الخميس 2017/10/19

سبيل التصدي لإيران ( مترجم )

المصدر: ستراتفور

المصدر لم يصرح باسم الكاتب

ترجمة مركز الجسر للدراسات

في ظل تزايد الاختلاف الدبلوماسي الذي ما فتئ يشتدّ يوما بعد يوم، قامت الولايات المتحدة بانتقاد إيران علناً هذه المرة.

ففي 13  تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، قام الرئيس دونالد ترامب بإعلان قراره عدم المصادقة على التزام إيران بالاتفاق النووي مع الغرب، وجاء هذا قبل يومين فقط من الموعد النهائي، ممهداً بذلك لجولة أخرى من العقوبات على حكومة طهران.

وطبقا لقانون مكافحة الخصوم الأمريكيين عن طريق الجزاءات للعام 2017، قام الرئيس ترامب بتصنيف "الحرس الثوري الإيراني" -الذي يعتبر أشد الفروع العسكرية في إيران- منظمة إرهابية. لكنه لم يصنّفه كمنظمة إرهابية خارجية، وهو خيار اعتبره البيت الأبيض ممكناً في مطلِع هذه السنة حسب ما أشيع.

وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو رمزياً إلى حد كبير، إلا أن التصنيف الجديد سيؤدّي إلى غضب كبير في إيران، كما يمكن أن يكون لعدد من وحدات "الحرس الثوري الإيراني" ردود فعل عكسية، كوحدات الفضاء والبحرية وقسم العمليات الخارجية على سبيل المثال لا الحصر، والتي يستهدفها هذا التصنيف.

إن ما يقضّ مضجِع الولايات المتحدة هو أن تكون لهذه الخطوة نتيجة عكسية وتوحّد صفوف الفصائل السياسية في إيران التي تقف خلف المجموعة التي تستهدفها الولايات المتحدة الآن.

حجر الأساس في الاستراتيجية الإيرانية:

وضع البيت الأبيض الحرس الثوري الإيراني نصب عينيه بسبب اعتماد إيران الكبير عليه في نشر استراتيجيتها الحديثة بالشرق الأوسط.

ففي ظل حُكم المُلكية الذي كان قائماً بإيران عام 1970، قامت هذه الأخيرة بتشكيل أعتى الجيوش في المنطقة وتجهيزه بأحدث الأجهزة التي اشترتها إيران من الولايات المتحدة التي كانت فيما مضى حليفة لها.

وبعد "الثورة الإسلامية" عام 1979، شكّك المرشد الأعلى "الخُميني" بالجيش النظامي للبلاد بسبب علاقته الوطيدة بالشاه الذي ساهم الخميني في الإطاحة به. وبدا هذا الأخير حريصاً على تشكيل قوة موالية له، فقام بتشكيل الحرس الثوري الإيراني في الوقت الذي بدأت فيه قوى الجيش "الذي لا يُقهر" في التراجع مع تناقُص الدعم المالي. تُعتبر اليوم الأسلحة التقليدية وأساليبه أضعفَ بالمقارنة بنظيريه التركي والسعودي.

وفي المقابل، قامت إيران بتركيز استراتيجيتها الأمنية على القدرات المتفاوتة للحرس الثوري الإيراني الذي هيمن على الساحة، في محاولة لتجنب الدخول في حرب تقليدية مباشرة، من شأنها أن تكشف نقاط ضعف البلاد. وشكّل دعم إيران للمجموعات العسكرية الموجودة في المنطقة "بمن فيهم حماس"، و"حزب الله" و"الجهاد الإسلامي" و"كتائب حزب الله" الحجر الأساس في هذه المقاربة. وقد قامت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت لاحق بتصنيف هذه المجموعات منظمات إرهابية خارجية.

يمثل الحرس الثوري الإيراني (وعلى وجه التحديد "فيلق القدس") الراعيَ الأول لهذه العلاقات، من خلال دعم وتمويل وكلائه مقابل العمل ضد خصوم إيران. فعلى سبيل المثال، تلعب كل من حماس و"حزب الله" كورقتي ضغط على الحدود الجنوبية والشمالية لإسرائيل. وبالطريقة نفسِها، تعتمد إيران على حوثيي اليمن و"لواء الأشتر" في البحرين من أجل الضغط على السعودية. لكن على الأغلب أنَّ ما يثير قلق الولايات المتحدة هو تعاون إيران مع المليشيات الشيعية في العراق، والتي تقوم واشنطن حاليا على العمل مع بعض وحداتها.  فالولايات المتحدة متوجّسة من أن تقوم هذه المجموعات باستهداف القوات الأمريكية الموجودة في العراق بطلب من إيران.

أما بالنسبة للأجزاء الأخرى الرئيسية من استراتيجية إيران المتناقضة فتتمثل في صنع الصواريخ الباليستية وبرامج الفضاء التي يقودها فريق فضاء في الحرس الثوري الإيراني.

ومن المحتمل ألا تستطيع إيران أن تضرب الولايات المتحدة برؤوسها النووية في المستقبل القريب، لكنْ يمكنُها استعمال الصواريخ الباليستية- حالها حال حلفائها- لضرب أو ردع هجمات خصومها الذين هم على مقربة منها والذين تحصل جيوشهم على تجهيزات أفضل. كما إن الحرس الثوري الإيراني الجوي مصمم لشن هجمات سريعة وهجمات صواريخ وعمليات ألغام في الخليج العربي؛ الشيء الذي من شأنه أن يكون حجر عثرة في العمليات التجارية العالمية في مضيق هرمز ويخلف خسائر اقتصادية وبدنية ونفسية جمة على أعداء طهران.

كما إن مجال المعلومات شكل مسرحا لتفوق إيران؛ إذ يُعتقد أنها كانت وراء الهجمات الإلكترونية المعروفة باسم "شمعون" والتي اجتاحت دول الخليج العربي في 2012 قبل الظهور في شكل معدل العام الماضي.  وعلى الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني لا يتولى بشكل رسمي برنامج الحرب الإلكترونية في إيران، إلا أنه يترأس العديد من الوظائف القيادية في البرنامج.  ففي تموز/ يوليو الماضي ألقى الحرس الثوري الإيراني القبض على 23 ضابطا قاموا بالكشف عن دلائل تؤكد تورط الوحدة في العديد من الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها تركيا عامي 2014 و 2015.

والواضح أن يد الحرس الثوري الإيراني ممتدة لجميع الأنشطة التي تقوم بها إيران في الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة عاقدة العزم على تقويضها كلها. وعليه، فإن أية سياسة شاملة للولايات المتحدة للتصدي لإيران عليها أن تحدَّ من تحركات الحرس الثوري الإيراني بأي شكل من الأشكال وعلى أي نحو.

أين تكمن أهمية التسمية؟

إن إلصاق صفة "منظمة إرهابية" بالحرس الثوري الإيراني ليس بالأمر الهيّن، فحسب قانون الولايات المتحدة ثمة طريقتان يمكن من خلالهما لواشنطن أن تقوم بتصنيف الجماعات "منظمات إرهابية" ولكل طريقة تبعاتها.

الطريقة الأولى تتمثل في استخدام قانون الهجرة والجنسية لسنة 1965 لتصنيف جماعة ما "منظمة إرهابية خارجية". لكن سيكون من الصعب تطبيقه لأن تعريف المصطلح ضيق فهو يصنف المنظمات التي تشارك في الإرهاب أو العمليات الإرهابية أو تلك التي لديها القدرة أو النية على القيام بتلك العمليات. يهدف القانون إذن إلى استهداف الجناة الذين يقومون فعلاً بأنشطة إرهابية عوض الأشخاص والشركات أو ممثلي الدول الذين يقدمون الدعم المادي لهم. فحلفاء إيران في الخارج، وليس فقط المنظمات الإيرانية مثل الحرس الثوري الإيراني، تقوم بعمليات ضد خصوم إيران بناء على طلب منها ولذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تطلق على الفرع العسكري للبلاد صفة منظمة إرهابية أجنبية.

أما الخيار الثاني، فهو عبر تصنيف هذه الجهات "جماعات إرهابية" (أو أفرادها "كداعمين للإرهاب") بموجب القرار التنفيذي رقم 13224 والذي صرح ترامب بأنه ينوي تبنيه في 13 من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي.  كان قد وقع على هذا القرار الرئيس السابق جورج بوش الابن على إثر أحداث 11 أيلول/سبتمبر، بهدف توسيع القاعدة القانونية لمتابعة شبكات دعم الإرهابيين. فلا تعتبر المجموعات التي في الفئة الأولى إرهابية فقط بموجب هذا القرار بل يتم تصنيف داعميها الماليين كذلك. وقد ضمت هذه القائمة إيران منذ 1984 كدولة داعمة للإرهاب وسيظل هذا القرار التنفيذي أكثر الآليات فعالية لاستهداف المواطنين والجماعات الإيرانية بالنسبة للولايات المتحدة.

من وجهة نظر تطبيقية، فإن ضم القرار التنفيذي رقم 13224 لن يقوم بفعل شيء يُذكر لعرقلة أنشطة الحرس الثوري الإيراني، لأن الولايات المتحدة قامت قبل الآن بفرض تدابير عقابية تتعلق بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وتطوير الصواريخ الباليستية ضد عدد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني والمنتسبين له وكذا أجنحته، ويعتبر الحرس الثوري الإيراني أحد أكثر المنظمات التي فرضت عليها عقوبات في العالم. ليس هذا وحسب، فقد تم تصنيف "فيلق القدس" بموجب فقرة "ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺎ المعنيين ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ" باللائحة منذ 2007، والتي قامت الولايات المتحدة من خلالها بتجميد أرصدتها وأصولها، ومنع المواطنين والشركات الأمريكية من التعامل معه.

لكن المثير للسخرية، أن هذا التصنيف بموجب القرار التنفيذي له تبعات مالية على الولايات المتحدة أكثر من تلك التي قد تتسبب بها المنظمات الإرهابية الخارجية. لكن التصنيف الأخير يحمل في ثناياه ميزة رئيسية: ألا وهي التهم الجنائية. فكل المواطنين الأمريكيين وغيرهم، ممن يقدمون مأوى أو خدمات مالية أو أي نوع من المساعدات للمنظمات الإرهابية الخارجية سيتعرضون للمتابعة القضائية في الولايات المتحدة.

من السهل التكهن بالمشاكل الاقتصادية والدبلوماسية التي يمكن أن تنشأ إذا ما قامت واشنطن بإضافة الحرس الثوري الإيراني إلى لائحة المنظمات الإرهابية الخارجية.  فعلى موظفي الشركات الدولية التي تتعامل مع إيران الحذر من خطر التعرض لعقوبة السجن، كما إنه على المسؤولين الحكوميين الذين يستقبلون وفوداً إيرانية في الخارج -والتي غالبا ما تشمل أعضاء في الحرس الثوري الإيراني- الحذر أيضا.

علاوة على ذلك، لم تقم الولايات المتحدة من قبلُ بتصنيف الوحدات العسكرية للدول السيادية كمنظمات إرهابية خارجية؛ فإذا ما قامت بكسر هذا النمط هل ستقوم الدول الأخرى بالسير على خطاها وستقوم في النهاية على الأرجح باعتبار سجناء الحروب إرهابيين؟ آخذة بعين الاعتبار هذه التعقيدات المحتملة.

قامت وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكية بالضغط على إدارة ترامب من أجل عدم الاعتماد على قانون الهجرة والجنسية لعام 1965 من أجل استهداف الحرس الثوري الإيراني.  فمعاقبة الحرس الثوري الإيراني بموجب القرار التنفيذي من شأنه أن يؤثر بطبيعة الحال على قدرات المجموعات الأخرى. فالمنظمة تقوم في نهاية المطاف بدعم مجموعة من المؤسسات المالية والشركات القابضة التي تعتبر امتداداً للاقتصاد الإيراني، وسيتعين على الشركات الأجنبية أن تولي المزيد من العناية لعملياتها في البلد لضمان عدم تخلفها عن فرض العقوبات الغربية. وعلى الرغم من ذلك، فالاستثمار الأجنبي الإيراني لن يتوقف وإن أصبح الحرس الثوري الإيراني شريكا أقل جذبا للشركات الدولية.

وعلاوة على ذلك، ستحل الحكومة الإيرانية محل أي مصادر دخل يفقده الحرس الثوري الإيراني. والواقع أنه من المحتمل أن تزيد مصادر تمويل هذا الجيش -وذلك بفضل الدور المركزي الذي يلعبه في استراتيجية الأمن القومي وتقوية الخطوط الدفاع الإيرانية- والذي من شأنه أن يكون حجر عثرة في وجه أي محاولة للرئيس روحاني لإضعاف النفوذ السياسي والاقتصادي للحرس الثوري الإيراني.

متّحدون ضد الولايات المتحدة:

وعلى الرغم من ذلك، فروحاني ليس المعارض الوحيد للحرس الثوري الإيراني. إذ إن تغلغل هذه المجموعة في كل الأمور يؤدي إلى انقسام المجتمع الإيراني وقد وجد الرئيس الدعم الكافي لمنع وصول بعض من تمويله.

على ضوء ما سبق، يمكن القول إن أهمية الحرس في ضمان أمن البلاد لم تُثر الجلبة نفسها الذي أثارها الحرس نفسه. وفي الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بالضغط على الحرس في الأسابيع القليلة الماضية، ظهر نوع من التوحد بين مجموعة من الوسطيين كروحاني والمجموعة العسكرية المحافظة. ومن المرجح أن يسفر هذا الدعم عن ضخ المزيد من الأموال إلى ميزانية الحرس الثوري الإيراني في الأسابيع المقبلة، كما قام المشرعون الإيرانيون برصد 300 مليون دولار لفيلق القدس وبرنامج الصواريخ الباليستية التابع للحرس الثوري الإيراني بعد أن بدأت الولايات المتحدة بالتصعيد في وقت سابق من هذا العام.

ومع ذلك، فمن المهم معرفة إذا ما كان حلفاء الحرس الثوري الإيراني سيتمكنون من الاستفادة من المُناخ السياسي لتعزيز مكانتهم في إيران. ففي ظل الانتخابات الثلاثة الأخيرة، كان أداء هؤلاء الحلفاء ضعيفاً ولا يزالون مشتتين اليوم إذ يحاولون الوصول إلى غالبية الشباب الإيراني. ولعل هذا ليس بالأمر الجديد، فقد بدأ المخيم القيام بالحملات الدعاية التي لم يسبق لها مثيل في صفوف المحافظين، مثل الاجتماعات مع مغني الراب والقيام بحملات إعلامية اجتماعية.

ومن المحتمل أن يكون الضغط الذي تقوم به الولايات المتحدة ضد إيران من جديد بمثابة قوة الدفع التي هم بحاجة إليها من أجل إعادة بناء صورة جديدة لهم في صفوف الناخبين. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يتمكن حلفاء إيران من العودة ومنع محاولات الروحاني كسر نفوذ الحرس على السياسات الإيرانية. وإذا لم تأخذ الولايات المتحدة حذرها، فلن تنجح محاولاتها بعزل الفرع العسكري الأكثر قوة في إيران بربط الفصائل السياسية الإيرانية معا ضده.