السبت 2019/04/20

ما الرسائل التي نقلها وزير الخارجية الإيراني بين دمشق وأنقرة؟

بقلم: حميد رضا عزيزي

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا في 17 نيسان/ أبريل، في إطار زيارة رسمية لها بعد زيارته لسوريا في اليوم السابق. على الرغم من أن القضايا الثنائية كانت جزءا من جدول أعمال اجتماعات ظريف في كلا البلدين، إلا أن توقيت الرحلة ومضمون محادثاته في دمشق وأنقرة يشيران إلى أن جولته الدبلوماسية كانت مرتبطة بالجهود الدولية لحل الملف السوري أكثر من أي شيء آخر.

تأتي رحلات ظريف الإقليمية هذه قبل أقل من 10 أيام من موعد جولة جديدة من محادثات السلام بخصوص سوريا في إطار منصة أستانا الذي تلعب فيه كل من إيران وتركيا وروسيا دورا رئيسيا. ومن هذا المنطلق، فقد أثارت زيارات ظريف إلى سوريا وتركيا تكهنات حول محاولات إيران الحثيثة لإيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين وتوفير إطار من أجل التوصل إلى تفاهم في المحادثات الدبلوماسية المقبلة. إضافة إلى ذلك، كانت الحاجة لإيجاد حل سلمي للنزاع السوري الشعار الرئيسي لظريف خلال جميع اجتماعاته في كل من دمشق وأنقرة.

من خلال التمعن في تصريحات ظريف خلال رحلاته يمكن القول إن خطة طهران لتسهيل وتسريع العملية السياسية السورية تستند إلى ثلاثة ركائز أساسية.

أولا وقبل كل شيء، يبدو أن إيران تحاول القيام بجهود غير مسبوقة من أجل تشكيل "اللجنة الدستورية السورية" والتي من المقرر أن تكلف بصياغة دستور جديد لسوريا. كان موقف إيران الرئيسي منذ بداية المشكلة السورية هو أن مستقبل سوريا - بما في ذلك دستورها - يجب أن يقرره الشعب السوري فقط، مع رفض المبادرات الأجنبية لتحقيق هذه الغاية. ومع ذلك، فمنذ منتصف عام 2018، بدأ هذا الموقف بالتغير، نتيجة للتطورات التي عرفها البلد الذي مزقته الحرب.

وكان ظريف قال: "لقد أجريت محادثة جيدة جدا مع وليد المعلم حول كيفية المضي قدما في العملية السياسية في إطار منصة أستانا واللجنة الدستورية". وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك له مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو: "نحن بحاجة إلى التعاون مع نظرائنا الروس والأتراك بهذا الخصوص"، في إشارة إلى هذه القضية مرة أخرى.

وفي إشارة أخرى إلى أن إيران أجرت محادثات إيجابية مع تركيا وروسيا بشأن مسألة اللجنة الدستورية، قال ظريف، "نأمل أن يتم حل مشكلتين عالقتين لبدء تشكيل اللجنة الدستورية في القريب العاجل؛ تتعلق إحداهما بالتكوين العام للجنة، في حين تتعلق الأخرى بالمبادئ الرئيسية التي تحكم عمل اللجنة "، مردفا أنه سيُطلع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على فحوى محادثاته مع بشار الأسد.

من هذا المنطلق يمكن القول إن زيارات ظريف لدمشق وأنقرة كانت تهدف في الحقيقة إلى نقل رسائل بين الجانبين فيما يتعلق بتوقعاتهما لعملية الانتقال السياسي في سوريا. وهو ما نفاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قائلا إن ظريف لم يقم بنقل أي رسالة من الأسد إلى أردوغان.

تصبح أهمية هذه المهمة أكثر تجليا عندما نأخذ بعين الاعتبار أن إحدى العقبات الرئيسية التي تحُول دون تشكيل اللجنة الدستورية السورية هي اعتراض نظام الأسد على إدراج أسماء معينة في اللجنة. ومع ذلك، فقد أعلن "غير بيدرسن"، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أنه قد أقنع الأسد بقبول الأسماء المقترحة وأنه سيتم وضع اللمسات الأخيرة على قائمة أعضاء اللجنة في اجتماع أستانا القادم المزمع عقده في 25و 26 من نيسان/ أبريل الحالي.

يمكن القول إن مقاربة طهران الجديدة في دعم تشكيل اللجنة الدستورية ساهمت في تخفيف موقف الأسد. والواقع أن تركيا ستنظر إلى هذا الأمر على أنه خطوة إيجابية، حيث طالبت بحضور مكثف للمعارضة السورية في اللجنة الدستورية. ولكن ما الذي طلبته كل من طهران ودمشق من أنقرة في المقابل؟

يحيلنا هذا النوع من الطرح إلى الركيزتين الثانية والثالثة من خطة إيران وهما: التخلي عن إدلب لصالح نظام الأسد وإيقاف العملية العسكرية التركية شرق الفرات. في الواقع، أخبر ظريف المراسلين في دمشق أن لديه "مخاوف جدية" بشأن الوضع في إدلب، قائلا: "نحن [إيران] وتركيا وروسيا ملتزمون بالتأكيد بتنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها بشأن إدلب" في إشارة واضحة إلى التزامات أنقرة بموجب اتفاقها مع موسكو في أيلول/ سبتمبر من العام 2018 للإشراف على نزع سلاح "الجماعات الإرهابية" وإنشاء "منطقة لخفض التصعيد" في إدلب. وكانت إيران أيّدت الاتفاق في وقت لاحق، بهدف إعادة المنطقة بشكل تدريجي إلى سيطرة نظام الأسد. وعلى الرغم من ذلك فقد أبدت روسيا امتعاضها من تركيا لعدم وفائها بالتزاماتها من وقت لآخر.

أما بالنسبة لمسألة المنطقة الواقعة شرق الفرات، فتحاول إيران إعادة بسط حكم النظام عليها، في الوقت الذي تحاول فيه التعامل مع مخاوف تركيا بشأن وجود الجماعات الكردية المسلحة هناك. خلال زيارته إلى أنقرة، صرح ظريف بالقول: "نحن ندرك تماما مخاوف أصدقائنا في تركيا بشأن التهديدات [شرقي الفرات]"، مضيفا،ط: "إن أفضل طريقة للحفاظ على أمن جميع دول المنطقة هي عبر نشر القوات السورية على طول الحدود مع تركيا من أجل ضمان عدم القيام بأي نشاط إرهابي ضد الحكومة والأمة التركية ".

تعد تركيا "وحدات حماية الشعب" التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تسيطر على مناطق شاسعة في شرق سوريا، جماعة إرهابية. وكان المسؤولون الأتراك حذروا من أنهم سوف يقومون بعملية عسكرية جديدة داخل سوريا للقضاء على التهديد الذي تشكله هذه المجموعات الكردية.

من هذا المنطلق يمكن القول إن إيران تحاول على ما يبدو ضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال منع تركيا من توسيع المنطقة الواقعة تحت سيطرتها في سوريا نتيجة لعملية عسكرية جديدة، وتقليل النفوذ الأمريكي عبر مساعدة نظام الأسد على إعادة بسط سيطرته على المناطق الواقعة شرق سوريا والمناطق الشمالية الشرقية.

في الوقت الحالي، علينا أن ننتظر حتى اجتماع أستانا القادم لنرى ما إذا استطاعت إيران إقناع تركيا لتنفيذ رؤيتها للعملية السياسية في سوريا. إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل حدوث تطورات عسكرية وسياسية مهمة في المستقبل القريب داخل سوريا.