الأحد 2018/07/01

فورين بوليسي : خطط إعادة إعمار سوريا.. طي النسيان


بقلم: ريس دوبين

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لقد بدأت البرامج الأمريكية والأوروبية الموجهة للمساعدة في إعادة بناء سوريا، بعد القضاء على تنظيم الدولة، في التعثر بسبب نقص التمويل.

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من تجميد البيت الأبيض لـ 200 مليون دولار خُصّصت للمساعدة في إعادة بناء سوريا، يحاول المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون تحقيق الاستقرار شمال البلاد من خلال السعي لسدّ الثغرات التي خلّفها الانسحاب شبه الكامل للمساعدات الأمريكية.

أدى هذا الانسحاب إلى توقّف برامج مهمّة تُعنى بإعادة الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب إلى المنازل وكذا إزالة الألغام من المناطق الحضرية، حيث بدأت شبكات المساعدات المحلية بالتفكك في ظل عدم وجود تمويل للقيام بذلك. كما تحفظّت الدول الأخرى عن تغطية هذا النقص في ظل غياب التمويل الأمريكي.

من خلال كل هذه المعطيات، أصبح من الصعب إنعاش الاقتصاد بالشكل اللازم وإعادة الأمور إلى نصابها في المناطق التي سيطر عليها التنظيم الدولة واستمر فيها القتال لسنوات للقضاء على هذه الجماعة الإرهابية.

قال مسؤول غربي مطّلع على هذه البرامج "مازلنا نحاول العمل من خلال تحديد الأولويات وتحديد البرامج التي يمكن أن تستمر وتلك التي ستتوقف".

تم رصد مبلغ 200 مليون دولار في ميزانية وزارة الخارجية للمساعدة في استعادة الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء ومياه الصالحة للشرب، وإزالة الأنقاض من المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة لسنوات في سوريا.

أصبح البيت الأبيض متورطا بعد أن تعهد وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون بتقديم مساعدات مالية لدعم جهود التحالف الدولي في سوريا ضد تنظيم الدولة في مؤتمر الكويت الذي جرى شباط/ فبراير الماضي.

رفض بعدها الرئيس دونالد ترامب استثمار المزيد من الأموال في سوريا، ممهدا الطريق لتجميدها في شهر آذار/ مارس الماضي. (رصدت بعدها وزارة الخارجية فيما بعد مبلغاً يقدر بـ 6.6 مليون دولار أمريكي لتمويل منظمة الخوذ البيضاء، وهي مجموعة طوارئ تعمل في جميع أنحاء البلاد، في حين بقيت الأموال الأخرى مجمدة).

كان لهذه الخطوة أثر مدمِّر على الجهود الغربية لتخفيف بعض الأضرار التي تعاني منها مدن مثل الرقة، والتي كان القسم الأكبر منها نتيجة للغارات الجوية والقصف المدفعي الذي شنّته قوات التحالف.

 

قبل عدة أشهر، تم وضع البنية التحتية للعديد من مشاريع الإنعاش، بما في ذلك إزالة الأنقاض من المناطق الحضرية، ولكن كان من الصعب الحفاظ عليها دون دعم مالي مخصص لها. كما كانت قد بدأت برنامج إزالة الألغام من المدن التي تم تحريرها مؤخراً، قبل أن تضطر للتوقف مؤقتا بانتظار الحصول على تمويل إضافي من عدة حكومات أوروبية. إن لعدم مشاركة الولايات المتحدة في عملية التمويل تأثيراً كبيراً على المساهمين المحتملين الآخرين.

وقال المسؤول الغربي: "لقد كانت هناك العديد من البرامج لتحقيق الاستقرار في شمال سوريا تحت إدارة أمريكية، حيث تتطلع اليوم دول أخرى للمساهمة فيها لكنهم مترددون للقيام بذلك دون أن تكون الولايات المتحدة في الصدارة".

كما إن التقلبات المالية الناجمة عن تصلّب الموقف الأمريكي جعل من الصعب الحفاظ على شبكات الداعمين والموظفين المحليين في العديد من برامج تحقيق الاستقرار.

يقول نيكولاس هيراس من "مركز الأمن الأمريكي الجديد":  "ثمة عدد من الأشخاص المحليين الذين أبدوا استعدادهم للعمل مع الولايات المتحدة و (قوات سوريا الديمقراطية)، لكن عندما يتم تجميد الأموال، تبدأ هذه الشبكات بالتفكك".

مضيفا .. "أسمي هذه الظاهرة بتناقص التأثير، فعندما يتم حل مشروع ما ليحصل بعدها على التمويل، لن نتمكن من العمل إذا كانت الشبكة مفككة بالفعل".

إن تداعيات تجميد الولايات المتحدة لتلك الأموال ما هي إلا تتويج لأشهر من عدم تكافؤ التنظيم الإداري لفترة ما بعد الحرب. فحتى قبل قرار ترامب بعدم دعم إعادة إعمار سوريا تعرّضت جهود الولايات المتحدة الرامية لدعم الاستقرار في المدن والبلدات لموجة من الانتقادات بسبب بطء الاستجابة لإزاء الدمار الهائل الذي خلّفته الحملة ضد تنظيم الدولة.

وقال فابريس بالانش، وهوعضو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، زار المنطقة هذا العام: "إن سكان الرقة مستاؤون جدا من الوضع الحالي، فقد دُمّر كل شيء ولم يحصلوا على مساعدات"، حيث يرون أن تدخل الولايات المتحدة "في الرقة للقضاء على تنظيم الدولة، دمّر كل شيء، ولم تقم واشنطن بعدها بإعادة بناء شيء يذكر كما إنها لم تقم بتقديم المساعدات".

في ذلك الوقت، كانت القوات الخاصة القوات الأمريكية الوحيدة الموجودة في المنطقة، وهي لم تستطع -بسبب مخاوف أمنية- الاجتماع بالمجالس المحلية إلا نادراً.  فقد أدى الغياب الأمريكي، وخاصة غياب مسؤولين يمكنهم التعامل مع هذا النزيف المالي إلى ضعف الاستجابة الأمريكية.

وقال بالانش: " ليس من مهام الجيش فهم الوضع الاجتماعي-الاقتصادي للسكان".  مضيفاً: "إن لم تكن لديك معلومات جيدة على الأرض، يتعذّر على صناع السياسة فهم ما يجري".

بحسب هيراس وبالانش وعدة مسؤولين آخرين مطّلعين على برامج مهدّدة بالفشل، فإن هذا الفشل جاء نتيجة لعدم وجود رؤية واضحة وإدارة فعلية من الإدارة الأميركية حول كيفية إعادة إعمار سوريا. يقول هيراس بهذا الشأن " إذا كان لديك سياسة واضحة ومحددة، يمكن عندها للجهات التنفيذية التابعة للتحالف الدولي والسوريين المحليين تقديم الكثير".