الخميس 2019/05/30

فورين بوليسي: ترامب يدفع بإيران إلى أحضان روسيا

 بقلم: ريز إرليش

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


العقوبات الأمريكية لن تعزل طهران بالضرورة، بل يمكن أن تؤدي إلى تحالفات استراتيجية جديدة.

تسعى روسيا إلى الاستفادة من الخطوات غير المنتظمة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأزمة الأمريكية الإيرانية الأخيرة، لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.

في الوقت الحالي، يوجد بين روسيا وإيران تحالف وثيق، لكن الحفاظ عليه على المدى الطويل قد يكون أمرا صعبا.

أرسلت إدارة ترامب إشارات متناقضة بشأن إيران في الأسابيع الأخيرة.

بدأت الأزمة عندما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في 5 أيار/ مايو الحالي أن واشنطن سترسل مجموعة من حاملات الطائرات إلى الخليج العربي، في حين أعلن مسؤولون في البنتاغون في 10 من أيار/ مايو الحالي نشرهم بطاريات صواريخ باتريوت.

في 19 أيار/ مايو الحالي، بعد أن أطلقت ميليشيا موالية لإيران صاروخا سقط بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، قام ترامب بالتغريد على حسابه في تويتر مهددا بقوله: "إذا أرادت إيران القتال، فستكون هذه هي النهاية الرسمية لها".

بعد خمسة أيام، أعلن ترامب عن خطط لنشر طائرات مقاتلة و1500 جندي في المنطقة، ليبدي بعد ذلك استعداده للتصالح قائلا "في الوقت الحالي، لا أعتقد أن إيران تسعى إلى القتال، وبالتأكيد لا أعتقد أنها تسعى إلى الدخول في قتال معنا"، ثم عبر عن دعمه لعرض رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، في 27 أيار/ مايو الحالي، للتوسط في النزاع، في الوقت الذي شكك فيه مسؤول إيراني كبير في صدق نوايا ترامب.

يرى المسؤولون الروس أنه غالبا ما تلي هذه التهديدات الفوضوية عروض للتفاوض فتؤثر بشكل كبير على سياسة ترامب تجاه إيران عكس سياستهم.

يجمع كل من روسيا وإيران تحالف طويل الأمد، وفقا لما ذكره أليكسي بوشكوف، عضو المجلس الأعلى في المجلس التشريعي الروسي والمقرب من الرئيس فلاديمير بوتين.

قال أليكسي بوشكوف، لصحيفة " فورين بوليسي": من الطبيعي أن تقوم روسيا بالتحالف مع دول تواجه ضغوطا من الحكومة الأمريكية كإيران.

ووصف العلاقات الروسية الإيرانية بأنها "شراكة يمكن أن تتطور لتصبح علاقة استراتيجية".

برزت روسيا كقوة تدخل في المنطقة.

فلدى موسكو مصالح وطنية في الشرق الأوسط وتطالب القوى الأخرى باحترامها.

لذلك فهي تسعى إلى الإبقاء على قنوات النفط والغاز مفتوحة أمام التجارة الروسية، ومحاربة الإسلام السياسي المتطرف حتى لا ينتشر على أراضيها، وحماية قواعدها العسكرية في سوريا.

إذ يمكن رؤية ما المقصود "بالمصالح الوطنية" على أرض الواقع في سوريا.

في عام 2015، أرسلت روسيا قوات جوية وبرية إلى سوريا، بدعوى محاربة الإرهاب.

ساعدت روسيا وإيران في هزيمة تنظيم الدولة والقاعدة ومجموعات متطرفة أخرى، لكنهم في المقابل شنوا حربا وحشية ضد أي جماعة تعارض بشار الأسد.

يرى البلدان اليوم إمكانية الاستفادة من حقول النفط السورية، التي تسيطر عليها الآن القوات الأمريكية والكردية.

في عام 2017، وقعت سوريا اتفاقية لتوسيع قاعدة بحرية روسية قائمة مسبقاً وإنشاء قاعدة جوية في البلاد.

تسمح هذه الاتفاقية لروسيا باستعمال هذه القواعد لمدة 49 عاما، مع إمكانية تمديدها لمدة 25 عاما أخرى.

لقد أعطت سوريا لروسيا الحصانة من الاختصاص المحلي، الأمر الذي يحظر محاكمة الروس في المحاكم السورية.

تسمح هذه القواعد لروسيا بالتواجد عسكريا بشكل دائم لإظهار القوة في جميع أنحاء المنطقة، كما إنها وسيلة لدعم حلفائها سوريا وإيران.

عززت روسيا من نفوذها الإقليمي من خلال التوقيع على الاتفاق النووي لعام 2015، الذي سمح لإيران بتطوير الطاقة النووية مع السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بعمليات تفتيش مفاجئة لحظر تصنيع الأسلحة النووية.

تمت المصادقة على الاتفاقية بالإجماع من قبل مجلس الأمن، الذي فرض رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.

قبل عام واحد، انسحبت إدارة ترامب بشكل أحادي من الاتفاق.

على الرغم من أن إيران واصلت التزامها بالاتفاق، حسب ما جاء في تقارير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات قاسية أحادية الجانب في آب/ أغسطس من العام 2018 على إيران.

خلال هذا الشهر، أصدرت الحكومة الإيرانية تحذيرا للدول الموقعة الأخرى على الاتفاق، الأوروبية منها على وجه التحديد، وهي: ألمانيا وفرنسا، وبريطانيا وكذلك الاتحاد الأوروبي بأنه إذا لم يتم استئناف المعاملات التجارية والمصرفية لما كانت عليه سابقا وذلك في غضون 60 يوما، ستقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بشكل مكثف، وتخزينه وتخزين الماء الثقيل، كما ستقوم باستئناف أنشطتها في مجمع آراك النووي.

تعتقد واشنطن أن مثل هذه الأعمال ستقلل من الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية في نهاية المطاف.

في حين ينظر الخبراء الروس إلى الوضع بشكل مختلف. فهم يقولون إن إيران تسعى فقط للضغط على أوروبا لرفع العقوبات عنها والانخراط تجاريا معها، وليس لصنع قنبلة.

 يقول فلاديمير ساجين، المتخصص في شؤون إيران بمعهد الدراسات الشرقية الذي ترعاه الحكومة في الأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو، بخصوص هذا الأمر، إنه إذا قام الجيش الأمريكي بمهاجمة إيران، من خلال توجيه ضربة محدودة للمنشآت النووية الإيرانية، فإن ذلك سيؤدي إلى التفاف الإيرانيين حول حكومتهم، موضحا لصحيفة "فورين بوليسي" بأن "النتائج ستكون عكس النوايا الأمريكية".

انتقدت روسيا نشر الأسلحة الأمريكية في الخليج العربي كما إنها تعارض توجيه ضربة لإيران، لكن مواردها محدودة ولا تخطط لرد عسكري في حال قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة لإيران.

فقد صرح بوتين في مؤتمر صحفي دولي بالقول إن روسيا ليست "فرقة إطفاء".

في الوقت الذي تعارض فيه موسكو بشكل نظري العقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب على إيران، لم تقم الحكومة الروسية بزيادة حجم معاملاتها التجارية أو استثماراتها في إيران بشكل كبير لمواجهة هذه العقوبات.

فرضت العقوبات الأمريكية قيوداً مشدّدة على المعاملات المصرفية الدولية مع إيران، وجعلت المعاملات التجارية صعبة للغاية. أما الصين، التي تواجه المشاكل نفسها، فتصل قيمة حجم معاملاتها التجارية مع إيران 33 مليار دولار سنويا مقابل ملياري دولار فقط مع روسيا.

تقوم روسيا ببناء منشأتين إضافيتين للطاقة النووية في إيران، عدا ذلك يمكن اعتبار الصفقات التجارية التي تقوم بها داخل إيران معدودة. فقد انتهت موسكو من بناء محطة بوشهر للطاقة النووية، التي تم بناؤها بشكل جزئي من قبل شركات ألمانية قبل أن تتوقف عن العمل فيه عام 1979.

تقوم روسيا الآن بتوسيع أحد المفاعلات داخل محطة بوشهر وبناء مفاعل ثان من المتوقع الانتهاء منه في عام 2020.

وقال فلاديمير بوزنر، مقدم برنامج حواري تلفزيوني روسي مشهور، لصحيفة "فورين بوليسي" إن روسيا عموما "لم تفعل الكثير" لمحاربة العقوبات الأمريكية موضحا أن "روسيا مرتابة للغاية بخصوص نوايا إيران النووية".

تقول روسيا إن إيران لا تملك برنامجاً للأسلحة النووية، لكن إذا غيّرت إيران مسارها، فيرى الروس بأن امتلاك إيران للأسلحة النووية يمكن أن يسمح لها بالتنافس بفعالية أكبر على النفوذ الإقليمي.

لا يثق المسؤولون الإيرانيون بروسيا بشكل كلي. فقد شدد قادة الثورة الإيرانية عام 1979 على أن بلادهم لن تتحالف مع " الشرق أو الغرب"؛ وعارضوا كلا من الإمبريالية الأمريكية والشيوعية السوفياتية.

وقد أصبحت المشاعر التي كانت معادية للاتحاد السوفياتي فيما قبل موجهة اليوم إلى روسيا، سواء من الشعب الإيراني أو بعض القادة الإيرانيين.

في عام 2016، توصلت روسيا وإيران إلى اتفاق يسمح للطائرات الروسية للقيام بطلعات جوية فوق سوريا من القاعدة الجوية الإيرانية في همدان غربي إيران.

عارض بعض أعضاء البرلمان الإيراني هذه الخطوة لأن الدستور الإيراني يحظر وجود قواعد عسكرية أجنبية.

وانتقد الإيرانيون روسيا لإعلانها عن الصفقة، الأمر الذي أثار غضب الرأي العام بسرعة ودفع بالروس إلى سحب طائراتهم بعد أسبوع واحد فقط من الاتفاق.

يختلف البلدان أيضا بخصوص إسرائيل ودورها في سوريا. فكثيرا ما تقصف إسرائيل أهدافا في سوريا تقول إنها خاضعة لسيطرة حزب الله والحرس الثوري الإيراني، لكنها لم تهاجم القواعد الروسية قط. يقول ساجين بخصوص هذا الأمر معلقاً: "إننا نغمض أعيننا عندما يهاجم سلاح الجو الإسرائيلي سوريا طالما لا يوجد أي هجوم على المنشآت الروسية" مضيفاً:  "إنه اتفاق الرجال".

يعكس هذا الاتفاق غير الرسمي خلافا أوسع نطاقا بشأن إسرائيل. لا تعترف إيران بوجود دولة يهودية، بينما تتمتع روسيا بعلاقات قوية مع إسرائيل. على عكس الاتحاد السوفيتي، الذي وقف إلى جانب القوميين العرب ضد إسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة، فإن روسيا اليوم تربطها علاقات دبلوماسية وتجارية كاملة مع إسرائيل.

يقال إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد التقى بوتين 11 مرة على الأقل منذ عام 2015، أكثر من أي زعيم عالمي آخر. كما إن إسرائيل تعج بالناطقين بالروسية.

من بين إجمالي عدد السكان البالغ نحو  9 ملايين نسمة، هناك نحو مليون مواطن سوفياتي سابق أو ذويهم يعيشون على الأراضي المحتلة داخل إسرائيل.

فبوتين يتبع نهجا واقعيا تماما في المنطقة، فهو ينشئ تحالفات مع أي دولة ترغب في العمل معه.

فعلى سبيل المثال، فقد أبرم تحالفات مع القادة العسكريين في سوريا في الوقت الذي سعى فيه للابتعاد عن النزاعات الطائفية في البلاد.

على نقيض ذلك، تريد إيران توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي والديني، معتمدة بشكل أساسي على الجماعات الشيعية.

هذه الاختلافات وغيرها يمكن أن تؤدي إلى منافسة جدية في المستقبل. فروسيا، قبل كل شيء، دولة علمانية توسعية ذات قوة عالمية متنامية، في حين إيران قوة دينية وإقليمية تربطها علاقات قوية بسوريا ولبنان واليمن والعراق.

لكن طالما استمرت الولايات المتحدة في سياساتها العدوانية وغير المنتظمة في المنطقة، فستبقى إيران وروسيا حليفتين ضد عدو مشترك سهل التحديد.

تعتقد إدارة ترامب أنها تعزل إيران عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية القاسية والتهديدات العسكرية.

والواقع أن ما تفعله له تأثير عكسي. أشار بوشكوف إلى أن إيران قوة إقليمية مهمة وأن كلا البلدين يعملان بشكل وثيق في سوريا، مضيفا بالقول: "هم على الأرض ونحن في الجو"، مؤكدا أن "روسيا لن تتخلى عن علاقاتها بسهولة".