الأحد 2018/03/11

كيف يمكن للطائفية أن تساعد على فهم الحرب السورية ؟

بقلم: هاشم أوسيران

المصدر: سوريا بعمق

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لا يمكن اعتبار الحرب السورية حرباً طائفية كما يعتقد الكثيرون. إلا أنه بحسَب فابريس بالونش، من معهد هووفر بجامعة ستانفورد، يمكن لدراسة الاتجاهات والديناميكيات الطائفية بسوريا أن تضيء بعض الجوانب التي تم تجاهلها في الحرب.

غالبا ما يتم اعتبار الحرب السورية صراعاً طائفياً بين الغالبية السنّية والأقلية العلوية الحاكمة، على الرغم من أن الطائفية لا تشكل سوى عنصر واحد في صراع تعددت أسبابه، تشكّل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الجزء الأكبر منه وفقاً لفابريس بالونش.

ومع ذلك، فإن فهم الصراع من خلال أبعاده الاجتماعية والاقتصادية فقط، من شأنه أن يغطّي على اتجاهات مهمة لا يمكن فهمها بالكامل إلا من خلال تقييم الديناميكيات الطائفية. وذلك من خلال تحديد مناطق الاحتجاجات الأولى، وربطها بمدى قدرة نظام الأسد على حشد الأقليات وكذا معرفة الحدود الجغرافية للمقاومة ضد بشار الأسد حسب رأي بالونش.

أجرى موقع "سوريا في العمق" مقابلة مع بالونش، الذي قام مؤخراً بنشر دراسة جديدة بعنوان "الطائفية في الحرب الأهلية السورية"، تناول فيها حدود الإطار الطائفي، وقدرته على تفسير الحرب، وكيف ساهمت الحرب في تغيير الهويات الطائفية.

السؤال الأول: من خلال التركيز على الديناميكيات الطائفية، هل نتجاهل العوامل الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية التي يمكن أن تساعد أيضا في تفسير جذور وأسباب الحرب السورية؟

فابريس بالونش: الصراع السوري ليس طائفياً فحسب، لا ينبغي أن يُفهم فقط على أنه حرب بين الشيعة والسنة. بل هو أيضا صراع طبَقي بين النخبة الحاكمة الغنية والمجتمعات المُهمَّشة. ولهذا السبب بدأت الاحتجاجات المبكرة في عام 2011  بالمناطق المهمّشة.

والدليل على أن الصراع ليس صراعاً طائفياً بحتاً هو أن الكثير من رجال الأعمال السوريين السنّة عارضوا المظاهرات المبكّرة؛ لاعتقادهم بـأنها تضر بالاقتصاد السوري. فلم يدعم كل السنّة الثورة، بل إن البعض منهم، وخاصة الطبقة البرجوازية، كانت تأمل بأن يقوم الأسد بقمع المعارضة بشكل أقوى. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الحرب السورية ليست نزاعاً طائفياً كما يدَّعي البعض. لكن مسألة الطائفية تساعدنا على النظر إلى الجوانب التي تم تجاهلها عند النظر فقط إلى الجانب الاجتماعي-الاقتصادي الذي شكّل نقطة بداية لهذا الصراع.

السؤال الثاني: ما العوامل التي ستساعدنا على فهم أسباب ودوافع هذه الحرب؟ 

بالونش: هناك شيء واحد يمكن أن تساعدنا الحرب على فهمه، ألا وهو جغرافية المناطق التي انتشرت بها الاحتجاجات الأولى. على سبيل المثال، كانت هناك احتجاجات كبيرة في الأحياء السنّية في درعا، عكس السويداء التي لا تبعد كثيرا عن هذه المدينة، وذلك راجع لوجود الطائفة الدرزية الموالية للنظام بهذه المناطق بشكل عام. لم يكن لديك أي احتجاجات في الأحياء العلوية بحمص أو اللاذقية، حالها حال المناطق ذات الغالبية المسيحية في حلب. بينما كانت المناطق السنّية مرتِعاً للاحتجاجات والتظاهرات.

والأهم من ذلك، يمكن أن تساعدنا على فهم أحد الأسباب التي أدت إلى تعثّر الثورة: إذ كانت الثورة مقتصرة على المجتمع العربي السنّي في سوريا. فمن خلال الإخفاق في دمج مجموعات عرقية طائفية أخرى مثل المسيحيين، والطائفة الدرزية والعلويين والأكراد، دفعت المعارضة هذه المجموعات عن غير قصد إلى حضن النظام.  عبر القيام بذلك فقد أعطت دمشق قدرة أقوى على الحشد والتعبئة، حيث استطاع النظام التواصل مع هذه الأقليات وعرض الحماية عليهم ممن أسماهم "الإرهابيين" أو "الإسلاميين".

السؤال الثالث: حسب رأيك.. هل يمكن اعتبار التيارات الطائفية في سوريا تيارات حديثة نسبياً أم إنها متأصلة على مدى التاري

2-بالونش: الطائفية في سوريا ليست جديدة، تعود جذورها إلى النظام العثماني، ومن هذا المنطلق يمكن القول إنها متأصلة في تاريخ سوريا.

بالنسبة لسوريا يمكن اعتبار الطائفية جزءا لا يتجزأ من البنية السياسية للبلاد. فعلى الرغم من أن نظام الحكم البعثي يعتبر علمانيًا، إلا أن توزيع المهام الإدارية وتوزيع مهام المحافظات غالباً ما يأتي على حساب طوائف دون غيرها. فغالباً ما يتم توزيع المهام والترقيات العسكرية على العلويين على حساب الضباط السنّة. كما إن الزواج بين الديانات المختلفة أو الطوائف المختلفة لم يكن شائعا، إذ يمكن اعتباره أكثر شيوعا في الطبقات الاجتماعية الغنية، لكن ليس بين الطبقات الفقيرة.

السؤال الرابع: هل أدى الصراع إلى تعميق الهوّة بين هذه الهويات الطائفية؟

بالونش: بالطبع، فقد عزز الصراع الهوية الطائفية بين أفراد المجتمع السوري. يمكنك أن ترى ذلك من خلال انتشار المليشيات الطائفية في جميع أنحاء البلاد. نحن هنا لا نتحدث فقط عن المليشيات الشيعية مثل حزب الله والوكلاء الذين تدعمهم إيران فقط، ولكن أيضا المليشيات المسيحية التي تنتشر في أماكن مثل وادي النصارى بين حمص وطرطوس، ومليشيات الإسماعيلية الموجودة في أماكن مثل السلميّة. لم يكن لهذه المليشيات الطائفية وجود قبل الحرب.

علاوة على ذلك، فقد خلق الصراع مزيداً من الأراضي المتجانسة مثل إدلب وحلب، واللتين أصبحتا الآن ذات أغلبية سنية أكثر من ذي قبل. وبسبب انعدام الثقة بين المجتمعات، فإن العديد من المسيحيين والعلويين سيترددون في العودة إلى هذه الأماكن، ما سيؤدي بدوره إلى تعزيز الهوة بين الطوائف.

السؤال الخامس: هل تعتقد أن هذا التغيير من شأنه أن يتحول إلى هيكل جديد للسلطة في سوريا؟

بالونش: يعلم الجميع اليوم أن الإيديولوجيا البعثية ليست أكثر من مجرّد سراب. هناك حاجة لنموذج جديد للحكم في سوريا لأن الدولة ضعيفة وسيكون من الصعب جداً عليها أن تعود كما كانت قبل عام 2011. سيكون على الأسد أن يتقاسم السلطة مع السلطات المحلية والطوائف المختلفة والمجموعات القبَلية. سيكون علينا الانتظار قبل أن نتمكن من القول بشكل قطعي إن هذه التغيرات يمكن أن تتحول إلى هيكل جديد للسلطة. خاصة أنه سيكون من الصعب الاعتراف بالتوزيع الطائفي للسلطة في الدستور السوري. لكن حتى لو لم يتمّ تبنّيها رسمياً، أعتقد أنه سيكون هناك توزيع فعلي للسلطة بين الطوائف المتنافسة.