الجمعة 2019/01/25

هل يستطيع ترامب إنشاء منطقة آمنة في سوريا؟

بقلم: سارة بلانا

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أعادت تغريدة الرئيس ترامب، في 13 كانون الثاني / يناير الحالي، طرح فكرة إنشاء منطقة آمنة، تهدف إلى حماية المدنيين وتقليل أعداد اللاجئين الفارين من أهوال الحرب في سوريا.

تبدو سوريا اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه في 2016؛ فقد كانت آنذاك دعوات عامة وجادة لإنشاء منطقة آمنة، أما اليوم فقد زادت كل من روسيا وتركيا من دعمهما لطرفي الصراع من خلال القوات البرية والغارات الجوية. وفقد تنظيم الدولة الكثير من نفوذه الإقليمي وعاد لشن عمليات تكتيكية إرهابية، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تقليص وجودها العسكري، ويبدو أن الهدف الرئيسَ لها هو إنشاء منطقة آمنة لحماية الأكراد، على الرغم من أن المدنيين الآخرين قد يلجؤون إلى هذه المنطقة بحثا عن ملاذ آمن. في الوقت الذي زاد فيه الحديث بين الولايات المتحدة وتركيا حول إنشاء منطقة آمنة، لا تزال تفاصيل ما تم التوصل إليه غير معروفة.

خلال بحثي عن ​​المتطلبات العسكرية للمناطق الآمنة توصلت إلى شكلين رئيسيين يمكن أن تستوعب سوريا. قد يقلل الداعون إلى إنشاء مناطق آمنة من شأن الآثار السلبية التي قد تنتج عن وجود منطقة آمنة جوا فقط أو أعداد القوات البرية اللازمة لاستكمال المهمة الإنسانية التي تعتبر الهدف الرئيسي لإنشاء هذه المناطق. ما يزيد الأمر صعوبة هو عدم توافق المعايير التي تملكها الولايات المتحدة مع أي من الخيارات لإنشاء منطقة آمنة في الوقت الراهن. منطقة توفر الحماية للأكراد، دون وجود قوات برية أمريكية وتعمل على الحؤول دون الدخول في المواجهة مع تركيا.

ما الذي يمكن القيام به لإنشاء منطقة آمنة في ظل هذه الخيارات؟

ما الذي يمكن القيام به جوا ؟

ربما كان الخيار الأكثر شيوعا لإنشاء منطقة آمنة هو الخيار الجوي، كما حدث في العراق في الفترة ما بين 1991 إلى 2003 وليبيا عام 2011. من خلال هذا الخيار، لا يسمح لطائرات العدو بالوصول إلى منطقة جغرافية محددة فيما يعرف بـ (مناطق حظر الطيران) ولا يسمح لقوات العدو دخول (المناطق المحظورة).

يتطلب إنشاء منطقة آمنة جوية عادة خطوتين: أولا، يقوم الطرف المتدخّل بتدمير قدرات الطائرات المضادة للطائرات، ثم يطلق دوريات جوية منتظمة للمراقبة والاستجابة السريعة للتهديدات. لكن في سوريا، ستتطلب تلك الخطوة الأولى استهداف أجهزة الرادار والدفاعات الجوية التابعة للنظام وروسيا، والقواعد التي عادة ما تضم ​​مستشارين إيرانيين؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى التصعيد. ومع ذلك، لم يقم السلاح الجوي الأمريكي ولا حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتفعيل منطقة حظر طيران أو مناطق الحظر في منطقة ذات دفاعات جوية حديثة مثلما هو الحال في سوريا دون التخلص منها أولا، ما يجعل هذا الخيار صعبا.

حتى لو اتخذت الأطراف المتدخلة هذه الخطوة غير المسبوقة، فإن إخلاء منطقة من القوات البرية يشكل تحديا كبيرا. يقترح النموذج الذي عملتُ عليه، والذي تم اقتباسه من أبحاث أخرى، أن تغطية الدوريات الجوية لدائرة نصف قطرها 25 ميلا يتطلب نحو 12 طلعة جوية و10 طائرات في اليوم. وسترسم هذه المنطقة الجوية الآمنة الحد الفاصل بينها وبين الطائرات المعادية والقوات البرية. ومع ذلك، فإن الغارات الجوية لا تردع الأعداء القادرين على التكيف والذين يقومون بتقسيم قواتهم البرية أو يختبئون بين السكان، حيث استعمل تنظيم الدولة كلا التكتيكين لمواجهة الغارات الجوية للتحالف.

ما الذي يمكن القيام به على الأرض؟

يمكن لمنطقة آمنة جوية في ظل وجود قوات على الأرض أن تتصدى للهجمات الإرهابية وتسهل وصول قوافل المساعدات الإنسانية. يمكن لهذه القوات على الأرض أن تنشئ "جيوبا" أو مناطق حماية متفرقة حول المراكز السكانية الموجودة بالمنطقة أو حول المخيمات التي تم إنشاؤها حديثا لاستقبال النازحين. البديل هو تحصين حدود المنطقة الآمنة من كل الجهات، الأمر الذي من شأنه أن يجعل وجود القوات في خط المواجهة دون فائدة، في ظل تصدي الدوريات الجوية لأي هجمات محتملة سواء جوا أو على الأرض.

ستتطلب حماية هذه المواقع حزمة من التكتيكات التي تستخدمها الجيوش الأميركية والغربية للدفاع عن القواعد، التي غالبا ما تشبه المدن الصغيرة. قاعدة التقدم الجوية في العراق واحدة من القواعد القليلة التي ساهمت في حروب مكافحة التمرد الأميركية الحديثة التي يمكن الحصول على تفاصيلها الأمنية بسهولة. يتعين وجود كتيبة أمريكية مؤلفة من 400-800 جندي للدفاع عن محيط نحو 10 كيلومتر (6.2 ميلا). يمكن لمثل هذه القوة أن تدافع عن مدينة كوباني (عين العرب) التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تقدر مساحتها بـ 10 كيلومترات تقريبا محيطا، و5.5 كيلومتر مربع (2.1 ميل مربع)، ويبلغ عدد سكانها قبل الحرب نحو 40.000 نسمة.

من خلال هذه القواعد الإرشادية هناك حاجة إلى 13600 جندي على الأقل لحماية 500 ألف شخص. ومن أجل حماية 1.5 مليون شخص – داخل المنطقة الآمنة – يرتفع هذا العدد ليصل إلى 40،000 جندي، أو نحو 10 لواءات أمريكية من دون احتساب القوات الدعم اللازمة.

من شأن منطقة آمنة جوا وأرضا أن تحمي المدنيين من مجموعة من التهديدات التي قد يواجهونها داخل سوريا، ويشجع المزيد على اللجوء إلى المنطقة بدلا من الفرار. ومع ذلك، فإن الجهود الضخمة التي قد يتطلبها إنشاؤها، والتي تختلف مع رغبة ترامب في الانسحاب وتتجاوز قدرة العديد من الدول الأوروبية إذا ما عملت وحدها، قد تشجع تنظيم الدولة ونظام الأسد وحلفاءه على إيجاد طرق مبتكرة لتقويض الجهود الدولية.

من سيقوم بكل هذه الجهود؟

بالنظر إلى هذه المتطلبات، فإن حقيقة وجود منطقة آمنة فعلا للمدنيين شمال سوريا يطرح أسئلة كثيرة حول من سيقوم بإنشائها، والذين سيُسمحُ لهم بالبقاء داخلها.

عرضت تركيا من جديد نفسها لتكون الضامن الأساسي للمنطقة الآمنة والتي يمكن وصفها بـ "المنطقة العازلة" بشكل أدق.

على عكس المناطق الآمنة التي تسعى إلى توفير الحماية الإنسانية باعتبارها الهدف الأساسي، ستعمل هذه المنطقة على التصدي للتهديدات الأمنية في المقام الأول، إذ لم تخف تركيا هدفها الرئيس المتمثل في إبعاد الأكراد، الذين تعتبرهم إرهابيين، عن حدودها الجنوبية.

والواقع أن الجيش التركي يعِد العدة لشن حملة من أجل طرد القوات الكردية وإنشاء خط جبهة جديد. رغم أنه لا يوجد سبب لعدم تمكن هذه المنطقة العازلة من القيام ببعض الأغراض الإنسانية، مثل إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، فقد صرحت تركيا بأنها لن تسمح بحماية الأكراد داخل منطقتها.

لقد عرض الأكراد نشر قواتهم على الأرض. وكما تظهر أبحاثي، كي تكون هذه المنطقة " آمنة"، فإن الأمر يتطلب وجود حظر للطيران. لا يستطيع الأكراد فعل ذلك إذ لا يملكون أي قوة جوية. ومع ذلك، على عكس الدعوات السابقة، فإن إنشاء منطقة آمنة ضد هجمات النظام وروسيا لحماية الأكراد سيؤدي إلى استبعاد تركيا، حليف الولايات المتحدة في الناتو، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى حدوث أزمة داخل هذا الحلف.