الأربعاء 2018/08/08

فورين بوليسي: موقف السعودية ضعيف جدا أمام كندا

بقلم: ستيفان كوك

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

 

افتعلت السعودية أزمة مع كندا لأنها لا ترغب في الاعتراف بإخفاقاتها.

مثل معظم البلدان، لدى كندا مساوئها.

كالطريقة المرعبة التي تعامل بها الكنديون مع من يسمونهم اليوم الأمم الأولى، على الرغم من أنهم اعتذروا مؤخراً واعترفوا بما اقترفوه بحق هذه الأمم وبمسؤوليتهم عن تدمير ثقافاتها بشكل كلي.

فحتى عندما يغضب الكنديون فهم يميلون إلى التعامل بكل تهذيب.

ما سبب هذا الحنق السعودي؟

لماذا قاموا بطرد السفير الكندي من بلادهم، وأوقفوا الرحلات السعودية إلى تورنتو (التي تحتوي على واحد من أجمل المطارات)، وأخبروا ما بين ٧ آلاف إلى ١٦ ألف طالب سعودي يدرسون بجامعات كندية أنهم لا يستطيعون العودة إلى كندا لاستئناف دراستهم في غضون الأسابيع القليلة القادمة؟

كل هذا حدث بسبب تغريدة، على وجه التحديد، قامت وزارة الخارجية الكندية بالتغريد في يوم الجمعة الماضي وجاء في نص التغريدة التالي: "تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الإضافية للمجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، بما في ذلك سمر بدوي.

نحث السلطات السعودية على الإفراج عنهم فوراً وجميع الناشطين المسالمين الآخرين في مجال حقوق الإنسان".

هذا ما حدث، فلم تقم الحكومة الكندية بفرض عقوبات على السعودية أو الإساءة إلى الإسلام أو التعاون مع الحوثيين في اليمن.

وكما يعرف أي شخص لديه اطلاع على الشؤون الدولية، لطالما قدمت أوتاوا نفسها بشكل علني - في كثير من الأحيان- كمعارض للولايات المتحدة، وكصوت قوي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

بقي الوضع على ما هو عليه مع الحكومات التي يقودها الحزب الليبرالي وتحت رئاسة جاستين ترودو، كما عبرت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند بلباقة وقوة في دفاعها عن النظام الدولي القائم على القواعد والليبرالية.

وفقاً لنظرائهم السعوديين، فقد قام الدبلوماسيون الكنديون، عبر الإعراب عن قلقهم إزاء محنة النشطاء السلميين في السعودية، بانتهاك سيادة السعودية بشكل صارخ.

يمكن توقع هذا النوع من الرد من مصر، على الرغم من أن القيادة المصرية، التي تكره المجتمع المدني والناشطين ومؤيديهم الدوليين كرها شديدا، لن تقوم بطرد السفير الكندي من بلادها كما لن تقوم بإلغاء المنح الدراسية لآلاف طلاب.

هناك العديد من النظريات لتفسير رد الفعل السعودي على تغريدة كندا. وقد اقترح بعض المحللين أن ما يحدث هو مثال آخر عن السياسة الخارجية السعودية الطائشة تحت حكم ولي العهد محمد بن سلمان.

في حين يرى آخرون أنه تحذير آخر موجه للسعوديين مفاده أن الإصلاحات الوحيدة في السعودية هي تلك التي صاغها ولي العهد، وبأنهم معرضون للخطر إذا ما طالب السعوديون بالمزيد.

كلا التفسيرين معقول، وفي كلتا الحالتين، يؤكد محمد بن سلمان في كل مرة، ما يقوله عنه منتقدوه بأنه متهور وغير ناضج وطاغية.

لدى القادة العرب أسباب وجيهة للرد بشكل سيئ على الناشطين والمنظمات غير الحكومية، حيث يميل المؤيدون الدوليون لهؤلاء الناشطين والمنظمات إلى التغاضي عما يحدث لهم.

لكن إلقاء القيادة السعودية القبض على الأشخاص الذين يعبرون بسلمية عن رؤيتهم تصرف مشين.

ليس مشينا فقط بالمعنى الأخلاقي، بل كمؤشر أساسي عن موقف الحكومة السياسي.

هناك قاعدة عامة تقول إنه إذا كان قائد يقوم باعتقال الأشخاص الذين يختلفون معه، فهذا دليل على أن هذا القائد يدرك جيدا وجود فجوة كبيرة بين ما تقوله الحكومة لمواطنيها حول مدى جودة الحياة في ظل قادتها الخيّرين، وبين الواقع ومعاناة الناس.

لقد كان من الضروري بالنسبة للحكومة السعودية اعتقال النساء السعوديات لأنهن لم يلتزمن الصمت، ومن المحتمل أن تتزايد خطورتهن إذا ما قمن بتعرية زيف الرواية التي تروج لها الحكومة السعودية حول مستقبل السعودية.

إن تبني سياسة الإكراه دليل على القوة الغاشمة والضعف السياسي.

تصبح جميع تصريحات الحكومة السعودية بخصوص "المملكة الجديدة" وكيف تسير البلاد إلى الأمام مع برنامج الإصلاح لولي العهد جوفاء أمام السجون الممتلئة بالمعارضين المسالمين.

من المرجح أن يدعي السعوديون أن جميع التقارير والتحليلات الغربية كاذبة، وأن الأشخاص الذين اعتُقلوا في السعودية كانوا على اتصال مع جهات أجنبية لتقويض استقرار المملكة.

إنه ادعاء مزعج، لأن نص هذا الادعاء مجهز بشكل مسبق حيث تقوم وزارة الخارجية بتلاوته كلما أرادت حكوماتها قمع النشطاء. لا وجود لمؤامرة أجنبية بالطبع، بل إن ما قامت به السعودية رد فعل لانهيار قادتها وخوفًا من أن يكتشف شعبهم عدم قدرتهم على الوفاء بوعودهم.

غالباً ما يشتكي السعوديون ومؤيدوهم من التهم التي توجه لهم في واشنطن. ومن المؤكد أن ولي العهد محمد بن سلمان قد أحضر معه صحفييه خلال الزيارة التي قام بها لكل من نيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس وسيليكون فالي الخريف الماضي.

لكن الأخبار حول تغطية تلك الزيارة كانت سلبية بشكل واضح وجلي لسبب وجيه.

في تشرين الثاني/ نوفمبر عام ٢٠١٧، كانت السعودية وراء استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، والتي تعتبر واحدة من الحلقات الدبلوماسية الغريبة في منطقة الشرق الأوسط، تلتها بعد ذلك الخسائر البشرية (والتي لا تزال أرقامها في ارتفاع مستمر) نتيجة للتدخل العسكري السعودي في اليمن.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن الحصار الذي تقوده السعودية على قطر قد أصبح إجراء لا طائل منه.

ومع ذلك، فقد تجاهلت التغطيات الإعلامية التي طالت السعودية التعقيدات والمناطق الرمادية لما يجري في اليمن. لقد كانت الحرب في اليمن خطأ غبيا، ولكن نادرا ما يتم التطرق إلى وحشية الحوثيين.

بغض النظر عن منحى الحرب الكلامية التي تدور بين كل من السعودية وكندا، فإن ذلك كله من صنع الرياض وهي تستحقه.

من الصعب معرفة ما يدور في أذهان مسؤولي البلاط الملكي غير الحصول على إشارة من إدارة ترامب، والتباهي "بأن هذه هي المملكة العربية السعودية".

فلا يمكن لقادة السعودية لعب دور "الإصلاحيين"، وإلقاء النشطاء في السجن، ومن ثم الامتعاض عندما يتعرضون للانتقاد.

قرر ولي العهد الدخول في معركة مع البلد الخطأ. ليس لأن كندا قوية، ولكن لأن أوتاوا اتخذت موقفا ثابتا بأن المعارضة السلمية ليست جريمة.

خلال ردهم المبالغ فيه، قرر السعوديون التباهي بحمقهم وضعفهم. بدلًا من الاحتجاج على موقف أوتاوا، على الرياض أن تعتذر عن سلوكها المتهور. لأن هذا ما كان سيفعله الكنديون إذا ما تم تبادل الأدوار.