الجمعة 2019/02/08

ما الذي يجب على أوروبا القيام به بخصوص سوريا؟

بقلم: جوليان بارنز دايسي

المصدر: المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

توشك أوروبا على ارتكاب خطأ فادح في سوريا.

بعد أن أصبحت الحرب "الأهلية" اليوم في سوريا لصالح بشار الأسد أكثر من أي وقت مضى، بدأت الدول الأوروبية محاولاتها في ربط علاقات مع هذا النظام الدكتاتور.

في خطوة مهمة، أعلنت إيطاليا في وقت سابق من الشهر الماضي أنها تفكر في إعادة فتح سفارتها في دمشق. يعتبر قرار روما أول تحول في موفق إحدى الدول الأوروبية الغربية الكبرى، وهو ما يتعارض بشكل صريح ومباشر مع موقف الاتحاد الأوروبي المعلن عنه، والذي دعت إليه كل من فرنسا والمملكة المتحدة، لعزل الأسد وفرض عقوبات على نظامه.

لطالما أشادت الحكومات الأوروبية في كثير من الأحيان، بقدرتها على الاستفادة من تمويل إعادة إعمار سوريا من أجل إحداث تغيير داخلها، لكن التحركات الأخيرة تُميط الغطاء عن وجود خطر متزايد حول الموقف الأوروبي المشترك تجاه الأسد الذي من المحتمل أن يفقد أهميته، لن يؤدي هذا التحول في الموقف الإيطالي وحده إلى تغيير موقف المجتمع الأوروبي، بما في ذلك العقوبات، لكنه يشير إلى احتمال حدوث انقسام في نهاية المطاف.

إن وجود تقارب دليل على وجود تغيرات في الحقائق على الأرض. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب سريع للقوات الأمريكية من سوريا.

في الوقت الذي تحاول فيه دول الخليج العربية إحياء علاقاتها مع دمشق، وتتقدم القوى الجهادية نحو إدلب، مما يبرر على الأرجح إصرار النظام على استعادة المحافظة. يبدو أن انتصار الأسد أمر واقع لا محالة عكس المتوقع.

والواقع أن الموقف الأوروبي عرف تحولاً حتى قبل إعلان ترامب عن قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

وعلى ضوء هذا، يحتاج الأوروبيون إلى صياغة موقف موحد على وجه السرعة، موقف يستجيب مع الواقع الجديد.

في نهاية المطاف، إن هناك ما يدعو لإعادة ربط العلاقات مع نظام الأسد بشكل محدود إذا ما أراد الأوروبيون تحقيق بعض المكاسب للسوريين واللاجئين المتواجدين على أراضيهم وتحقيق بعض المصالح الأمنية.

لكن يجب القيام بذلك بحذر، بطريقة تربط بين البراغماتية والمبادئ السارية حالياً. سيؤدي اتخاذ المزيد من القرارات بشكل فردي بأوروبا إلى أسفل منحدر زلق يدفعها في نهاية المطاف إلى ربط علاقات مع نظام الأسد الأمر الذي سيكون في صالحه، ويسمح له بإعادة بناء شرعيته دون عناء.

والواقع هو أن الموقف الأوروبي عرف تحولاً حتى قبل إعلان ترامب عن قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا. فقد قام كل من نائب وزير الخارجية البولندي وزير الخارجية التشيكي بزيارة دمشق في آب/ أغسطس من العام الماضي عقب إعلان روما.

ففي الوقت الذي احتفظت فيه براغ بسفيرها داخل سوريا طوال سنوات "النزاع"، كانت للزيارة التي قام بها وزير خارجيتها دوافع إنسانية، لقد كانت أول زيارة وزارية أوربية رفيعة المستوى منذ بدء الصراع.

وكان قد أعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على سوريا، ولكن في تحول ملحوظ، قامت بعض الدول الأعضاء بإدخال شروط إنهاء لمنح هذه العقوبات تاريخ انتهاء صلاحية.

وقد اقترن التحول في موقف أوروبا بعلامات توسيع نطاق التطبيع. في تشرين الأول /أكتوبر الماضي، أعاد الأردن فتح حدوده مع سوريا، وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، أعادت الإمارات والبحرين ربط العلاقات الدبلوماسية معها. وأفادت أنباء أن رئيس مخابرات النظام زار السعودية أوائل شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، ربما تحسباً لحدوث تحول في موقف الرياض، ومن المحتمل أن تعود سوريا إلى حظيرة جامعة الدول العربية قريباً. تركز هذه الدول اليوم بشكل كبير على الحد من التأثير الإيراني والتركي في المنطقة أكثر من تركيزها على تغيير النظام السوري.

لقد أدى قرار ترامب إلى تسريع هذه الدينامية. في الوقت الذي قد يؤدي اعتراض بعض المسؤولين في الإدارة إلى تأخير الانسحاب، فإن نتيجة هذا الاعتراض تكاد تكون منعدمة. لا أحد يؤمن بقدرة واشنطن على العمل كممثل استراتيجي طويل المدى في سوريا، كما أن معظم اللاعبين يضعون خططاً تعتمد على وجود الولايات المتحدة في سوريا.

يبدو من المرجح أن يستغل الأسد قرار ترامب بعقد صفقة مع "ب ي د" - التي تحميها القوات الأمريكية في السابق - لفرض سلطة النظام على الشمال الشرقي ومنع تركيا من دخول سوريا.

في الوقت المناسب، يمكن للأسد التوصل إلى اتفاق مع تركيا على أساس التعاون المشترك ضد الأكراد. يُكِنُ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرهاً عميقا للأسد، لكن أنقرة قد ترى في ذلك فرصة للتخلص من الطموحات الكردية ومواجهة نفوذ الدول الخليجية.

خلاصة القول إن الأنظار قد أصبحت موجهة نحو الأسد بشكل متزايد، حتى من قبل أعدائه السابقين، واعتباره الوسيلة الرئيسية والتي يمكن من خلالها التنافس مع بعضهم البعض على النفوذ. يرى بعض المسؤولين في إسرائيل أن إعادة الأسد المعاد تشكيله هو أفضل وسيلة لإعادة النظام إلى الشمال والحد من الوجود الإيراني في البلاد.

وهذا تحول ملحوظ سيستغله الأسد لتعزيز سلطته. في الوقت الذي يواجه فيه الأسد تحديات داخلية كبيرة، فإنه يواجه قيوداً أقل لاستعادة السيطرة على البلد بأكمله.

كما سيكون لديه المزيد من الخيارات للدفع بعجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، بما في ذلك الوصول إلى موارد النفط التي يسيطر عليها الأكراد الآن. هذا بالإضافة إلى قدرة دول الخليج على توفير التمويل لإعادة الإعمار، على الرغم من تهديد العقوبات الأمريكية.

على ضوء هذه الخلفية، يجب على الاتحاد الأوروبي الرد بشكل سريع وفعال. قد يكون نفوذ هذا التشكيل محدودًا، إلا أن الأوروبيين ما زال بإمكانهم فعل الكثير لتحديد مستقبل أفضل لسوريا.

وبدلاً من السماح للدول باتخاذ قرارات فردية، يجب على الحكومات الأوروبية أن تعمل معاً من أجل فرض نفوذها على الأسد - الذي يسعى للحصول على الشرعية الدولية لانتصاره.

إن حصوله على الشرعية الدولية لن يرغمه على القيام بإصلاحات سياسية فعالة في سوريا.

لكن الأوروبيين ما زالوا يسعون لتوجيه رغبة النظام في إعادة الانخراط السياسي بالغرب لتحقيق بعض المكاسب التي يمكن أن تشمل الوصول إلى المحتجزين؛ أو الحصول على ضمانات بعدم شن حملات اعتقال والتجنيد الإجباري ومصادرة الممتلكات؛ وفتح طرق لوصول المساعدات الإنسانية، وتشكيل آلية يمكن من خلالها للهيئات المحلية أن تلعب دور المنفذ المباشر لعملية دعم الاستقرار. يجب أن يركز الأوروبيون أيضا على ضمان عدم تحويل إدلب إلى حمام دم.

كما يجب على الأوروبيين الذين يرفضون وجود الأسد أن يدركوا أنهم لا يستطيعون الحصول على طاولة السلام ما رفضوا القتال من أجله في ساحة المعركة. لكن ما يستطيعون فعله هو أن يوضحوا للدول التي تمشي على خطا إيطاليا أن الأسد لا يجب أن يحصل على ما يريده بدون مقابل.

من شأن هذا الأمر أن يرعى المصالح الأوروبية الأساسية على عكس فتح علاقات ديبلوماسية غير مشروطة.