الثلاثاء 2019/02/05

فورين بوليسي: هل ستبقى سوريا عنواناً للعار العربي؟

بقلم: نواف عبيد

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لقد أظهر العديد من الحكام العرب فسادهم الأخلاقي من خلال إعادة ربط علاقاتهم مع سوريا وتطبيعهم مع مجرم حرب.

في آذار/ مارس القادم، ستقوم لجنة العدالة والمساءلة الدولية -وهي منظمة غير ربحية تكرس جهودها من أجل إجراء تحقيقات جنائية أثناء الحروب، في ظل انعدام إرادة سياسية أو انعدام القدرة على إشراك هيئات تحقيق عامة- بإكمال تحقيقها النهائي الشامل في جرائم الحرب التي ارتكبها الدكتاتور السوري بشار الأسد.

يستند تحقيق لجنة العدالة والمساءلة الدولية على أكثر من 800 ألف دليل رسمي ضد أجهزة الاستخبارات وأجهزة الأمن الرئيسية في سوريا، والتي حصلت عليها اللجنة من خلال عملها مع مجموعات حقوق الإنسان التي تتواجد داخل سوريا. وكانت هذه الوكالات مسؤولة عن مذابح ارتكبت بحق أكثر من نصف مليون خلال العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها قوات الأسد وحلفائها الأجانب، وأبرزهم روسيا وإيران. بمجرد الانتهاء من التحقيق، ستكون لجنة العدالة والمساءلة الدولية جاهزة لتقديم 10 قضايا قانونية ضد الأسد ونظامه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية (وستة قضايا أخرى ضد تنظيم الدولة).

على الرغم من جرائم الحرب المروعة التي ارتكبها النظام، فقد تم الإعلان مؤخرا أن مجموعة من الدول العربية بدأت بتطبيع علاقاتها مع دمشق.

بعد قطع علاقاتها مع النظام عام 2011، عندما أصبحت عمليات القتل الجماعي والقمع هي السمة الرئيسية للحرب السورية. أعلنت كل من البحرين والإمارات أواخر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2018 أن سفارتهما قد أعيد فتحهما في دمشق. ومن المقرر أيضا استئناف الرحلات الجوية بين البلدين وسوريا قريبا. كما أعربت كل من مصر والعراق وتونس، باعتبارها "مهداً للديموقراطية"، عن دعمها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

كما زار الرئيس السوداني عمر البشير - الذي يتُهم هو الآخر بارتكابه جرائم حرب ويواجه حاليا احتجاجات جماهيرية في الداخل - دمشق مؤخرا، واستقبله مجرم حرب آخر في المطار ليتوجه بعدها إلى القصر الرئاسي. بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا) التابعة للنظام، فقد ركزت المحادثات على إعادة العلاقة بين البلدين "إلى ما كانت عليه قبل الحرب في سوريا". أما بالنسبة للسعودية، فلا يمكنها إعادة ربط علاقات جديدة مع الأسد ونظامه بعد الفظائع التي ارتكبها وذلك بسبب العلاقات التاريخية والدينية والقبلية التي تربط الرياض بغالبية الشعب السوري.

إن المقاربة العربية لسوريا وإعادة إحياء العلاقات مع الأسد تجسد عدم الكفاءة والفساد الأخلاقي الذي يميز العديد من حكام المنطقة الحاليين.

إن السبب الرئيسي وراء هذا الاعتلال هو وجود خلل في البوصلة الأخلاقية التي طالما قادت العرب إلى الانحراف. تعطي المقارنة بين الاستجابات الأوروبية والعربية لجرائم الحرب درساً واضحاً. بعد ملاحقة مجرمي الحرب راتكو ملاديتش ورادوفان كاراديتش بعد الحرب الأهلية اليوغسلافية، قام الأوروبيون بالقبض على جزاري البوسنة وصربيا وترحيلهما، ومحاكمتهما في محكمة العدل الدولية بلاهاي لارتكابهما جرائم ضد الإنسانية عبر ذبح مسيحيي كرواتيا ومسلمي البوسنة، وسجنهم مدى الحياة.  كيف يرد العرب على إبادة إخوانهم العرب في عقر دارهم؟ يتباهى جزار السودان وسوريا، البشير والأسد، أمام الكاميرات على مرأى منهم دون أن يحركوا ساكنا.

بقدر ما هو أمر مُخزٍ ومعيب، فقد قام القادة العرب بتبرير هذه الأفعال من منطلق أن التعامل بلطف مع الأسد سيبعده عن إيران ويساعد في الحد من نفوذها في المنطقة. تبحث الدول العربية، بالطبع، عن أي طريقة ممكنة لبناء جدار بين إيران والعالم العربي ومواجهة سياسات طهران المستمرة لزعزعة الاستقرار من خلال وكلائها المحليين.  فقد عاثت المليشيات والإرهابيون الذين تدعمهم إيران فسادا في كل من سوريا والبحرين واليمن والعراق ولبنان، وأماكن أخرى لعقود، وأصبحت هذه الأخيرة المحور الأساسي لمحاربة الإرهاب في الدول العربية، وخاصة مع اقتراب هزيمة تنظيم الدولة والقاعدة بشكل كامل.

مع ذلك، فإن تجربة لبنان، حيث قامت الدول الغربية ودول الخليج العربية بإنفاق مليارات الدولارات على شكل مساعدات في محاولة غير مجدية لهزيمة إيران، أثبتت أن مثل هذا النهج لم ولن ينجح. في أعقاب الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، ركزت المقاربة الأمريكية والعربية والأوروبية على بناء جيش لبناني، يتفوق على حزب الله ويتسبب في تفكيكه، لكن حدث العكس. فقد أصبح حزب الله أقوى من قبل، كما أصبح الجيش اللبناني ينسّق بشكل أساسي جميع عملياته مع هذه المنظمة الإرهابية، الأمر الذي زاد من نفوذ إيران داخل لبنان.

إن هذا المستنقع ما هو إلا تجسيد لأسطورة تقرير كامبل بنرمان. لعقود من الزمان، وضع القادة والمثقفون العرب أراضيهم وشعوبهم تحت شبح وهمٍ يعود إلى المؤتمر الإمبراطوري لعام 1907 في لندن، ومضيفه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بنرمان. إنها حالة نموذجية لعرب اعتادوا لوم الآخرين على مشاكلهم واعتادوا إيجاد الأعذار لتفادي معالجة المشاكل الأساسية والصعبة.

كما تقول الأسطورة، فقد تم إعداد تقرير حكومي عن الشعب العربي وأراضيهم داخل المملكة البريطانية. إذ يفترض التقرير سيطرة العرب على "أراض واسعة تعج بالموارد"، وأنه إذا "تم توحيد هذه الأمة في دولة واحدة، فسيصبح مصير العالم بين يديها، "كما أوصى بالعديد من الإجراءات التصحيحية لهذه الورطة: تعزيز الانقسام في المنطقة، وإنشاء" كيانات سياسية تكون تحت سلطة الدول الإمبريالية "، ومحاربة جميع أنواع الوحدة، وإنشاء" دولة حاجزة ... في فلسطين، يستوطنها وجود قوي وأجنبي مُعاد لجيرانه مساند للدول الأوروبية ومصالحها".

إلا أن العلماء يعرفون الآن، بفضل عمل خبير جامعة أكسفورد في الشرق الأوسط يوجين روغان، أن تقرير كامبل بنرمان لا وجود له.

ومع ذلك، فإن القادة العرب، الذين غالبا ما يفتقرون إلى القدرة على تمييز الواقع من الخيال، عاشوا تحت ظل هذه الرواية قرابة قرن. يبدو أنهم يستثمرون بعمق أكثر من أي وقت مضى في تطبيق أجندات قديمة مزورة: الشعب العربي مقسم، والجامعة العربية عبارة عن صدفة فارغة، والدول العربية إما تهدد أو تقاتل بعضها.

وما زال الكثيرون يلومون - دون وعي - ذلك الإمبريالي كامبل بنرمان، والأشخاص الذين أتوا من بعد، مثل اللورد كرزون والمفوض السامي هنري مكماهون، لدورهم في تقسيم العالم العربي وإضعافه إبان الحماية البريطانية.

هذا، بالطبع، جزء بسيط من مشكلة أكبر. يُظهر فحص سريع للواقع أن غالبية الدول العربية لا تسعى لتحقيق أهداف واضحة بل تسعى إلى نهج الطرق التي لا تستدعي إظهار معارضة، بغض النظر عن سمعته أو فعاليته. كما إن هناك غيابا تاما لأي نوع من التقدم في المجال الأمني. لطالما فشلت الجهود الرامية إلى توحيد الدول العربية العديدة تحت مظلة دفاعية موحدة، الأمر الذي جعل المنطقة تحت رحمة قوى أجنبية مثل إيران وغيرها من الدول غير العربية. ثم هناك عدم القدرة على مواجهة الفقر والتخلف والتطرف وتحريك عجلة النمو الاقتصادي الذي يسمح للعالم العربي بالمنافسة في السوق العالمية بأكثر من مجرد الموارد الطبيعية والسياحة.

بدلا من العيش في الماضي، يجب على العرب قبول الحاضر. يجب عليهم تسوية خلافاتهم حتى يتمكنوا من إنشاء مجتمع ثابت قادر على العمل بشكل موحد.

يجب أن تعمل الدول العربية على تحسين اقتصاداتها وعلاقاتها. وبمجرد تحقيق الوحدة والازدهار في الوسط العربي، يمكن للعالم العربي أن يبدأ في التوحد بشكل صحيح لدرء تهديدات الدول الإمبريالية.

لسنوات عديدة، قيل إن وجود إسرائيل هو السبب وراء ضعف الدول العربية. فكان العذر المثالي لتجنب القيام بالإصلاحات الضرورية لتصبح الدول العربية حديثة وقوية وموحدة، قادرة على طرد القوى الأجنبية ومحاسبة الأنظمة المستبدة. ومع ذلك، فإن أسطورة تقرير كامبل بنرمان تُظهر أن المشكلة أقدم بكثير من إسرائيل: لقد آمن العرب بوجود متآمرين ضدهم، الأمر الذي يجردهم من أية مسؤولية ويلقي باللوم على غيرهم. وكانت النتيجة عدم قدرتهم على بناء عالم خاص بهم.

لقد ارتُكبت جرائم فظيعة في سوريا، وما لم يستيقظ العالم العربي من كابوسه التاريخي الطويل ويحشد الإرادة لمقاضاة مرتكبي هذه الجرائم في المحاكم الإقليمية والدولية، سيزيد هذا الأمر من حدة العجز والانقسام والتي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بحدوثها مثل كامبل بنرمان.