الأثنين 2018/01/01

هل آن الأوان لقيام ثورة إيرانية ثانية ؟


بقلم: مازيار بهاري

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

تاريخ النشر : 30 / 12 / 2017


في 28  كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اجتمع مجموعة من الناس في مدينة "مشهد"، وتظاهروا ضد السياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية.

وتعد مدينة "مشهد" من المدن المقدسة لأكثر من 250 مليون مسلم شيعي حول العالم، حيث ضريح الإمام رضا، ثامن الأئمة الشيعة الملقب "بالصديق".

ويمتلك ضريح الإمام مجموعة اقتصادية تقدر رؤوس أموالها بملايير الدولارات؛ إذ تمتلك عددا من الصناعات والبنوك والمستشفيات، وكذلك عدد من المؤسسات الدينية في أنحاء إيران.

كما تقوم هذه المجموعة بممارسة نشاطاتها تحت إشراف المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي.

إن وجود مجموعة الشركات التابعة للإمام رضا يجعل من "مشهد" ثالث أهم المدن الإيرانية، بعد العاصمة "طهران" ومدينة "قم"، حيث يعيش معظم "آيات الله" الإيرانيين.

هذا بالإضافة إلى انتشار الأجهزة الأمنية بشكل مكثف بما في ذلك وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، ووحدات الحرس الثوري الإيراني وعناصر الشرطة التي تحرص على سلامة ملايين الزوار الشيعة الذين يأتون للمدينة من مختلف المناطق الإيرانية بالإضافة إلى نحو 2.5 مليون شيعي يزورونها سنويا من مختلف أنحاء العالم.

لم تذهب رمزية مظاهرات الخميس الماضي سدى بالنسبة لملايين الإيرانيين في المدن الأخرى، الذين يعانون من نفس الضائقة الاقتصادية.

فإذا استطاع سكان مدينة "مشهد" الخروج في تظاهرات على الرغم من كل القيود التي تحيط بهم، يستطيع سكان رشت، كرمنشاه، أصفهان، ساري والعديد من المدن الأخرى الخروج في تظاهرات مماثلة.

خرجت المظاهرات الأخيرة من قلب المحافظات الإيرانية على عكس تظاهرات الحركة الخضراء سنة 2009، التي انطلقت من العاصمة طهران.

رغم التضييق الذي تمارسه الحكومة على الاحتجاجات في مدينة "مشهد"، خرج آلاف الإيرانيين للتعبير عن عدم رضاهم بالسياسات الاقتصادية والخارجية التي تتبعها حكومتهم، والإعلان عن تذمرهم من الحكومة الإيرانية التي تهيمن على السلطة منذ العام 1979.

شارك في المظاهرات موظفو القطاعات العامة والخاصة على حد سواء الذين عايشوا ارتفاع الأسعار بشكل يومي في السنوات الأخيرة، وكذلك المتقاعدون الذين لم يحصلوا على رواتبهم التقاعدية في الوقت المحدد، وآخرون يؤمنون بأنهم حرموا من حقوقهم كمواطنين إيرانيين.

احتج الكثير من المتظاهرين على التطورات الأخيرة التي لم تفعل شيئا سوى تأجيج الوضع أكثر- على مستوى السياسات المحلية التي تتبعها الحكومة وحلمها بالهيمنة على المنطقة.

في 10 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بعرض ميزانية حكومته للعام 2018، والتي ستجعل حياة المواطن أصعب وتدفعه إلى تحمل المزيد من الأعباء المالية، في حين تضمنت هذه الميزانية دعما سخيا للمنظمات الدينية في إيران وأماكن أخرى.

قام المتظاهرون برفع شعار "لا غزة لا لبنان، أنا أدفع حياتي لإيران" خلال احتجاجاتهم في مختلف المدن،و اعتبر العديد من الإيرانيين دعم حكومتهم السخي لحماس وحزب الله اللبناني ونظام الأسد والحوثيين في اليمن غير ضروري بل يرونه خيانة لهم.

على الرغم من تحمس الإيرانيين واندفاعهم إلا أنه لا يمكن لأحد أن يتكهن ما الذي سيحدث في إيران في الأيام القادمة. فأغلب المحللين لزموا الصمت إزاء ما يجري في المدن الإيرانية، خاصة أن هذه التظاهرات ليس لها قيادة أو جماعة أو فرد، حيث رفعت شعارات ضد كل من روحاني وخامنئي، وعكس ما حدث سنة 2009، لا وجود لقادة لتوجيه تحركاتهم.

بعد قيام روحاني بعقد اجتماعات مكثفة مع وزرائه ومستشاريه للنظر في الوضع الذي تمر به البلاد ،لم تتمكن حكومة روحاني سوى من إلقاء اللوم على النقاد المحافظين، وهو ما أشار إليه نائب الرئيس عندما قال إن المتشددين يستخدمون المشاكل الاقتصادية للناس من أجل إسقاط الحكومة، حيث أشاد الكثير بالشعارات التي رفعت ضد روحاني، في حين انتقد العديد منهم أن تشمل الشعارات المناوئة المرشد الأعلى خامنئي الذي يعتبر مقدسا.

وقد اعتقل المئات من المتظاهرين في أرجاء المدن الإيرانية خلال الساعات الماضية ، ولم يتم الإفراج عن أحد ممن اعتقلوا لحد الآن، ومن غير المعروف التهم الموجهة إليهم.

أظهرت هذه الاحتجاجات عدم رضى الإيرانيين عن النظام ككل- والذي يشمل كلا من نظام روحاني المؤيد للإصلاح ونظام خامنئي المحافظ.

قد يؤدي التعامل مع موجة الغضب هذه إلى توحيد صفوف النظام لوهلة، لكن في نهاية المطاف، ستبدأ مختلف التيارات بالاقتتال داخليا من جديد.

تختلف مصالح روحاني وخامنئي وكذلك ركائز دعم كل واحد منهما، لذا لا يمكن لهما التعايش في سلام ورعاية مصالح دوائرهم الانتخابية.

لا يمكن لروحاني أن يتغاضى عن الدور المدمر الذي قام به آل "آية الله" في الحرس الثوري الإيراني وقبضتهم الحديدية على الاقتصاد.

يدير الحرس الثوري بشكل فعلي سياسيات إيران في المنطقة على نطاق واسع- بما في ذلك دعمه لبشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان- كما أنهم سخروا من محاولات روحاني التقرب من جيران إيران والدول الغربية.

كما أن المرشد الأعلى، بدوره، لا يمكنه أن يرضي الملايين من الإيرانيين الراغبين بالحرية والازدهار في ظل قبضة من حديد يتمتع بها رجال الدين المتعصبون الذي يتمتعون بالسلطة خلال العقود الأربعة الأخيرة.

فهل ما يجري في إيران اليوم ثورة ثانية؟ لم يحن الوقت بعد، فالحكومة الحالية عدوة نفسها، والشعب الإيراني على وعي بذلك؛ حيث يمكن أن تؤدي الآثار الاقتصادية  إلى اندلاع اقتتال داخلي يؤدي إلى القضاء على هذا النظام الفاسد والوحشي.

وعلى الأرجح أن الفصائل المختلفة داخل الحكومة، كعادتها، ستختار رفض الشكاوى الاقتصادية  للشعب الإيراني وستلقي باللوم على العملاء الأجانب وعلى الإمبريالية والصهيونية وأعداء إيران بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات.

لقد تعلم الشعب الإيراني بعد 40 عاما من العيش في ظل الجمهورية الإسلامية من أن يرفع صوته تدريجيا وبذكاء، في احتجاجات سلمية من شأنها أن تثير الحكومة، وقد تدفعها إلى تمزيق نفسها من الداخل.

قد يختار حكام إيران إلقاء اللوم على الغرب والصهاينة- لكن يصعب عليهم أن يدركوا أن الخطر الحقيقي على سلطتهم يأتي من الداخل وليس من الخارج.