الأثنين 2018/12/31

كيف ترى إيران سوريا في فترة ما بعد الوجود الأميركي؟


بقلم: حميد رضى عزيزي

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أثار قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ، في 19 كانون الأول / ديسمبر الحالي، القاضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا ردود فعل مختلفة، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. وقد أعربت فرنسا وبريطانيا حليفتا الولايات المتحدة عن استيائهما من هذه الخطوة، مؤكدتين أن المهمة الغربية في سوريا لم يتم تحقيقها بعد. في حين رحّبت كل من روسيا وتركيا، بوصفهما داعمتين لعملية أستانا، بالقرار، واعتبرتاه خطوة إيجابية نحو الحل في سوريا. في الوقت نفسه، فسّر المشرّعون الأمريكيون من كلا الحزبين أن من شأن هذه الخطوة أن تعزّز من النفوذ الإيراني والروسي داخل سوريا.

في هذه الأثناء، لم تُدلِ إيران بأيّ تصريح بخصوص القرار الأمريكي، واكتفت بمراقبة ما يحدث على الساحة السياسية من تطورات. جاء التصريح الرسمي الأول لإيران بعد ثلاثة أيام من القرار الأمريكي، في 22 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، عندما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: "منذ البداية، كان دخول القوات الأمريكية ووجودها في المنطقة خطأ ... وسببا رئيسيا في عدم الاستقرار وانعدام الأمن". لكنه لم يصل إلى حد شرح رؤية طهران لتداعيات الخطوة الأمريكية على الساحة السياسية والعسكرية في سوريا. بدلاً من ذلك، أعاد التأكيد على وجهة نظر إيران تجاه الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.

في محاولة لشرح الحذر التي تتخذه طهران منهجا لها، يمكن القول إن إيران ليست متأكدة إذا كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى أي تغييرات في الاستراتيجية الأمريكية الرامية للحد من الأنشطة الإيرانية في المنطقة، بما في ذلك في سوريا. بعد يوم واحد فقط من قرار ترامب، قال رودني هانتر، المنسّق السياسي للبعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، لمجلس الأمن الدولي، "إن واشنطن "ستقوم بكل ما في وسعها للضغط من أجل الدفع بالقوات الإيرانية إلى الانسحاب من سوريا". يعُدُّ المسؤولون الإيرانيون هذا البيان مجرد إعادة صياغة لما قاله الممثل الأمريكي الخاص لشؤون سوريا جيمس جيفري في 15 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، الذي جاء فيه بأن إجبار إيران على الخروج من سوريا ليس هدفاً عسكرياً للولايات المتحدة، بل هو نتيجة عملية سياسية.

بالنظر إلى استمرار هذا العنصر في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، كانت إيران مشغولة بالحفاظ على مصالحها في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية. على المستوى السياسي، كانت هناك جهود إيرانية متزايدة بخصوص عملية أستانا للإسراع بتشكيل لجنة دستورية سوريّة، كما جاء في الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في مدينة سوتشي في كانون الثاني/ يناير الماضي. كما زار حسين جابري أنصاري، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني دمشق في 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لإجراء محادثات مع كبار مسؤولي النظام بما في ذلك الأسد. جاءت زيارة "جابري" هذه قبل يوم واحد من اجتماع وزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا في جنيف، الذين توصلوا إلى اتفاق بشأن تشكيل اللجنة الدستورية، وتحديد  موعد أول اجتماع للّجنة في وقت مبكر من عام 2019.

كان لاجتماع جنيف أهمية خاصة. فقبل ثلاثة أسابيع فقط، في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، انتقد جيفري طهران وموسكو وأنقرة لأنها فشلت في تشكيل اللجنة الدستورية، داعيا إلى إلغاء عملية أستانا. وقال جيفري حينها: "ترى الولايات المتحدة أنه من الضرورة إلغاء عملية أستانا"، مشيرا إلى أن محادثات جنيف التي تقودها الأمم المتحدة يجب أن تحلَّ محلَّها. على هذا النحو، يمكن القول إن لقاء جابري مع الأسد كان يهدف إلى إقناعه بإظهار مزيد من التعاون وتشكيل اللجنة الدستورية، أو حتى الموافقة على تقديم بعض التنازلات في هذا الصدد، وإفشال محاولات الولايات المتحدة الرامية إلى إضعاف عملية أستانا، وبالتالي تقزيم دور إيران في العملية السياسية السورية.

وفي الوقت نفسه، لم تردّ إيران حتى الآن على التهديدات المستمرة من جانب تركيا بشن عملية عسكرية ضد الجماعات الكردية المسلحة الموجودة شرق سوريا. تعدُّ تركيا المليشيات الكردية، التي تشكل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، الحليف الرئيسي لواشنطن في محاربة تنظيم الدولة في سوريا، منظماتٍ إرهابية.  في الوقت الذي لم تُدلِ إيران بهذا علناً، إلا أنها كانت قلقة من أن تشكّل العلاقات الوثيقة التي تربط المليشيات الكردية بواشنطن خطراً على وحدة أراضي سوريا. دعمت طهران التوصل إلى حل وسط بين قوات الأسد والمليشيات الكردية، ما يسمح بأن تستعيد دمشق السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الكردية شرق نهر الفرات.

يبدو أن طهران وبعد فشل الأكراد والنظام في التوصل إلى حل وسط، تعتمد على أنقرة للضغط على الأكراد. ترى طهران أن التهديدات التركية بالتدخل عسكرياً ستدفع بالمليشيات الكردية إلى التوصل إلى حل مع نظام الأسد. وفي حال لم يحدث ذلك سوف تمضي قُدُماً في خيارها العسكري، الأمر الذي سيكلّف الولايات المتحدة أهم عناصرها داخل سوريا. بما أن الانسحاب الأمريكي سيجعل الأكراد في مرمى النيران التركية الوشيكة، يبدو السيناريو الأول أكثر ترجيحاً.

وفقاً لعدة تقارير، تعمل كل من إيران وروسيا ونظام الأسد إلى جانب العراق على تطوير تعاونها في إطار مركز قيادة مشترك. وهذا يعني أن إيران تحاول الحفاظ على مصالحها على الأرض لضمان استمرار وجود خط بري يربط بين العراق وسوريا في ظل التطورات على الساحة كعودة تنظيم الدولة إلى المناطق الواقعة شرق سوريا نتيجة للانسحاب الأمريكي. لذلك، يمكن القول إن إيران لا تعتبر قرار ترامب نصراً كلّياً لها، حيث إنها تحاول في الواقع توسيع فضائها للمناورة في سوريا، حتى لا تتأثر بعواقب الانسحاب الأمريكي.