السبت 2019/03/16

لا أحد يريد مساعدة الأسد لإعادة إعمار سوريا


بقلم: كريشناديف كالامور

المصدر: الأتلانتيك

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يبدو أن بشار الأسد مرتاح لبقائه في السلطة، لكن أنصاره في موسكو لا يستطيعون دفع تكاليف إعادة الإعمار، وعلى الرغم من قدرة خصومه في الغرب على تمويل هذه العملية إلا أنهم لا يريدون القيام بذلك.

عندما بدأت الحرب السورية، في آذار/ مارس من عام 2011، بدا من الممكن الإطاحة ببشار الأسد، حاله في ذلك حال حكام آخرين سقطوا خلال الربيع العربي. لكن وبعد ثماني سنوات من الحرب، لا يزال الأسد على رأس السلطة في بلد مدمر ومحطم. ويبقى السؤال المهم اليوم: من الذي سيقوم بتمويل إعادة إعمار البلاد؟

إن تكلفة إعادة الإعمار ضخمة؛ فقد قدّرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 250 مليار دولار (أي ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل الحرب، أو ما يعادل حجم الاقتصاد المصري اليوم).

تريد روسيا، التي يُعد دعمها العسكري ضروريا لبقاء نظام الأسد، من الدول الغربية أن تساهم في إعادة الإعمار بالنظر إلى القيود الاقتصادية المفروضة عليها. ومع ذلك، فقد رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشدة المشاركة في إعادة إعمار سوريا في ظل مسار سياسي فعّال. أخبرتني المتحدثة باسم السفارة الفرنسية مؤخرا أنه "لن يكون هناك إعادة إعمار دون انتقال سياسي". وكانت نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سابقا، اعتبرت الخريف الماضي أن إلحاح روسيا للحصول على الدعم الغربي أمر "عبثي". الأمر يجعل نحو 18 مليون شخص، ثلثهم من اللاجئين، في مواجهة مستقبل غامض في بلد أصبح حاله الآن أسوأ بكثير مما كان عليه عندما بدأ الصراع. لا تزال إعادة الإعمار ضرورية على الرغم من اعتزام دونالد ترامب سحب معظم القوات الأمريكية، الأمر الذي يشير إلى عدم رغبة واشنطن في المشاركة في سوريا.

من الناحية النظرية، يمكن أن تؤدي جهود إعادة الإعمار الناجحة بالملايين من النازحين السوريين إلى العودة لديارهم. (بالطبع، ستظل مشكلة الأمن قائمة داخل سوريا). لكن طالما بقيت أجزاء من البلاد غير صالحة للعيش فيها، فإن أزمة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية قد تتفاقم، الأمر الذي من شأنه أن يعرض أجيالا أخرى من السوريين للعيش داخل مخيمات اللاجئين تحت رحمة البلدان المضيفة في أغلب الأحيان.

روسيا، التي تدخلت في الحرب السورية عام 2015، تحرص اليوم على الحفاظ على نفوذها الإقليمي الجديد، على الرغم من عدم قدرتها على تحمل تكاليف إعادة الإعمار. فالاقتصاد الروسي في حالة يرثى لها، بسبب العقوبات المفروضة عليها عقب غزوها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014 وتدخلها في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، أو بسبب تزايد التهديدات باتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية بشأن استيلائها على السفن الأوكرانية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بالقرب من مضيق كيرتش ببحر آزوف، على المياه الإقليمية المشتركة بين البلدين بموجب معاهدة عام 2003؛ هذا بالإضافة إلى الانخفاض الذي تعرفه أسعار النفط. حاولت موسكو جاهدة الدفع بالمجتمع الدولي إلى المشاركة في تمويل إعادة إعمار سوريا لكن جهودها باءت بالفشل.

جعلت الولايات المتحدة وأوروبا من القيام بإصلاحات والانتقال السياسي شروطا مسبقة لأي دور لهما في إعادة إعمار سوريا. كما إنهم يراهنون على حقيقة أن الداعمين الرئيسيين للأسد، سواء في الداخل أو الخارج سيدركون في نهاية المطاف أن الدعم المستمر له سيُبقي على القيود المفروضة عليهم.

صرح أحد الدبلوماسيين الغربيين مؤخرا لصحيفة "أتلانتيك" بالقول: "الأسد عقبة رئيسية أمام إعادة إعمار سوريا، وفي نهاية المطاف سيدرك رجال الأعمال العلويون وأولئك الذين يدعمون النظام من الخارج أنه عبء سيثقل كاهلهم مع مرور الوقت".  وأضاف الدبلوماسي، "لقد قيل لي إن ميزانية الاستثمار كانت قبل الحرب تقدر بنحو 60 مليار دولار، وفي العام الماضي أصبحت 300 مليون دولار، وقد تم إنفاق نحو 20 ٪ منها فقط. فهم لا يملكون المال فقط، بل ليس لديهم القدرة الإدارية أو الصفة السياسية لبناء البلد". ضغط الغرب لسنوات على روسيا لإجبار الأسد على القيام بتنازلات.

في مقابلة حديثة لي معها، تقول منى يعقوبيان، (خبيرة مختصة في الشؤون السورية بالمعهد الأمريكي للسلام): "إن السؤال الحقيقي هو: ما حجم النفوذ الذي يملكه الروس لإجبار دمشق على القيام بإصلاحات حقيقية لإضفاء طابع اللامركزية على السلطة إلى حد ما؟" مضيفة:" ليس من الواضح على الإطلاق إذا ما كان لدى روسيا هذا النوع من النفوذ".

من المفارقات العجيبة أن التركيز على إعادة الإعمار هو اعتراف ضمني بأن الأسد باقٍ في السلطة ولن يبرح مكانه. لا يدفع دعم روسيا وإيران المستمر للأسد، والانسحاب الأمريكي من سوريا، بالإضافة إلى إعادة ربط دمشق علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول العربية، بالأسد إلى تقديم تنازلات سياسية. لكن على الرغم من ذلك كله، فإن الأسد في مأزق. لا يستطيع أنصاره دفع تكاليف إعادة الإعمار؛ في الوقت الذي يمكن فيه لخصومه بالغرب القيام بذلك، لكنهم يرفضون.

بالنسبة لإيران، الداعم الرئيسي للأسد، فهي تعاني من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وليس لديها الكثير لتقدمه.

غير أن هناك الكثير لإعادة إعماره وبنائه. فقد نزح نحو 11 مليون شخص فقد معظمهم منازلهم. أدى القتال إلى تدمير قنوات المياه والمرافق الصحية وشبكات الكهرباء في المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار في السابق. كما هدمت وجرفت أعداد كبيرة من المدارس والمستشفيات ودمرت مدن كاملة عن بكرة أبيها في المناطق الحضرية كالرقة. أما بالنسبة للأرياف، فلم تعد قنوات الري تعمل، كما تم تدمير جميع مخازن الحبوب.

في حديث لي مع ميد فيرغسون، نائبة مدير شؤون سوريا في منظمة "ميرسي كوربس" الإغاثية، (تتخذ من شمال شرق سوريا مقرا لها)، الشهر الماضي: "إن البنية التحتية في شمال سوريا في حالة فوضى" مضيفة: " إنهم بحاجة لكل شيء".

يضع هذا الوضع الغرب في مأزق. فهو من ناحية، لا يريد أن يكافئ الأسد بإعادة بناء سوريا وتعزيز قبضته على السلطة. ومن ناحية أخرى، لا يريد تجاهل الاحتياجات الإنسانية للسوريين والتي ستزيد من سوء الوضع في ظل غياب منح أموال ضخمة.

(يوم الخميس الماضي، تعهد المانحون الدوليون برصد نحو 7 مليار دولار، بما في ذلك منح 397 مليون دولار من الولايات المتحدة، للمدنيين المتضررين من النزاع. إلا أن الرقم الإجمالي لا يلبي الاحتياجات الضرورية للسوريين حسب وصف الاتحاد الأوروبي).

يقول مسؤولو النظام إنهم يرحبون بالاستثمارات فقط من "الدول الصديقة" التي دعمت النظام خلال النزاع، الأمر الذي يجعل أعداد المرشحين ضئيلة: إلا من بعض الجيران من العرب، الذين قطعوا علاقاتهم بالأسد بسبب الصراع، ليقوموا بالتطبيع معه فيما بعد، لكنهم مترددون أيضا بشأن المساهمة بمليارات الدولارات في عملية يمكن أن تعزز من نفوذ إيران بالمنطقة في نهاية المطاف.

تعمل تركيا، وهي قوة اقتصادية إقليمية، على إعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها، ولديها طموحات خارج هذه المناطق أيضا.

يريد نظام الأسد من الصين، الفاعل الرئيسي في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، أن تشارك في بناء سوريا. لكن كي تشارك أي من هذه الدول، يجب تحقيق الاستقرار في سوريا أولا. الأمر الذي يبدو بعيد المنال.

توسع نطاق الحرب السورية اليوم ليشمل كلا من إسرائيل وتركيا وإيران والأكراد. كما إن الانسحاب الأمريكي الذي تم الإعلان عنه يزيد من حالة عدم اليقين التي تشهدها الحرب في سوريا. وزادت الأزمة الاقتصادية من سوء الأوضاع شأنها في ذلك شأن المؤشرات البشرية كمتوسط ​​الأعمار.

لا تزال الحريات السياسية، التي أدى انتهاكها إلى إشعال فتيل الاحتجاجات ضد النظام، غير موجودة. كما لا يزال تنظيم الدولة يشكل تهديدا، ولو فقد جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها في السابق. إن الطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية إعادة الإعمار في سوريا لن يؤدي إلا إلى المزيد من التصدع والاضطراب.

في حديث لي مع نيكولاس هيراس، خبير الشؤون السورية في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو مركز أبحاث يتخذ من واشنطن مقرا له، يقول: "على المجتمع الدولي أن يقبل بفوز الأسد في الحرب والبدء في إعادة الإعمار من هذا الإطار، أو سيتعين عليه العيش مع خطر عدم الاستقرار وثغرات الحوكمة في مناطق واسعة من الشرق الأوسط."