الأثنين 2019/01/21

روسيا تمد أذرعها في الشرق الأوسط


بقلم: جاريد مالسين وآن سيمونز

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تسعى روسيا إلى تقوية علاقاتها مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، من خلال فرض نفسها على المشهد السياسيّ في الشرق الأوسط، من خلال إيضاح كيف يمكن لموسكو أن تعزز من دورها كوسيط وقوة إقليمية في المنطقة.

منذ تدخل روسيا عام 2015 في الحرب السورية دعماً لبشار الأسد، أقامت موسكو علاقات اقتصادية قويّة مع السعودية، وزادت الصفقات التجارية مع دول الخليج، وباعت مليارات الدولارات من الأسلحة إلى دولة الإمارات. في مصر، عزّز الكرملين علاقاته مع عبد الفتاح السيسي، الذي يعقّد حكمه الاستبدادي أحياناً علاقاتِه مع حلفائه الأمريكيين.

وقد تم تسليط الضوء على العلاقات السياسية الروسية العربية المزدهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عندما قام محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحية بعضهما خلال اجتماع مجموعة العشرين في بوينس آيرس. عندما واجهت السعودية غضبا عالميا إزاء مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول، أظهرت طريقة مصافحة بوتين لمحمد بن سلمان استعداد موسكو لربط علاقات مع البلدان العربية، دون انتقاد سجلات هذه الأخيرة الخاصة بحقوق الإنسان.

بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في الدول العربية، فإن الدور الإقليمي المتزايد لروسيا يشكل حاجزا مهماً لعلاقتهم بالرئيس ترامب، الذي تحدث عن رغبته في الابتعاد عن الشرق الأوسط، بما في ذلك القرار الذي أعلن عنه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، القاضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

يرى محللون أن بوتين متلهّف للاستفادة من الانقسامات بين واشنطن وحلفائها، في محاولة لتصوير موسكو كوسيط يمكن أن يتجاوز خطوط التصدع الجيوسياسية في المنطقة.

يقول مارك كاتز، أستاذ العلوم السياسة في جامعة جورج ماسون واختصاصي في العلاقات الروسية في الشرق الأوسط، إن الروس "مستعدون للعمل مع الحلفاء التقليديين لأمريكا والاستفادة من أي احتكاك بينهم وبين هذه الأخيرة، في الوقت نفسه، ألا يكونوا مسؤولين بشكل أساسي عن أمن المنطقة بالطريقة التي كانت الولايات المتحدة مسؤولة عنها".

 

علاقات سعودية:

أدى التدخّل الروسي في سوريا إلى توطيد علاقات موسكو مع إيران وحلفاء آخرين في المنطقة، بما في ذلك الحكومة اللبنانية و"حزب الله"، بما في ذلك تركيا، التي تعتبر قوة إقليمية طَموحة ومساندة رئيسية للمعارضة السورية، حيث تتمتع هذه الأخيرة الآن بعلاقات دافئة مع روسيا. في الوقت الذي يسعى فيه الكرملين إلى ربط علاقات مع إسرائيل ومع فصائل سياسية فلسطينية وليبية متناحرة.

لم تعرف روسيا نفوذا بهذا الحجم في أي دولة أخرى، كنفوذها اليوم داخل السعودية، التي كانت في السابق خصما خلال الحرب الباردة، وداعماً سابقاً لمجموعات الثوار ضد نظام الأسد.

رفضت روسيا إدانة أو توجيه انتقاد للسعودية حتى في الوقت الذي هز فيه مقتل خاشقجي، في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، تحالف هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة. في حين ألقت المؤسسات الاستخباراتية والكونغرس باللوم على محمد بن سلمان حتى عندما عبّر الرئيس ترامب عن دعمه للملك الشاب، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف آنذاك، إن موسكو تنظر إلى جهود الرياض للتحقيق في مقتل الصحفي "بشكل إيجابي"، حسبما أفادت وكالة الأنباء الروسية "تاس" التابعة للكرملين.

يقول روبرت جوردان، سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش: "أعتقد أن السعوديين أصبحوا يخافون من أن يحاصرهم الرؤساء والمشرعون الأمريكيون حول حقوق الإنسان بخصوص بعض من سياساتهم، ويبدو أن الروس لا يهتمون كثيرا بهذا الأمر".  لم تردّ الحكومة السعودية على طلباتنا للتعليق على هذا الموضوع.

في آب/ أغسطس الماضي، عند التعليق على النزاع الدبلوماسي بين السعودية وكندا بشأن اعتقال مجموعة من النشطاء المدنيين في البلاد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن روسيا تدعو بقوة إلى "الامتثال لحقوق الإنسان العالمية مع إيلاء الاعتبار للعادات والتقاليد الوطنية التي تطورت في بلد معين على مدى فترة طويلة من الزمن". مضيفة بالقول، إن موسكو مؤمنة بأن "تسييس قضايا حقوق الإنسان أمر غير مقبول".

إن توطيد العلاقة المتنامية بين روسيا والسعودية ينبع من مصلحة مشتركة لتنظيم أسعار النفط العالمية. واجه كلا البلدين أزمة عندما انهار سعر النفط خلال 2014، ليتوصل الطرفان سنة 2016 إلى اتفاق لخفض الإنتاج، ما جعل روسيا شريكاً رئيسياً في منظمة الدول المصدّرة للبترول (أوبك) التي تهيمن عليها السعودية. يرى محمد اليحيى، محلل سياسي سعودي، أنه يتعين على السعوديين وغيرهم من دول الخليج التعامل مع الروس لتعزيز مصالحهم الاستراتيجية.

 

هذا بالإضافة إلى أن العلاقات الاقتصادية هي الأخرى آخذة في التزايد. ففي عام 2015، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي عزمه استثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد الروسي من خلال إنشاء شراكة مع صندوق الاستثمار الروسي المباشر التابع للدولة. تضاعفت المعاملات التجارية بين روسيا والسعودية لتصل ضعف ما كانت عليه سنة 2016، بنحو 915.2 مليون دولار عام 2017 وفقاً لوسائل إعلام روسية رسمية. معظم صادرات روسيا إلى السعودية منتجات زراعية، في حين أن البلاد كانت ترسل في الغالب منتجات كيميائية.

 

تحقيق التوازن:

يرى مراقبون أن فرص موسكو في المنطقة محدودة. فلا تزال القوة العسكرية والاقتصادية الروسية جزءاً لا يتجزأ من الولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب عليها -إن لم يكن من المستحيل- أن تحل محلّ واشنطن، وتقوم بدورها في المنطقة. يعود التحالف السعودي مع الولايات المتحدة إلى بدايات الحرب الباردة، كما لم تتعرض الشراكة السعودية الروسية إلى أية اختبارات حتى الساعة.

يفعل الروس ما بإمكانهم لتوسيع نفوذهم وتعزيز مصالحهم من خلال العمل مع الحكومات في المنطقة. فعلى سبيل المثال، قامت قطر بربط علاقات تجارية مع الكرملين في السنوات الأخيرة، وهي علاقة أصبحت أكثر أهمية بعد فرض كل من السعودية والإمارات والدول المجاورة الأخرى حصاراً اقتصادياً عليها عام 2017.

يمتلك الصندوق السيادي القطري اليوم نحو 20٪ تقريبا في شركة النفط الحكومية الروسية "روسنفت"، كجزء من صفقة عام 2016 التي منحت الكرملين الدعم المالي اللازم. في عام 2017، وقعت قطر وروسيا اتفاقيات للتعاون العسكري. وفي الوقت نفسه، عملت قطر على إبقاء تحالفها الأمريكي قوياً، حيث بدا انسحابها من منظمة "أوبك" هذا العام محاولة لإرضاء ترامب، أكبر منتقدي المنظمة. كما توجد قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة داخل الأراضي القطرية، وتعتمد على الولايات المتحدة لحمايتها من جيرانها.

تسعى الدول العربية اليوم إلى خلق نوع من التوازن وإرضاء كل من موسكو وواشنطن. يقول كاتز بخصوص هذا الأمر: "لقد اختلف الوضع عما كان عليه إبّان الحرب الباردة، عندما كان لدى روسيا حلفاؤها، وكان لدينا حلفاؤنا، وكان هناك عدد قليل جدا ممن استطاعوا العمل مع الطرفين".