الجمعة 2019/03/29

كيف يستفيد “نصر الله” من القرار الأمريكي حول الجولان؟


بقلم: مكرم نجم الدين

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


منح اعتراف إدارة دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان حزب الله ومعسكر "المقاومة"، هدية لم تكن في الحسبان، الأمر الذي يشكل انتكاسة لهدف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بعزل حزب الله داخل لبنان خلال الزيارة التي قام بها للبلاد الأسبوع الماضي. رفض حلفاء الولايات المتحدة قرار هذه الأخيرة حول الجولان في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مختلف الطوائف السياسية في لبنان.

قال الرئيس اللبناني ميشال عون لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن حزب الله يحظى بدعم شعبي، في حين قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إن حزب الله "حزب لبناني ممثل في البرلمان والحكومة"، وإن "مقاومته ومقاومة الشعب اللبناني هي نتيجة للاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي اللبنانية."، حتى رئيس الوزراء سعد الحريري، المنافس الدائم لحزب الله في السياسة اللبنانية، لم يكن رده إيجابيا حول فكرة بومبيو، وأصر على أن البلاد تواجه وضعا اقتصاديا صعبا، وأن هناك حاجة ماسة للتواصل مع جميع الفصائل السياسية، بما في ذلك حزب الله؛ للحفاظ على الأمن الوطني، حسب ما جاء على لسان أحد مستشاري الحريري، غطاس خوري، في تعليق وجيز له على صحيفة النهار اللبنانية.

سعى وزير الخارجية جبران باسيل إلى تحقيق توازن دبلوماسي سليم من خلال الملاحظات التي أبداها أثناء زيارة بومبيو، قائلا إن "حزب الله حزب سياسي"، ويتم "انتخاب ممثليه من قبل الشعب اللبناني"، مؤكدا بالقول "وعلى هذا النحو لا نريد أن تتأثر علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية أو تتأثر بها، ونريد العمل معا لحل كل هذه القضايا، بما في ذلك قضية حزب الله ... ".

والواقع أن قرار ترامب بشأن الجولان قد قدم خدمة كبيرة لكل من إيران وحزب الله، حيث أعطاهم ذريعة قوية للاستمرار في تعزيز نفوذهم جنوب سوريا، وخاصة على الحدود مع إسرائيل.

وصف حسن نصر الله الخطوة الأمريكية، في خطاب ألقاه في 26 آذار/ مارس الحالي، بأنها حدث حاسم وبالغ الأهمية في الصراع العربي الإسرائيلي، مشيرا إلى أن "الإدانة لم تعد كافية"، ومؤكدا أن الطريقة الوحيدة لاستعادة الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية المحتلة من إسرائيل هي عن طريق المقاومة. كما أشار نصر الله إلى أن الهدف الحقيقي لزيارة بومبيو هو تحريض اللبنانيين ضد بعضهم، وقال إن واشنطن تسعى إلى إشعال حرب أهلية في لبنان، مضيفا أن مشكلة بومبيو مع حزب الله تكمن في كون هذا الأخير كان من بين الذين قاتلوا وأطاحوا بالمشروع الأمريكي في سوريا. مضيفا أن حزب الله يقف عقبة أمام خطة السلام المقبلة للولايات المتحدة، والتي يشار إليها في الكثير من الأحيان في وسائل الإعلام العربية باسم "صفقة القرن". وحذر قائلا: "الولايات المتحدة لا تهتم بمصالح لبنان أو مصلحة حزب لبناني معين. إن اهتمامها الوحيد هو إسرائيل، وأي رهان يوضع على الولايات المتحدة هو رهان خاسر".

قال نصر الله إن الخطاب القوي الذي استخدمه بومبيو ضد حزب الله خلال زيارته لبيروت مصدر فخر للحزب الذي لطالما وصفته واشنطن بأنه "منظمة إرهابية".

قال نصر الله في خطاب متلفز خصصه للرد على زيارة المسؤول الأمريكي، "يسعدنا أن يعتبر بومبيو أن "حزب الله" هو عقدته. هذا لا يخيفنا، بل يجعلنا سعداء. يسعدنا أن تكون إدارة ترامب غاضبة منا. فنحن نعتبر الإدارة الأمريكية الشيطان الأكبر، ورضا الشيطان الأكبر عنا دليل على أن هناك مشكلة في موقفنا، وقد عززت تصريحات بومبيو عن حزب الله إيماننا بأننا في الموقف الصحيح ".

بالنسبة لحسن نصر الله، فإن هذه طريقة أخرى للقول بأنه كان على صواب في تحدي السياسات الأمريكية في المنطقة.

فالرسالة هنا ليست موجهة لحلفاء واشنطن بقدر ما هي موجهة للشارع العربي، الذي يتلقى مرة أخرى رسالة من إدارة ترامب مفادها أن الولايات المتحدة تنسحب من دورها كوسيط سلام وتضع نفسها على الجانب الآخر من القرارات الدولية.

هذه هي الرسالة الثانية من نوعها التي تبعث بها واشنطن خلال أقل من عامين، بعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2017. اعتبر العالم العربي هذا القرار بمثابة نهاية لمشروع حل الدولتين، في حين أن قرار الجولان هو إعلان نهائي بأن عملية السلام التي يمكن أن تؤدي إلى حل الدولتين قد انتهت بالفعل.

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض عام 2016، كان مصطلح "صفقة القرن" من أكثر القضايا إثارة للجدل في العالم العربي. وضعت القرارات المتعلقة بالقدس ومرتفعات الجولان حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة في موقف حرج، في الوقت الذي يتساءل فيه المواطنون العرب والمسلمون عن الجدوى من حكومات تدعم "خطة سلام" تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة.

قد تضطر بعض العواصم العربية، التي اعترضت على قرارات الولايات المتحدة بشأن القدس والجولان، إلى إعادة النظر في موقفها من خطة السلام المقبلة. على نقيض ذلك، فإن موقف حزب الله وإيران، الذي يتجلى في معارضة جميع المبادرات الأمريكية، له ميزة واضحة كونه يتفق مع الرأي العام.

كان قرار الجولان جزءا من المناقشات التي دارت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره اللبناني ميشال عون خلال اجتماعهما في موسكو في 26 آذار/ مارس الحالي.

رحب بوتين بعون باعتباره "شريكا تقليديا منذ فترة طويلة" في المنطقة و "ممثلا للمجتمع المسيحي". شكر عون بدوره بوتين لـ "دفاعه عن الأقليات المسيحية في المشرق"، معربا عن أسفه لقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، مضيفا أن "هذا القرار هو مصدر قلق بالغ بالنسبة للبلدان التي تقع بالقرب من إسرائيل ونأمل أن يتم التوصل إلى تسوية لهذه المشكلة في المستقبل القريب".