الأربعاء 2018/11/07

هل تحدث قضية خاشقجي تغييرات في خط الخلافة السعودية؟

بقلم: ديفيد كاردنر

المصدر: فاينناشل تايمز

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


استلم الملك سلمان زمام الأمور عن ابنه من قبل. فما الذي سيفعله الآن؟

لقد أدت الزوبعة التي أثارتها عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بوحشية في قنصلية السعودية في إسطنبول إلى حالة من هدوء بشكل مؤقت. إن التحقيق السعودي المزعوم في جريمة القتل أدى إلى تأجيل ردود الفعل الدولية، على الرغم من أنه عذر لحماية محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية.

قامت الرياض بإرسال المدعي العام الخاص بها، سعود المعجب، إلى تركيا للتعاون بشأن التحقيقات في قضية خاشقجي. بعيدا عن تقديم أية معلومات جديدة بشأن التحقيق، يقول المسؤولون الأتراك، إن الفقيه الوهابي كان يسعى للاطلاع على المعلومات التي بحوزة الأتراك. وهو ما يمكن اعتباره جوابا للعديد من الأسئلة والسبب الذي دفع بالكثيرين إلى توجيه أصابع الاتهام نحو قمة الهرم، وهو ما بدا واضحا لوكالة المخابرات المركزية ووكالات الاستخبارات الغربية الأخرى.

ومع ذلك، يمكن لأي شخص ذي معرفة سطحية بالطريقة التي يتم التعامل بها مع السلطة في السعودية أن يفهم ذلك على أية حال.

بعيدا عن المطالبة بتحقيق العدالة لخاشقجي، يبقى السؤال المطروح كيف لنظام ملكي يتمحور حول شخص ولي العهد، أن يتعاطى مع الوضع في حال حدوث خطب ما؟ سيؤدي ذلك إلى أزمة حقيقة ولا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يحدث في الأيام القادمة.

على الرغم من أن الملك سلمان البالغ من العمر 82 عاما لا يتخذ جميع القرارات، حيث أوكلت هذه المهمة إلى محمد بن سلمان ولي عهده، إلا أنه يبدي رأيه في بعض القرارات السياسية من وقت لآخر. فقد قام هذا العام خلال مناسبتين بإلغاء بعض من القرارات التي اتخذها ابنه: إلغاء إحدى خطط محمد بن سلمان الاقتصادية والتي تقوم على تعويم شركة النفط الحكومية، أرامكو السعودية، بشكل جزئي، كما أكد الدعم العربي لدولة فلسطين واعتبار القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل عاصمتها.

لم يعرب محمد بن سلمان عن اعتراضه على اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك.

حازت هذه القضايا على اهتمام الملك بسبب ردود الأفعال الدولية التي أثارتها وليس نتيجة لأي نقاش داخلي سعودي، وهو الأمر نفسه الذي دفع بالملك للالتفات إلى قضية خاشقجي. في الوقت الذي تخلف فيه هذه القضايا العديد من التداعيات على خط الخلافة ومستقبل آل سعود فهي لا تعدو أن تكون مجرد قضايا سياسية صرفة. من المرجح أن يخلف محمد والده المسن في القريب العاجل، إلا أن جريمة قتل خاشقجي، لما تمثله من انعدام كفاءة مهول وعجرفة سافرة، دون الحديث عن الوحشية التي تمت بها، إلا أنها ساهمت في تمزيق أوراق اعتماد محمد بن سلمان كمصلح محتمل لبلاده.

لا يمكن لولي العهد الاعتماد على دعم ترامب إلى نهاية المطاف. في الوقت الذي يتوعد فيه الرئيس الأمريكي السعوديين ب "عقوبة قاسية"، يبدو أنه يحاول التوفيق بين خطاباته وخطاب الكونغرس الأمريكي الغاضب في محاولة تكتيكية للتخفيف من وطأة مواقفهم المتطرفة.

تحاول إدارة ترامب، على سبيل المثال، الدفع بمحمد بن سلمان لإنهاء حربه العقيمة في اليمن. إذا تجاهل التحالف الذي تقوده السعودية واشنطن، فمن المحتمل أن يصوت الكونغرس على تعليق جميع عقود بيع الأسلحة للسعودية.

يبدو أن واشنطن ستحاول أن تطرح من جديد خطتها لإنهاء الحصار الذي تفرضه السعودية على قطر، حيث تتهم الرياض الدوحة بدعم "الإرهاب الإسلامي" وتحالفها مع إيران. أقنعت الولايات المتحدة قطر بتوقيع ميثاق لمكافحة الإرهاب في وقت مبكر من هذا العام، وهي الآن في وضع يسمح لها بأن تطلب من السعودية الأمر نفسه.

إن إصرار ترامب على اعتبار السعودية حجر الأساس في سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط لا جدوى منه، كما لا يمكن اعتبارها قوة موازية لإيران، ولا ندا عسكريا أو إيديولوجيا لها.

أدت تصرفات السعودية غير المبررة إلى صرف نظر ترامب عما تقوم به إيران إقليميا، وبالتالي تخفيف الزخم ضد طهران. كما إن الجولة الثانية الأخيرة من العقوبات الأمريكية ضد إيران هذا الأسبوع قد خففت. على سبيل المثال، كان البيت الأبيض مصرا حتى وقت قريب بأنه لن تحصل البلدان التي تستورد كميات كبيرة من النفط والغاز الإيراني على إعفاءات، في الوقت الذي حصلت فيه ثماني دول على هذا النوع من الإعفاءات. يبدو أن الأنشطة السياسية لطهران قد تناقصت في الوقت الذي تبدو فيه النخبة السياسية الإيرانية مبتهجة بسبب الفضيحة الكبرى التي قام بها خصومهم السعوديون.

أما فيما يخص القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، لطالما كان تأييد محمد بن سلمان لإحدى صفقات السلام وفقا للشروط الإسرائيلية وفرضها على الفلسطينيين مجرد وهم. إنه خطأ أساسي في الحكم على سليل من آل سعود - بالنظر إلى اعتبارهم أوصياء على الأماكن الإسلامية المقدسة-. فلنفترض أنه سلم القدس للإسرائيليين - فمن الواضح أنه لا يوجد أحد في دائرة محمد بن سلمان يمكن أن يقف في طريقه - غير أن الأمر قد يتغير حين يعلم والده بالأمر.

ما الذي قد يفعله الملك سلمان الآن؟

من الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها إعادة دور العائلة المالكة وجعل التشاور آلية للتعامل مع مختلف القضايا. وسيتطلب ذلك إعادة توزيع السلطة لتولي أمور الحكم، لكن ليس من الواضح ما يمكن فعله بعد الانقلابات التي شهدها القصر العام الماضي، والتي كان الهدف منها سحق منافسي محمد بن سلمان والحؤول دون وصولهم إلى العرش. من المهم فتح نقاش عام حول مستقبل السعودية، والذي يعتبره محمد بن سلمان نوعا من المعارضة، فما حصل مع جمال خاشقجي مثال على الكيفية التي يتم التعامل بها هذا النوع من المعارضة.