الثلاثاء 2017/10/24

سوريا.. “حقل مفتوح” لتجارب القوة العسكرية الروسية ( ترجمة )

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

جاء التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية الذي بدأ في 2015 ولا يزال مستمراً حتى الساعة، بناء على رغبة موسكو الدفينة في حماية مكانتها التاريخية في البلاد. فقد رأت موسكو أن لها فرصة لتعزيز نفوذها وتأثيرها في الشرق الأوسط على نطاق أوسع، وعلى وجه التحديد من خلال المحادثات التي تُجريها مع الولايات المتحدة، إلا أن هنالك وجهاً آخر للتدخل الروسي في هذه الحملة وهو جانب غالباً ما يتم التغاضي عنه . شكّل الصراع في سوريا حقل تجارب خِصب للقوات والمعدات الروسية واختبار قدرات روسيا القتالية.

تختلف الحرب الأهلية السورية عن أي حرب خاضتها روسيا منذ نهاية الحرب الباردة. خلافاً لحروبها في الشيشان وجورجيا ومنطقة دونباس الأوكرانية؛ لم يكن الصراع السوري ضمن أراضيها كما إنه لم يكن بمحاذاتها؛ ولذا اعتمد هذه التدخل بالأساس على قدرة روسيا على استخدام قوتها العسكرية في مسافات كبيرة. وفي ظل عدم وجود ممر أرضي لنقل قواتها، اعتمدت روسيا على الرحلات الجوية والبحرية لنقل هذه القوات إلى سوريا، ومن ثم العمل على استمرار وجودها هناك لوقت طويل من أجل القيام بعمليات عسكرية. وعلى الرغم من أنها واجهت العديد من العقبات، إلا أن موسكو قد أثبتت تفوق قدرتها اللوجستية في عمليات قتالية خارج أراضيها.

كل الحروب التي خاضتها روسيا سابقا إبان الحرب الباردة كانت ضمن مناطق يمكن اعتبارها مألوفة بشكل نسبي من حيث الطابعُ الثقافي واللغوي وكذا الاجتماعي الذي يميزها، وهو ما شكل نقطة اختلاف في سوريا؛ حيث شكلت الحرب هناك غزواً على أرض أجنبية؛ الشي الذي حتّم على الجيش الروسي إعطاء الأولوية لقدرته على التواصل واستيعاب المحيط الذي ينتشر فيه والتعاون بشكل كبير مع قوات النظام على غير العادة. إلا أن هذا الأمر لم يتأتَّ بشكل سلس، فقد كانت هناك عدة تقارير وإشاعات وكذا مؤشّرات على وجود خلافات بين القوات الروسية وشركائها المحليين.

وعلى الرغم من ذلك، فقد نجح الروس، في المُجمل، في جعل قوات النظام تقبل وجودهم كمستشارين عسكريين وشركاء رئيسيين. وبالفعل، فبعد مقتل الجنرال فاليري أسابوف الشهر الماضي، صرح الجيش الروسي أن أسابوف لم يكن مجرد مستشار عسكري للنظام وإنما كان عضوا في خط القادة العسكريين التابعين له وقائدا لفيلقه الخامس.

بالإضافة إلى الدعم اللوجيستي والعسكري، شكل الصراع في سوريا اختبارا جوهريا للطيران الجوي الروسي ومقاتلاته. فالحرب الجوية في سوريا معقدة للغاية، إذ تتطلب دعما جويا متواصلا إلى جانب القيام بهجمات برية في مجال جوي مزدحم تقوم فيه مجموعة من القوات بعدة عمليات في الوقت نفسه، ومن ضمن هذه القوات قوات التحالف الدولي.

بعيداً عن التعقيد الذي ميّز هذه العمليات، واجهت التجربة الجوّية الروسية مشاكل أخرى؛ إذ خلّفت الهجمات الروسية الجوية العديد من الضحايا المدنيين، كما أدّت إلى خسائر في الطائرات الروسية على إثر حوادث إطلاق نار عرضية ومشاكل تِقنية. وبغضّ النظر عن كل هذه الأخطاء، أعطى الصراع السوري القوات الجوية الروسية تجربة قتالية قيمة.

كما شكلت سوريا حقل تجارب للأسلحة والخطط العسكرية الروسية الجديدة. فقد جاء دخول روسيا في الحرب السورية على ضوء تحديث كبير طال قواتها العسكرية، وقامت هذه الأخيرة باختبار أكثر من 160 نوعاً من الأسلحة الجديدة على الأرض السورية، حيث استخدمت موسكو صواريخ كروز أرض-جو جديدة، واستعملت أنواعا جديدة من أنظمة الدفاع الجوي وطائرات بدون طيار. هذا بالإضافة إلى اعتمادها بشكل كبير على جيل جديد من الأنظمة الإلكترونية في حربها. وعرفت الحملة التي شنتها روسيا استعمالا واسعاً للذخائر الأكثر دقة على مدى التاريخ الروسي. إذ لم تخجل موسكو من استخدام الصراع القائم لصالحها والاستفادة منه لتسليط الضوء على الثغرات التي تتخلل معداتها العسكرية من أجل تطويرها بشكل أفضل.

لقد كان اختبار الأسلحة الجديدة في سوريا لصالح روسيا؛ إذ سمحت هذه الحرب لموسكو باستعراض معدّاتها العسكرية من أجل بيعها للخارج لاحقاً. حيث لعبت العديد من الأسلحة الروسية دورا بارزا في الصراع السوري، وعلى وجه الخصوص المقاتلات من طراز سو-34 وسو-35 ونظام الصواريخ أرض-جو طراز إس 400 والتي ستقوم العديد من الدول لاحقا بشرائها وتحديدا تلك التي تقع الشرق الأوسط، كالإمارات والسعودية وتركيا، التي شهدت استخداما حياً لتلك الأسلحة في سوريا.

وبالتأكيد، فقد كلّف الصراع السوري روسيا الكثير؛ إذ عانت موسكو من خسائر كبيرة، بما في ذلك فقدان ضباط رفيعي المستوى في صفوفها، وموت العديد من المواطنين الروس أثناء تقديمهم الخدمة العسكرية في سوريا مع المتعاقدين العسكريين الخاصين، إضافة إلى فقدان عدد من المقاتلات الجوية والطائرات بدون طيار والمركبات التي تزيد من حجم المديونة الوطنية في وقت يشهد ضيقا ماليا. وبالفعل، لم تكن لموسكو نية بالبقاء طويلا في سوريا وسعت إلى خلق الظروف التي ستسمح بخروجها من الحرب.

في ظل هذه الأعباء المالية، كان للتدخل الروسي في سوريا فوائد جمة على روسيا؛ حيث عززت موسكو نفوذها وحضورها في سوريا، ووسّعت وجودها في الشرق الأوسط؛ ما جعلها تتموضع كلاعب رئيسٍ في المنطقة. كما سمح لها هذا الصراع باختبار قواتها ومعداتها وخططها العسكرية في ظل سعيها المستمر لتعزيز فعالية القتالية لقواتها على أرض المعركة.