الجمعة 2019/04/12

*لماذا يجب على الغرب دعم احتجاجات العمال في إيران*

بقلم: مايكل روبين

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

في أعقاب الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، يسعى ترامب للحؤول دون استمرارها لفترة أطول. في 21 أيار/ مايو 2018، طالب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بالقيام بتغيير جوهري، وقال حينها "نحن ندرك جيدا طبيعة هذا النظام، لكننا نراقب عن كثب ما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة" مؤكدا: " خلافا للإدارة السابقة، نحن نسعى لتحقيق نتائج تعود بالنفع على الشعب الإيراني، وليس النظام فقط".

وبحسب ما ورد فقد طلب مستشار الأمن القومي، جون بولتون، من البنتاغون التخطيط لهجمات عسكرية محتملة. في الوقت نفسه، صرح الرئيس ترامب: "نطلب من جميع الدول دعم شعب إيران في كفاحه لتحديد مصيره الديني".

في الوقت الذي تُظهر فيه الأحداث التاريخية أن الضغط على النظام الإيراني يمكن أن يفرض بعض القيود عليه، إلا أنه لم يكن كافيا لتمكين الشعب الإيراني. على الرغم من الآمال الكبيرة في الغرب، لم ينجح الإصلاحيون الإيرانيون ولا الحركة الخضراء وذلك لسبب بسيط: وهو أن الهيكل الأمني للجمهورية الإيرانية صمم لسحق مثل هذه الحركات.

كيف إذن وصل التغيير إلى إيران؟ يمكن الاستفادة من دروس التاريخ.

لا يمكن اعتبار الاحتجاج الجماهيري في إيران أمرا جديدا لكنه ظل غير كاف.

فعندما حاول الشاه جمع الأموال من خلال إعطاء حق الاحتكار للمصالح الأجنبية في الفترة الممتدة بين سنة1870 وسنة 1890، قام الإيرانيون الغاضبون بالخروج إلى الشوارع احتجاجا على هذا الأمر. بعد عقود من الزمن، أبدى رئيس الوزراء آنذاك محمد مصدق استعداده لتشجيع العنف ضد خصومه وقام بحشد الإيرانيين ضد الشاه، الأمر الذي أقنع الشاه محمد رضا بهلوي (ووكالة الاستخبارات المركزية) بأنه قد حان وقت أفول الشعبوية ذات النزعة اليسارية. في فترة ما بعد الثورة الإيرانية، تدفق الإيرانيون إلى الشوارع للاحتجاج خلال الأعوام 1999 و2001 و2009 و2018. وبعد كل هذه الاحتجاجات، نجحت القيادة الإيرانية في اجتياز الأمر لتحكم قبضتها من جديد على السلطة.

إن تغيير النظام في إيران أمر ممكن. فمن بين العديد من الانتفاضات التي حدثت هناك، نجحت اثنتان: الثورة الدستورية في الفترة الممتدة ما بين 1906- 1911 والتي قيدت سلطة الشاه المطلقة وأدت إلى تأسيس البرلمان الإيراني، في حين أنهت الثورة الإيرانية لعام 1979 حكم الشاه لصالح جمهورية إيران وصالح الخميني. فما الذي ميز هذين الحدثين النجاحين عن الحركات الجماهيرية الفاشلة في الفترة التي سبقتهما أو تلتهما؟ يمكن القول إن العمل المنظم هو ما ميزهما.

بالنظر إلى الثورة الدستورية، قام الباحث البريطاني إدوارد براون بتأريخ الثورة الدستورية منذ بدايتها. عندما سافر الشاه المستبد عام 1905 إلى روسيا، أُغلق البازار الكبير في طهران – المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد - مدة خمسة أيام. قال حينها براون نقلا عن أحد المراسلين آنذاك إبان ذروة الصراع: "فما الذي يمكن أن يفعله [الشاه] في وجه الإضراب العام وأعمال الشغب؟"، وأضاف براون "لقد كان على الحكومة التنازل آنذاك والاستجابة إلى مطالب الشعب الإيراني".

بعد سبعة عقود من الزمن، شهدت إيران إضرابات عشوائية في جميع أنحائها، وخاصة في حقولها النفطية، الأمر الذي حسم المعركة ضد الشاه. وبالفعل، في الوقت الذي كان فيه الشاه يواجه مصيره عقب الإطاحة به، أقر بأن الغضب الذي شهده بازار طهران والإضرابات التي تلت ذلك ساعدا الثورة على النجاح.

وهذا ما يفسر العداء الذي تكنّه الجمهورية الإيرانية لنقابات العمال. طوال 25 سنة الأولى، نجح النظام في قمعها، ليقوم منصور أوسانلو سنة 2005بتنظيم إضرابات عمال الحافلات الذين استاؤوا من ظروف العمل وانخفاض الأجور. في الوقت الذي نفى فيه النظام وجود أي إضرابات انتظر الملايين في طهران وصول حافلات لم تصل يوما. أدت موجات العنف واعتقال أوسانلو إلى تأجيج الاحتجاجات. بعدها بوقت قصير، استسلم النظام لمطالبهم ليقوم عمال قصب السكر في منطقة خوزستان المنتجة للنفط بتنظيم إضرابات بعد ذلك بفترة وجيزة.

أضاعت إدارة جورج دبليو بوش فرصة دق أول مسمار في نعش النظام الإيراني، لكن لدى ترامب فرصة ثانية. في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2017، خرج الإيرانيون إلى الشوارع للاحتجاج على فساد النظام وسوء الإدارة الاقتصادية. بغض النظر عن العقوبات، فإن الإيرانيين يتساءلون عن مكاسب الصفقة النووية. في حزيران/ يونيو من العام 2018، أضرب بازار طهران الكبير مرة أخرى، وهتف التجار، "لا نريد قائدا أعلى غير كفء.. لا نريده". وندد المعلمون وغيرهم من المتظاهرين بدعم النظام للإرهاب والقيام بمغامرات أجنبية.

يعتري اليوم الشعب الإيراني الغضب والإضرابات متكررة، لكنها قصيرة الأمد والانتشار. السبب الرئيسي في ذلك هو الخوف: فمن ناحية، يسعى الإيرانيون إلى التغيير، لكنهم يخشون من أن يؤدي استمرار الإضرابات أو انتقام الحكومة منهم إلى إفقارهم وتجويع عائلاتهم. يمكن لتمويل الإضراب أن يطمئنهم ويزيل خوفهم؛ ففي الوقت الذي تكلف فيه العقوبات مليارات الدولارات ويكلف العمل العسكري أكثر من ذلك، لن يكلف تمويل الإضرابات سوى بضعة ملايين.

داخل واشنطن، يجب أن تحظى هذه الفكرة بدعم الحزبين: إذ يستطيع الجمهوريون أن يقتدوا بدعم رونالد ريغان لعمال بناء السفن في غدانسك، في الوقت الذي يؤمن فيه الديمقراطيون بجعل دعم العمل دعامة للسياسة. إن موافقة الأوروبيين أمر ضروري بسبب علاقاتهم الدبلوماسية مع إيران. في إحدى المفارقات التاريخية، أيد رضا بهلوي، الذي أطيح بوالده في عام 1979، هذه الفكرة باعتبارها طريقة للقيام بالتغيير دون عنف، ويتفق معه في ذلك الكثير من نشطاء المجتمع المدني.

إن ما يعتبره الإيرانيون عدالة يراه الغرب ضرورة ملحة في الأمن القومي: فكل ريال يدفعه النظام الإيراني للعمال لا يمكن أن يستثمره النظام في صنع الصواريخ أو الإرهاب. لقد زرع أوسانلو بذور التغيير بالفعل؛ وينبغي اليوم على أولئك الذين يمتلكون الوسائل اللازمة دعمها.