الأربعاء 2018/12/26

هكذا يقوم نظام الأسد بإخلاء “زنازين الموت”

بقلم: لويزا لوفلوك وزكريا زكريا

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


في الوقت الذي يعزز فيه النظام سيطرته على الأراضي السورية بعد سنوات من الحرب، تقوم قواته بتسريع عمليات إعدام السجناء السياسيين، عبر إصدار القضاة العسكريين أحكام إعدام بحق هؤلاء، بحسب ما جاء على لسان الناجين من أحد أسوأ السجون في البلاد.

خلال مقابلات أجريناها معهم، تحدث أكثر من عشرين معتقلا سابقا، أطلق سراحهم مؤخرا من سجن صيدنايا العسكري في دمشق، عن الحملة التي يقوم بها النظام للتخلص من أفواج المعتقلين السياسيين. وأكد السجناء السابقون أنه يتم نقل هؤلاء المعتقلين إلى سجون أخرى ووضعهم مع المعتقلين الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام في سجن صيدنايا ليتم بعدها تصفيتهم جميعا قبيل الفجر.

يقول أحد المعتقلين السابقين الذين أطلق سراحهم، إنه على الرغم من عمليات النقل هذه، فإن زنازين سجن صيدنايا التي كان تعج بالمعتقلين، والتي كانت تضم نحو 10 آلاف إلى 20 ألف سجين، قد أصبحت خالية بسبب عمليات الإعدام التي لم تتوقف منذ بدئها، حيث إن قسما واحدا على الأقل قد أفرغ بالكامل.

كما صدرت أحكام إعدام بحق بعض المعتقلين السابقين الذين أفرج عنهم، ما اضطر عائلاتهم إلى دفع عشرات الآلاف من الدولارات لتأمين حريتهم والحفاظ على حياتهم. تحدث معتقلون آخرون عن محادثات دارت بين الحراس فيما يتعلق بنقل السجناء المراد قتلهم، وتحدث إلينا هؤلاء المعتقلون جميعا شريطة عدم الكشف عن أسمائهم خوفا على سلامة أسرهم.

ووفقاً لمعتقلين سابقين تمت محاكمتهما سابقا داخل محكمة دمشق الميدانية، الواقعة داخل مقر الشرطة العسكرية بالعاصمة، فقد تزايدت معدلات أحكام الإعدام خلال العام الماضي. حوكم هذان الرجلان خلال جلستين، كانت إبان الحرب والمرة الثانية خلال هذا العام، الشيء الذي مكنهم من مقارنة الطريقة التي تعمل بها هذه المحكمة السرية.

قال أحد الرجال: "لم يكن هناك أي نوع من الرأفة خلال المرة الثانية التي وفقت فيها أمام المحكمة". مضيفا.. "لقد حُكم على جل الأشخاص في تلك الغرفة بالموت. كانوا ينطقون الأحكام بصوت عال".

وقال معتقلون سابقون إنه حتى قبل تنفيذ أحكام الموت بهؤلاء، يموت العديد منهم بسبب سوء التغذية أو الإهمال الطبي أو الاعتداء الجسدي، وغالباً ما يحدث ذلك بعد انهيار نفسي.

قال أحد السجناء السابقين، إن الحراس قد قاموا بإدخال أنبوب معدني إلى حنجرة أحد زملائهم داخل الزنزانة، وهو شاب ينحدر من ضاحية داريا في دمشق. موضحا "لقد قاموا بتثبيته إلى الجدار وتركوه هناك ليموت". يقول أبو حسين، ذو الـ 30 ربيعا، وهو ميكانيكي من محافظة حمص: "ظلت جثته ملقاة في الزنزانة طوال الليل". ووصف آخر كيف أجبر الحراس السجناء في زنزانته على ركل رجل من مدينة درعا حتى الموت.

رفض نظام الأسد التعليق على هذا المقال. كما لم يعترف بإعدام السجناء أو التصريح بأعداد أولئك الذين أعدموا. في الوقت الذي لا توجد فيه أرقام حقيقية عن أعداد الذين أعدموا حتى الساعة.

تُظهر صور الأقمار الصناعية التي التُقطت لأراضي سجن صيدنايا في آذار/ مارس الماضي تراكم العشرات من الأجسام المظلمة التي يقول الخبراء إنها جثث. بعد حصول صحيفة "واشنطن بوست" على الصور طلبت من خبراء الطب الشرعي الاطلاع عليها وتحليلها.

يقول إسحاق بيكر، مدير تحليل الصور في المبادرة الإنسانية التي قامت بها هارفارد: "تظهر عدة أجسام في الصور في الفترة ما بين 1 آذار/ مارس و 4 أذار/ مارس الماضي، تتشابه هذه الأخيرة من حيث الحجم والطول حيث يتراوح طولها بين خمسة إلى ستة أقدام تقريبا" معلقا بالقول "في الوقت الذي لا تظهر فيه البيانات التي بين أيدينا والتحليل الذي قمنا به أن هذه الأجسام جثث؛ إلا أن هذه الصور تثبت الروايات التي قدّمها الشهود العيان عن وجود عمليات إعدام جماعية في هذا المكان".

تحدث محتجزان سابقان كانت زنزانتهما بالقرب من غرفة الحراسة عن سماع محادثات بين سجانيهما بشأن عمليات إعدام في أوائل آذار / مارس الماضي، حيث قال أحدهما: "كانوا يتحدثون عن مجموعة من الجثث التي ألقيت في فناء السجن ".

يبدو أن صور الأقمار الصناعية الأخرى للأراضي العسكرية قرب دمشق، التي اعتبرتها منظمة العفو الدولية مقابر جماعية، تظهر تزايدا في أعداد حفر الدفن وشواهد القبور منذ بداية العام. قال منشقون عملوا داخل السجون العسكرية إن هذه المنطقة، الواقعة جنوب العاصمة، يمكن أن تكون قد شهدت عمليات دفن جماعي لسجناء صيدنايا.

داخل هذه المقبرة الواقعة على الطريق الجنوبية المؤدية إلى دمشق لوحظ وجود العشرات من شواهد القبور الجديدة.

رعب تام:

بعد سبع سنوات من الحرب، لا يزال هناك أكثر من 100 ألف معتقل في عداد المفقودين. وفقا للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لقي الآلاف، إن لمنقل عشرات الآلاف مصرعهم داخل المعتقلات.

على الرغم من أن أطراف الحرب قد قامت باعتقال وإخفاء وقتل العديد من الأسرى، إلا أن 90 ٪ منهم تم احتجازهم عبر شبكة من السجون التابعة للنظام، حيث يتم استخدام التعذيب والتجويع والإهمال بشكل منهجي لقتل المحتجزين. وفقا لمنظمة العفو الدولية، تم احتجاز نحو 20 ألف سجين داخل سجن صيدنايا في مرحلة من المراحل.

أجرت صحيفة "واشنطن بوست" مقابلات مع 27 معتقلا سابقا أطلق سراحهم مؤخرا من سجن صيدنايا. يعيش معظمهم الآن في كل من تركيا وسوريا ولبنان والعراق وألمانيا. وقد تم التعرف عليهم من قبل سجناء سابقين آخرين ومراقبي حقوق الإنسان، وتمت مقابلتهم في مدن تركية كإسطنبول وغازي عنتاب وأنطاكيا وسيوريك، وكذلك عبر الهاتف.

ويقول أحد السجناء، (محمد ٢٨ عاما)، إن الحراس كانوا يمنعونهم من التحدث إلى بعضهم، وإنهم كانوا ينامون على أرضيات متسخة بالسوائل ويفترشون أغطية مليئة بالعث والقراد، مضيفا: " في صيدنايا، لا يمكنك التفكير في أي شيء، لا يمكنك حتى التحدث إلى نفسك. الضرب تعذيب والصمت تعذيب". شبه محمد زملاءه في الزنزانة "بالحيوانات المحبوسة".

أضاف قائلا: "لقد حطموا معنوياتهم فأصيب بعضهم بالجنون، الموت أرحم لهم، وهو كل ما ينتظرون".

على الرغم من أن تنفيذ أحكام الإعدام كان يتم في أيام مختلفة، إلا الحراس كانوا غالبا ما يقومون بجولات تفقدية داخل الزنازين ظهر يوم الثلاثاء، ويقومون بمناداة أسماء السجناء من قوائم أعدت مسبقا. "يمكنك معرفة أنهم قادمون عندما يبدؤون بالطرق بقوة على الباب المعدني ويبدؤون بالصراخ طالبين منا الاستدارة باتجاه الجدار". وقال أحد السجناء السابقين: "كان الجميع يتدافعون نحو الجدار، نقف هناك آملين ألا تتم مناداتنا".

في حالة محمد، هذا ما حدث. سحبوا قمصانه فوق رأسه، بعدها أخرج الطالب السابق من زنزانته واقتيد إلى صف الموت في الطابق السفلي، حيث تعرض للضرب في طريقه إلى هناك. لا يزال يتذكر صراخ الآخرين حوله.

اقتيد بعدها رفقة عدد من المعتقلين إلى زنزانة ضيقة وجردوا من ملابسهم قبل أن يغادر الحراس، حيث ظلوا هناك مدة أسبوع.

تم تكديس المزيد من السجناء في زنزانة مجاورة. وكان من بينهم حسن، 29 عاما، وهو مزارع نُقل إلى سجن صيدنايا من سجن مدني في محافظة السويداء. وجلس الرجال طوال الليل ينتظرون الموت، تبادلوا أطراف الحديث متهامسين.

يقول حسن "كان الظلام حالكا هناك، لكن الرعب كان باديا على وجوههم، وفي النهاية توقف الجميع عن الكلام".

ومع ذلك، عندما جاء الحراس ليأخذوا السجناء، لم يناد على كل من محمد وحسن ليعلموا فيما بعد أن عائلاتهم دفعت عشرات الآلاف من الدولارات إلى وسيط مرتبط بالنظام - شبكة ظهرت خلال الحرب لتزويد العائلات بأخبار أقاربهم المحتجزين حيث يتم إطلاق سراحه المحتجزين مقابل مبالغ مالية-.

إشعارات الموت:

تأتي الزيادة المفاجئة في أعداد أحكام الإعدام في الوقت الذي تجري فيه مناقشة مصير المحتجزين السوريين إبان الحرب في محادثات السلام التي جرت في العاصمة الكازاخستانية أستانا. كما يحاول مسؤولون روس وأتراك وإيرانيون التفاوض على وضع حد للصراع، عقب محاصرة قوات المعارضة السورية في أقصى الشمال الغربي من البلاد.

في غضون ذلك، بدأ النظام بإصدار إشعارات وفاة بخصوص السجناء السياسيين بوتيرة لم يسبق لها مثيل، فقد عرفت هذه الظاهرة ارتفاعا مهولا في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث إن العديد من هذه الإشعارات تؤكد بأن المحتجزين قد ماتوا في السنوات الأولى للصراع.

في تقرير صدر الشهر الماضي، قالت هيئة الأمم المتحدة التي أنشئت للتحقيق في جرائم الحرب في سوريا إن إصدار إشعارات الموت هذه هو بمثابة اعتراف ضمني من النظام بأنه مسؤول عن وفاة معتقلين نفى احتجازهم لسنوات.

تقول هاني مغلي، المحققة الرئيسية في لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن هذا الموضوع "يجب أن نربط ما يحدث بمرحلة ما بعد الصراع" أظن أن النظام "يعتقد أن وجوده لم يعد مهددا، وأن عليه أن ينظر إلى الأمام في كيفية التعامل مع السكان بشكل عام"، مضيفة " يطالب السوريون اليوم بالمزيد من المعلومات حول ما حدث ولماذا وأين والأهم أين هي الجثث؟".

من الخلال المقابلات التي أجرتها "واشنطن بوست"، عرّف السجناء السابقون الرأي العام على عمل المحكمة الميدانية العسكرية، حيث يظهر المتهمون دون محامين وغالباً ما تكون الاتهامات الموجهة إليهم نتاج التعذيب الذي تعرضوا له. تتم محاكمة المعتقلين مكبلين ومعصوبي الأعين، ونادرا ما تدوم هذه المحاكمات أكثر من ثلاث دقائق.

في بعض الحالات، ارتكزت عمليات الإعدام الأخيرة في سجن صيدنايا على أحكام صدرت قبل سنوات. يقول معتقلون سابقون إنه لم يتغير شيء سوى الوتيرة التي تصدر بها هذه الأحكام.

وحالما يتم شنق السجناء، يتم نقل جثثهم مباشرة من غرفة الإعدام إلى شاحنة أو سيارة تنتظر في الخارج ليتم نقل هذه الجثث باتجاه المستشفى العسكري قبل دفنها في المقابر الجماعية على الأراضي العسكرية، وفقًا لمنظمة العفو الدولية.

نجا كل من محمد وحسن من هذا المصير. بعد سنوات من التعذيب والإهمال الشديد، وصلا إلى الحدود التركية في وقت سابق من هذا العام.

أثناء توجه حسن إلى آخر معاقل الثوار الواقع بالقرب من الحدود التركية، قام المهربون الذين يديرون مجموعته بتوجيهه بالخطأ نحو حقل ألغام، لتفجر ساقه. قال: "لا يمكن نسيان ما حدث في سجن صيدنايا بسهولة" مضيفا "أعتقد أن معظم زملائي في الزنزانة ماتوا الآن...لا زلت أفكر في الأشخاص الذين ما زالوا هناك ".