الخميس 2017/12/21

روسيا محاصرة في سوريا

في التقرير الذي نشرته مؤسسة راند الأمريكية، والذي أعده الباحثان كولن كلارك ووليام كورتني حول قرار الرئيس الروسي بوتين الانسحاب العسكري من سوريا، يعتبِر الباحثان أن القرار في حقيقته أقل مما يبدو، وأن الرهانات على البقاء في سوريا لا تزال مرتفعة لأن القادة في موسكو يرون التدخل عاملاً حاسماً في وضع روسيا كقوة عالمية. لكن موسكو تواجه معضلة تكمن في وزن تكاليف البقاء في سوريا أو المغادرة. وأنه إذا ما انسحبت موسكو وسقط نظام الأسد، فإن الكثيرين سيرون روسيا منافساً ضعيفاً غير قادر على إبرام اتفاق رئيسي. أما إذا بقيت القوات الروسية في سوريا -كما هو الأكثر احتمالا- فقد تواجه هذه القوات الاستياء بين السوريين في أن روسيا ساعدت على تدمير البلاد، ولكن لا يمكنها تقديم مساعدات واسعة النطاق لإعادة بنائها.

يقول التقرير: إن لدى موسكو نافذة ضيقة لتحقيق النجاح الدائم في سوريا، ولكنها تحتاج إلى المجتمع الدولي من أجل ذلك. ومن المرجح أن يكون تعهد بوتين بالانسحاب، مثل تعهد مماثل قدَّمه العام الماضي، يهدف إلى تخفيف المخاوف في الداخل الروسي من وقوع المزيد من الضحايا في القتال السوري، ونقل شعور "المهمة التي أنجزت" إلى الشعب الروسي قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في مارس آذار المقبل. لكن هل يمكن لروسيا أن تعتبر هذا الإنجاز في سوريا انتصاراً حقيقياً لسياستها الخارجية؟

يقول التقرير: على الأقل منذ هزيمة نابليون قبل قرون من الزمان، كانت روسيا مصممة على أن تظل قوة عالمية. وفي ظل بوتين، أصبح هذا القرار قريبا من الهوَس. وهذا يعني أكثر من مجرد تخويف الدول القريبة من حدودها، كما فعلت روسيا من خلال الذهاب إلى الحرب ضد جورجيا في عام 2008 وأوكرانيا في عام 2014.

القوى العالمية لديها الإرادة والوسائل اللازمة لتشكيل الأحداث ولو كانت على مسافة بعيدة. فمعظم القوى، مثل فرنسا والصين، تفعل ذلك في مجالات متعددة: اقتصادية، ثقافية، أيديولوجية، سياسية، وأمنية. ولكن كما يقول المثل الروسي القديم، "حلفاء موسكو الوحيدون الموثوق بهم هم جيشها وقواتها البحرية".

روسيا قوة عالمية في المجال الأمني. ومع برامج التحديث العسكري واسعة النطاق، فهي تهدف للرد على ما تعتبره تزايد تعديات حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، هذه الاستراتيجية الكبرى من التكتيكات في سوريا. لا تسعى فيها موسكو فقط إلى التأثير على نظام بشار الأسد، بل تسعى أيضا إلى إقامة قاعدة جوية في اللاذقية وقاعدة بحرية في طرطوس. ومن شأن ذلك أن يمكِّن روسيا من فَرض تحدّيات جديدة على الناتو والقوات الإسرائيلية في شرق البحر الأبيض المتوسط

يمضي التقرير بالقول: إنه في سبيل تحقيق هذا الهدف، فإن روسيا تواجه عدة عقبات.

أولاً: لتعزيز آفاق الاستقرار السياسي في سوريا، تريد موسكو من الأسد توسيع قاعدة الحكم، وربما حتى قبول نوع من تقاسم السلطة. فإنقاذ موسكو العسكري لنظام الأسد من الانهيار القريب في عام 2015 شدّد على هشاشته. وعلى الرغم من إحباط موسكو في بعض الأحيان من الأسد، لكنها لم تتخلَّ عنه أبدا. فبدون سوريا المتحالفة معها، لم يعد بوسع روسيا أن تؤدي دوراً كبيراً في الشرق الأوسط.

التحدي الثاني: هو أنه ما لم تُقنع موسكو المجتمع الدولي بالمساعدة في تحقيق الاستقرار بسوريا، فإن الدولة التي مزقتها الحرب قد تنتقل أكثر إلى دولة فاشلة غير قادرة على حكم أراضيها وعرضة لتصبح ملاذا للمتمردين والإرهابيين، بما في ذلك بقايا تنظيم الدولة.

ولتقليل هذه العقبات أمام "النجاح"، تتابع موسكو مسارا دبلوماسيا. ويسهّل هذا الحوار محادثات لتسوية النزاعات مع إيران وسوريا وتركيا. وهذا أمر مفيد، ولكن استبعاد القوى العالمية الأخرى والجهات المانحة للمعونة التي شاركت في محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، يثير الشك في أن الشكل المحدود هذا سيحقق الكثير.

يرى التقرير: أن " الماراثون الدبلوماسي " الروسي على سوريا الذي يشبه عملية المناداة على بيع بطاقات اليانصيب، يشير إلى أن الكرملين يريد المساعدة لتعزيز الشرعية السياسية لمفاوضاته، وحشد مساعدات إعادة الإعمار. وتأمل موسكو في أن تخفِّف عملية السلام أيضا من تأثير إيران المتزايد في سوريا، الأمر الذي سيجعل من الممكن تداخل المصالح الروسية والامريكية.

وفيما تسعى منظمات الإغاثة الدولية الآن إلى الحصول على 4.4 مليار دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في الخارج والمجتمعات التي تستضيفهم في بلدان مثل لبنان والأردن وتركيا، فإن الجهات المانحة تفتقر إلى الثقة بأن القوات الإيرانية والقوات المتحالفة يمكنها حماية إيصال المعونة. وعلاوة على ذلك، لا تزال الذكريات حاضرة من الوحشية التي قامت بها هذه القوات، جنباً إلى جنب مع القوات الروسية. عندما استهدفت الطائرات السورية والروسية المستشفيات في شرق حلب خلال الحصار العام الماضي، صُدِم العالم يومها. ويبدو أن هذه الثقة أبعد من ذلك عن نظام الأسد.

ويشير تقرير حديث أجرته مؤسسة راند إلى أن جهود إعادة الإعمار على مستوى المجتمع المحلي قد تكون ممكنة في مناطق أكثر أمانا في سوريا. ومع تحسين الإدارة، قد يتحسن النشاط الاقتصادي ويمكن لبعض اللاجئين العودة. لكن الاحتمالات أقل في المناطق الأكثر خطورة بسوريا.

في أكتوبر / تشرين الأول 2015، حذر الرئيس باراك أوباما من أن حملة القصف الروسية ضد الثوار السوريين سوف تجر موسكو إلى " مستنقع ". وهو في منظور طويل الأجل، لم يكن مخطئا.

يخلص التقرير إلى أن روسيا وحدها لا يمكنها ضمان أمن سوريا في المستقبل ولا توفير الموارد اللازمة لتمكينها من التعافي وإعادة البناء. ولا يمكن لروسيا أن تحقق نجاحا دائما في سوريا إلا من خلال المشاركة العسكرية مع المجتمع الدولي من أجل إخراج إيران، وإرساء حكم واسع القاعدة وتحفيز النمو الاقتصادي.