الأربعاء 2019/01/02

لهذه الأسباب لا يمكن القول إن إيران فازت في سوريا؟

بقلم: شرين هانتر

المصدر: لوبلوغ

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


بعد إعلان دونالد ترامب قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، علَّق الجميع بالقول إن إيران ستكون أحد المستفيدين الرئيسيين  -إن لم تكن المستفيد الرئيسي - من هذه الخطوة. لا يعد هذا الأمر مستغرباً في الوقت الذي أصبحت فيه إيران المستفيد الرئيسي من جميع القرارات الأمريكية في الشرق الأوسط وغرب آسيا منذ حرب الخليج عام 1991.

مما لا شك فيه أن بعضا من قرارات السياسة الأمريكية قد سمحت لإيران بتحقيق بعض المكاسب الاستراتيجية في المنطقة.  فقد أدى ضعف طالبان، في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، في البداية إلى إزالة التهديد الذي تشكله هذه الحركة على الحدود الشرقية لطهران. ومع ذلك، فإن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان وتأثيره السياسي على الحكومات الأفغانية اللاحقة قد أدى إلى تقويض العلاقات بين طهران وكابُل.

تتمركز القوات الأمريكية اليوم على بعد 250 ميلاً من الحدود الشرقية لإيران. فإذا ما قررت الولايات المتحدة استخدام القوة ضد إيران، سيساعدها وجود قواتها في أفغانستان على شن هجمات على عدة جبهات. علاوة على ذلك، فإن الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في أفغانستان جعل هذه الأخيرة أقل استجابة لمطالب إيران فيما يتعلق بمشاركة نهر هيرماند وقضايا أخرى تخدم مصالح طهران.

وينطبق الأمر نفسه على العراق، حيث إن وجود القوات الأمريكية هناك يضعها بالقرب من الحدود الإيرانية ويزيد من ضعف إيران أمام الهجمات الأمريكية المحتمَلة. هذا بالإضافة إلى الأرواح والأموال التي بذلتها إيران في العراق، بما في ذلك حربها ضد تنظيم الدولة؛ حيث كلفها ذلك الكثير، لكنها لم تحقق مقابل ذلك سوى القليل من خلال علاقاتها مع بغداد.

لا تعكس الإحصائيات المتعلقة بالتجارة بين إيران والعراق الواقع، لأن العراق لا يدفع تكاليف واردات إيران من الغاز الطبيعي والكهرباء. تحاول إيران اليوم الحفاظ على نفوذها داخل بغداد ولذلك تحاول تفادي الدخول في مواجهات مع العراق بشأن تكاليف الواردات التي لم تدفع بعد. ومع ذلك، غالبا ما تلام إيران على مشاكل بغداد، كما حدث في عام 2018 عندما ألقى العراقيون باللوم على إيران بسبب مشاكل الكهرباء.

فبعد أن أصبح العراق هادئا نسبيا (بفضل المساعدات الإيرانية)، إلا أن الدول الأوروبية ودول الخليج هي التي ستجني ثمار ازدهار وإعادة إعمار العراق في نهاية المطاف. فلا تملك إيران في الوقت الحالي الأموال اللازمة للاستثمار محليا بسبب العقوبات الأمريكية.

يمكن قول الأمر نفسه عن سوريا. بداية لم يصبح الانسحاب الأمريكي من سوريا حقيقة ملموسة بعد، كما إنه من الوارد جدا أن يغير الرئيس ترامب رأيه كما فعل في السابق. كما إنه سيتم نقل القوات الأمريكية من سوريا باتجاه العراق لتصبح أقرب إلى الحدود الإيرانية. من الممكن القول إن الولايات المتحدة تنظر في مسألة شن هجوم عسكري على إيران، وبالتالي فهي تعيد نشر بعض من قواتها هناك. إن التصريح الذي أدلى به ترامب وجاء فيه أن الولايات المتحدة ستبقى في العراق لمراقبة تحركات إيران يؤكد أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا لن يقلل من الضغط الأمريكي على إيران.

بشكل عام، كانت العلاقات التي جمعت إيران بنظام الأسد غير متكافئة وتصب في مصلحة هذا الأخير. لقد تصرفت سوريا دوما وفقا لمصالحها الخاصة ولم ترغب يوما في تغيير استراتيجيتها بهدف مساعدة طهران.

في الفترة ما بين 1980 و1990، حاربت سوريا ضد النفوذ الإيراني في لبنان. وخلال مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي أعطى الأمل لدمشق بشأن استعادة مرتفعات الجولان، تجاهل حافظ الأسد المخاوف الإيرانية بشأن حضوره المؤتمر. لقد كانت سوريا بمثابة حفرة لا قرار لها، حيث أفرغت إيران فيها جل مواردها المحدودة التي كان يمكن استخدامها في التنمية المحلية.

في هذه الأثناء، إذا كانت هناك حاجة لملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، فعلى الأرجح ستكون تركيا هي التي ستفعل ذلك. أي إجراء في هذا الصدد من قبل إيران سيؤدي بالتأكيد إلى رد فعل أمريكي وأوروبي قوي. كما إن إيران لن تكون في وضع يسمح لها بتحدّي أنقرة. تحتاج إيران في الوقت الراهن إلى التعاون مع تركيا أكثر من أي وقت مضى من أجل تخطي تأثير العقوبات الأمريكية على وضعها الاقتصادي والعسكري.

أخيرا، من غير المحتمل أن ترغب روسيا في أن تحتفظ إيران بنفوذ كبير في دمشق. بدلاً من ذلك ستحاول موسكو الاستفادة من النجاح الذي حققته في الحرب السورية في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول قضايا أخرى، وجمع الأموال من أجل إعادة إعمار سوريا متى سنحت لها الفرصة بذلك.

لماذا يرى الكثير من المحللين بأن إيران قد فازت في سوريا؟ الأمر بسيط للغاية - لإخافة الولايات المتحدة والدفع بها للقيام بخطوة حاسمة في سوريا، كإلغاء قرار الانسحاب أو زيادة أعداد قواتها هناك وذلك إما للإطاحة بالأسد أو الدخول في صراع جديد مع إيران.