.

يقول المراقبون إن نمط الضربات، يُظهر بوضوح، أن النظام يعتبر المنازل المدنية والشركات والبنية التحتية أهدافا له ولا يمكن القول إنها مجرد أضرار جانبية.

قالت ميستي بوسويل -عضو في لجنة الإنقاذ الدولية- : "حتى الحروب لها قواعد"، حيث قالت إن مستشفيين تدعمهما اللجنة قد تعرضتا لضربات جوية. وأضافت أن المسؤولين عن الهجمات التي استهدفت المدنيين في هذه الحرب "أفلتوا من العقاب".

كان الهجوم وحشيا على جيوب الثوار المتمركزة في إدلب شمال غرب سوريا على الحدود مع تركيا، حيث يوجد نحو 3 ملايين شخص محاصر، أكثر من نصفهم نزحوا من مناطق أخرى استعادتها قوات النظام في وقت سابق.

شنت قوات النظام هجوما في نيسان/ أبريل الماضي، بدعم من الضربات الجوية الروسية؛ والتي ركزت على المناطق الجنوبية واستولت على بعض القرى وقصفت عمق إدلب.

قال واصل الجرك -جراح يعمل في إحدى المستشفيات التي دمرت-: "يستهدف القصف كل شيء: المخابز والمستشفيات والأسواق. إن الهدف من هذه الضربات هو إيقاف جميع الخدمات التي يحتاجها المدنيون".

تسببت خمسة أسابيع من العنف في نزوح نحو 300 ألف شخص وترك منازلهم. يعيش العديد منهم اليوم تحت أشجار الزيتون، وفي الخيام أو المباني المهدمة، ويتكدسون في غرف مشتركة. تخشى جمعيات الإغاثة من أن يرتفع هذا الرقم إلى 700 ألف نازح.

بحسَب ما جاء على لسان نشطاء المعارضة ومراقبي الحرب فقد قُتل أكثر من 300 مدني. كان من بين الذين لقُوا مصرعهم 61 طفلا على الأقل منذ أبريل / نيسان، وفقا لمنظمة إنقاذ الطفولة، على الرغم من أن السلطات المكلفة بالصحة في إدلب قدّرت أعداد الأطفال الذين لقُوا حتفهم في شهر أيار/ مايو الماضي وحده بـ 75 طفلا.

قالت ديانا سمعان -باحثة سورية في منظمة العفو الدولية-، إن استهداف المنازل يعد "أسلوبا للضغط على المدنيين من أجل الدفع بهم نحو الاستسلام". وقالت سارة كيالي - باحثة في "هيومن رايتس ووتش" بسوريا- إن مجموعتها بالإضافة إلى آخرين "وثقوا ما يكفي من الضربات التي تستهدف المباني السكنية؛ الأمر الذي يشير إلى اتباع قوات النظام نهجا غير قانوني".

تعرضت العديد من المستشفيات والعيادات للقصف بشكل منهجي، حيث قُصف بعضها أكثر من مرة؛ على الرغم من أن الأمم المتحدة قد اعتبرت العديد من المرافق المستهدفة مراكز صحية.

قال مصطفى العيدو -من هيئة الصحة في إدلب- يوم الخميس الماضي، إن ما لا يقل عن 32 مستشفى ومركزا صحياً حول المحافظة قد توقف عن تقديم خدماته، إما لأنها تعرضت للقصف أو خشية التعرض له.

وأضاف العيدو أن جنوب محافظة إدلب هو الأكثر تعرضا للهجوم، الأمر الذي أدى إلى توقف كل المنشآت الصحية عن العمل، بعد أن تعرضت 16 مشفى للغارات الجوية. قال محمد قطوب، عضو في الجمعية الطبية السورية الأمريكية التي تدعم الخدمات في المنطقة، إن هذا الوضع عبء إضافي على الذين يقطنون في أجزاء أخرى من إدلب حيث فرض على المرضى الذهاب في رحلات طويلة من أجل الحصول على العلاج.

حوّل القصف المتكرر العديد من المستشفيات إلى ركام، ليطلق عليها اسم "مستشفيات الكهوف".

قُصفت إحدى هذه المستشفيات، التي تعد مرفقا كبيرا لعلاج الصدمات جنوب إدلب، ويطلق عليه اسم "نبض الحياة" بثلاث ضربات جوية خلال العامين الماضيين. يقوم المستشفى بإسعاف 5000 مريض وإجراء حوالي 500 عملية جراحية كل شهر.

تعرضت إدلب للضربة الرابعة والأخيرة في 5 أيار/ مايو الماضي عندما دكت سبعة صواريخ على الأقل المستشفى. أدت الضربات المباشرة إلى انتشار ضباب كثيف من الحصى والحجارة والأتربة الخرسانية في السماء، كما أظهرت العديد من مقاطع الفيديو التي وثقت هذه الحادثة.

قال الجرك إنه لم يُصَب أحد من العاملين في المستشفى بأذى لأنه تم إجلاؤهم قبل القصف مباشرة، في الوقت الذي دمر فيه مستشفى "نبض الحياة" بالكامل ولم يتمكنوا من إعادة فتحه منذ ذلك الحين.

بشكل عام، لدى النظام تبرير مبالغ فيه بخصوص القصف العشوائي للمناطق التي يسيطر عليها الثوار، واصفا جميع السكان بأنهم "إرهابيون هم وعائلاتهم". ويدعم هذه الذرائع من خلال القول إن المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى سيطروا على إدلب، التي كانت تخضع في السابق لسيطرة الثوار في 2015.

قالت "أطباء من أجل حقوق الإنسان" إن الحرب في سوريا شهدت أكثر الهجمات الممنهجة على المراكز الصحية الموثقة في العالم حتى الآن. وقد أحصت ما لا يقل عن 566 هجوما على المنشآت الصحية منذ بدء الحرب، معظمها من قبل قوات النظام أو حلفائها.

كانت الغارة على منزل جيران عبد الرحيم، عائلة قشيت، جزءا هجوم عنيف شنته قوات النظام على المناطق السكنية في بلدة معرة النعمان، ما أدى إلى تدمير ستة منازل في يوم واحد.

قال عبادة زكرا، قائد فريق الخوذ البيضاء: "كان الغبار لا يزال يعم الأجوال عندما وصل الفريق". وركزوا أولا على الناجين في منزل مجاور بينما عمل الجيران على البحث عن مصابين في منزل مكون من طابقين، حيث تم إنقاذ الأب والأم وابنه من خلال فجوة وسحب ابن آخر بعد ساعات، ملطخا بالدماء لكنه كان حيا يرزق.

أما المبنى فقد كان فوق جثة عبودي قشيت البالغ من العمر 14 عاما وشقيقتيه وشقيقه الأصغر.

يقول الجيران إن عبودي كان معروفا بسبب صوته الجميل، فقد كان يدعو الناس إلى الصلاة. كان الدم على وجهه وتحت أنفه، والركام على ظهره. لم يتوقف والده عن الصراخ أثناء محاولة رجال الإنقاذ إخراج جثته من تحت الركام. قال عبد الرحيم عندما رأى الأطفال تحت الأنقاض "تخيلت أنها ابنتي ". وقال "ندّعي أننا اعتدنا على صوت الطائرات الحربية لنطمئن أنفسنا لا أكثر، فلا أحد يعتاد على الموت".

هرب عبد الرحيم وعائلته، ولكنهم عادوا خلال يومين إلى معرة النعمان، بعد أن قصفت الطائرات الحربية القرية التي لجؤوا إليها. وقال "إن النزوح وترك منزلك ليس بالأمر السهل، فالذين يظلون هنا يفضلون الموت على الإهانة".