الجمعة 2019/03/01

هل يمكن أن تعود سوريا إلى الساحة الإقليمية؟

بقلم: دانييل بايمان

المصدر: موقع بروكين

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

مع فوز نظام بشار الأسد في الحرب الوحشية والمرهقة في سوريا، قد تلعب سوريا دورا أكبر كممثل إقليمي.

ومع ذلك، من غير المحتمل أن تكون اللاعب البارز الذي كانت عليه في العقود التي تلت حرب 1967 نتيجة لدخول البلاد في حرب عام 2011.

حتى مع الافتراضات البطولية، ستظل سوريا ضعيفة في المدى القريب والمتوسط ​​، وربما البعيد.

ونظرا لحالة الإنهاك التي تشهدها بسبب الحرب وحالة التمزق الذي تعرفه بسبب الانقسامات العرقية والطائفية، فإن قوات النظام غير قادرة على لعب الدور الإقليمي الذي كانت تقوم به في السابق، وسيبقى الاستقرار الداخلي هو الشاغل الأكبر لها. لقد تركت الحرب مدن سوريا في حالة من الخراب، وتحطم اقتصادها، وتشرد سكانها.

وتقدر تكلفة إعادة الإعمار بمئات ملايين الدولارات.

بدلا من ذلك، من المحتمل أن تظل سوريا عرضة للتدخل الخارجي وتبقى ساحة للمنافسة الإقليمية، عبر انتهاك سيادتها بشكل دوري. على الرغم من أن نظام الأسد لم يعد مهددا بفقدان السلطة، إلا أنه ما يزال لا يسيطر على كامل البلاد، ويمكن للدول المتنافسة أن تدعم بارونات الحرب أو الجماعات الثائرة ضد النظام لإطالة أمد الحرب. كما من المرجح أن تشن تركيا هجوما على الأكراد داخل سوريا، لكسب المزيد من النفوذ والحد من التهديد الذي يشكله الأكراد على أمنها الداخلي.

مع ذلك، بالنظر إلى كل هذه المشاكل، سيكون لدى سوريا المزيد من الأدوات، ومن المرجح أن تحاول استغلال نقاط ضعفها لزيادة استقلاليتها ونفوذها.

إيران: وكيل أم معارض؟

لعبت إيران دورا محوريا في بقاء نظام الأسد. فبالإضافة إلى نشر عدة آلاف من أعضاء الحرس الثوري الإيراني لخوض الحرب في سوريا، انضم عدد أكبر من مقاتلي "حزب الله" إلى المعركة. يلعب الآلاف من المقاتلين الشيعة من أفغانستان وباكستان (واللاجئين الذين يعيشون في إيران)، والذين تدفع لهم طهران مقابل خدماتهم ويتحركون بتوجيه منها، دورا هاما في سوريا. لقد أنفقت إيران أكثر من 15 مليار دولار على الحرب، وهو مبلغ كبير بالنسبة لبلد اقتصاد محدود نسبيا ويواجه العديد من المشاكل الخاصة به.

يمنح هذا الوجود العسكري لإيران نفوذا هائلا، ويبقى نظام الأسد معتمدا على هذه الأخيرة لمواصلة الحرب.

من الممكن أن نتصور، الكثير من زعماء السنة يتصورون ذلك "الهلال الشيعي" الإيراني الذي يضم كلا من العراق وسوريا، ولبنان، في الوقت الذي يصبح فيه حزب الله أقوى ممثل لها في المنطقة. ربما بالغ هذ التصور في قدرة إيران على السيطرة وإمكانية توحيد هذه الحكومات مع بعضها، ولكن ليس هناك شك في أن إيران أكثر تأثيرا اليوم مما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي للعراق والحرب في سوريا حيث تمكنت طهران من توسيع نفوذها في المنطقة.

لكن من الممكن أيضا أن تقاوم سوريا النفوذ الإيراني، أو تحاول على الأقل، فرض بعض القيود على السيطرة الإيرانية. إذ لا توجد الكثير من الخصائص المشتركة بين إيران ونظام الأسد من الناحية الإيديولوجية، كما إن الانقسام العربي-الفارسي يعزز من هذا الاختلاف. إن التصدي لإيران سيكون أحد الوسائل المتاحة أمام قادة النظام للتعزيز من رصيدهم القومي، كوسيلة لتوحيد السنة والعلويين وغيرهم تحت راية واحدة.

ستزيد رغبة النظام في التصدي لإيران إذا لم تتمكن هذه الأخيرة من تقديم دعم مالي ضخم في الوقت الذي تستطيع فيه الحكومات المعادية لإيران القيام بذلك، ما يتيح أمام النظام فرصة استغلال القوى المتنافسة.

في كلا الحالتين، من المحتمل أن تتخلى دمشق عن طهران تماما، لكن هناك مجالا أن تتفقا على التحرك في المنحى نفسه.

بخصوص مواجهة إيران، من المرجح أن تحاول العديد من الدول الإقليمية إعادة الانخراط مع سوريا على المدى المتوسط. فقد ظلت علاقات كل من الجزائر والعراق ولبنان قائمة مع سوريا خلال الحرب.

كما أعادت الإمارات فتح سفارتها هناك، وزار الرئيس السوداني عمر البشير سوريا في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. هذا بالإضافة إلى أن مصر قد طرحت فكرة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في حين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تعهد في إحدى المرات بالصلاة في المسجد الأموي بعد سقوط الأسد، توقف عن إلقاء خطابات معادية للأسد.

الفرص المتاحة أمام سوريا:

حتى إذا ما افترضنا قدرة نظام الأسد على استعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها حاليا القوات الكردية والتركية واستعادة سيادتها، فإنه سيبقى ضعيفا للغاية. سياسيا، فاز النظام - الذي فقد شعبيته- بسبب دعم القوى الأجنبية والحملة العسكرية الوحشية التي قام بها ضد شعبه. سوف يعتمد على القمع والقوة للحفاظ على السلطة، ومحاولة التعامل مع اقتصاد منهار.

لن تحاول أي دولة ملء هذا الفراغ. قد تقدم طهران مئات الملايين أو حتى بلايين الدولارات للمساعدة في تلبية الاحتياجات الفورية، الأمر الذي سيساعد النظام على الحفاظ على السلطة بين النخب العسكرية والمؤيدين الرئيسيين.

إلا أنه من غير المرجح أن تساهم الولايات المتحدة في الوقت الذي ترفض فيه حصول نظام الأسد على مساعدات خارجية ولديها موقف معاد لنظامه.

كما لن تكون دول الخليج من الجهات المانحة الرئيسية لإعادة الإعمار على الرغم من أنها قد تقدم مساعدات محدودة لمواجهة النفوذ الإيراني.

يمكن أن تستفيد سوريا من الدعم الدولي بطرق مختلفة. أولا، على الرغم من أنه من غير المحتمل الحصول على مساعدات على نطاق أوسع، إلا أن الحصول على مبالغ صغيرة ستمكّن النظام من رشوة وتهدئة المؤيدين الرئيسيين له في الجيش وفي أماكن أخرى.

ثانيا، من شأن الاجتماع مع قادة القوى الخارجية تعزيز مكانة الأسد والنظام ككل، الأمر الذي سيمنحه المزيد من المصداقية على النطاق المحلي. وأخيرا، تريد دمشق من القوى الخارجية التوقف عن دعم شخصيات المعارضة السورية من أجل زيادة وتعزيز سيطرتها على البلاد.

ومن المفارقات العجيبة أن ضعف سوريا يمنحها بعض النفوذ. تخشى الدول المجاورة، كالأردن من استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا، ما يدفعها للعمل بصمت مع النظام، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الحدود. تواجه العديد من الدول الأوروبية، ولا سيما ألمانيا، ضغوطا سياسية بسبب وجود أعداد كبير من اللاجئين السوريين وتفضّل عودة العديد منهم إلى ديارهم. كما تستضيف كل من تركيا ولبنان والأردن والدول المجاورة الأخرى أعدادا أكبر من اللاجئين، في الوقت الذي تعاني فيه اقتصادات هذه الدول داخليا. يمكن لنظام الأسد أن يستخدم اللاجئين كذريعة ويطالب بالحصول على معونات لرعايتهم في حالة عودتهم. قد تكون الدول الأوروبية على وجه الخصوص مستعدة للعمل مع نظام الأسد وتزويده بالمساعدات، واستخدام اللاجئين كغطاء إنساني لتطبيع العلاقات مع هذا الأخير.

أعطت قضية مكافحة الإرهاب نظام الأسد شكلا من أشكال النفوذ. في الأيام الأولى للانتفاضة السورية، أخرج نظام الأسد الجهاديين من السجون وركز جهوده العسكرية على الفصائل غير الجهادية في محاولة ناجحة لإذكاء طابع الطائفية على الانتفاضة ووصف أعدائه بالإرهابيين. بالنسبة للنظام، لقد كانت مشكلة الإرهاب مفيدة له سياسيا وسيستفيد منها أكثر في السنوات القادمة، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من سوريا.

قد تسعى دمشق لجذب الدعم الأمريكي والأوروبي لمحاربة فلول تنظيم الدولة وتقديم نفسها كجزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب.

كما يمكن أن تستخدم المساعدات الإيرانية والروسية في محاربة تنظيم الدولة كطريقة لجذب المنافسين للعمل مع النظام. في حالة وقوع هجوم إرهابي كبير، سيحاول النظام تقديم نفسه كشريك للحكومات المتضررة.

لا يمكن لأي من هذه الاحتمالات إعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل الحرب. ومع ذلك، فإنها ستحدث تحولا في دمشق وتتيح فرصا لهذه الأخيرة لزيادة استقلاليتها ونفوذها. يمثل وضع سوريا الحالي فرصة للنظام.

يمكن للولايات المتحدة العمل مع حلفائها للحد من نفوذ إيران في سوريا وتحسين التعاون بشأن اللاجئين ومكافحة الإرهاب.

غير أن إدارة ترامب لا تبدو متحمسة للانخراط في دبلوماسية إقليمية حتى في ظروف أحسن، ربما تحاول واشنطن تجنب مستنقع سوريا اليوم حتى لو كان ذلك يعني فقدان فرصة للحصول على تأثير إقليمي أكبر.