الثلاثاء 2018/05/22

روسيا تجني ثمار الهجمات الإسرائيلية في سوريا

المصدر: ناشيونال انترست

بقلم: ماثيو برودسكي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لقد عزز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موقعه على قمة هرم سلطة النظام في سوريا، نتيجة للحملة الجوية الإسرائيلية الضخمة التي استهدفت مواقع إيران ودفاعات الأسد الجوية. اعتُبر الهجوم الجوي الذي أطلق عليه المخططون العسكريون في السلاح الجوي الإسرائيلي اسم "عملية بيت الورق"، الأعنف منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. وسيتم تحديد إذا ما كان سيعتبر هذا النجاح الذي حققه الجيش الإسرائيلي انتصارا سياسيا من خلال الطريقة التي سترد بها طهران في المرحلة المقبلة.

لا شك أن إيران قد عانت الكثير خلال أسبوع مليء بخيبات الأمل. وفي الوقت نفسه فقد عزز بوتين من موقفه الاستراتيجي في الشرق الأوسط، إذ لم يكن عليه سوى إعطاء الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقيام بذلك.

لم يكن من المعروف إذا كان من الممكن تحقيق نتيجة كهذه عندما التقى نتنياهو ببوتين في موسكو، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قام بتحضير حججه الدبلوماسية بشكل جيد. فقد جاء الرد العسكري الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران بعد ساعات قليلة من الزيارة وحظي بمباركة الكرملين، كما تم إخبار الولايات المتحدة بهذا الأمر مسبقا. وكان قد صرح أحد كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قائلاً: “لقد أخبرنا الروس أننا سنشنُّ هجوماً في سوريا، لكننا لم نخبرهم شيئا عن المواقع أو الأهداف التي نسعى لقصفها"، مضيفاً.. "لقد كان التنسيق جيدا وتصرفنا بكامل الحرية خلال العملية".

كان موقف الكرملين المتفهم لمخاوف نتنياهو، بما في ذلك عدم توجيه الانتقادات لإسرائيل في أعقاب الهجوم، تطورًا جديدًا وموضع ترحيب من طرف إسرائيل وذلك لأن روسيا لعبت دور الحكم منذ دخولها في الحرب السورية في سبتمبر / أيلول 2015 للدفاع عن الجزار المحاصر، بشار الأسد. على مدى سنوات، شكل وجود روسيا المتنامي عقبة أمام تطبيق إسرائيل لخطوطها الحمراء، الأمر الذي تطلب مهارة دبلوماسية من أجل التوصل إلى تفاهم حول عمليات التنسيق لتجنب الاصطدام أثناء القيام بعمليات عسكرية.

منذ 2015، التقى نتنياهو وبوتين مرات عديدة ..نحو 10 مرات، تمكنت إسرائيل وروسيا بفضلها من تجنب حوادث الاصطدام على الرغم من خلافهما بخصوص الدور الذي ستلع حجبه إيران في مستقبل سوريا. فلم تأخذ عمليات وقف إطلاق النار وخفض التصعيد- التي تبنتها موسكو- في جنوب غرب سوريا سنة 2017 في عين الاعتبار العديد من القضايا الأمنية لإسرائيل. كما إن البيان الأمريكي الروسي المشترك الذي تم إصداره في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 دعا إلى "تقليص المقاتلين الأجانب من جنوب سوريا والقضاء عليهم نهائيًا كجزء من عملية إنشاء منطقة لخفض التصعيد، ولكن بعد بضعة أيام، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن الوجود الإيراني في سوريا "شرعي" وقال إن روسيا لم تلتزم بضمان انسحاب إيران أو المليشيات التابعة لها من سوريا.

وكانت روسيا قد عبرت عن امتعاضها من إسرائيل جراء الضربات التي وجهتها في شباط/ فبراير ونيسان/أبريل ضد القاعدة الجوية(تي-4) في محافظة حمص، والتي تعتبر مركزا لوجستيا رئيسيا للحرس الثوري الإيراني وتتمركز القوات الروسية هناك أيضا. وقد أفادت تقارير بأن نتنياهو كان مستعدًا لإعطاء الضوء الأخضر من أجل القيام برد عسكري أكثر شمولية بعد أن أسقطت قوات النظام طائرة إسرائيلية من طراز (إف -16) خلال مهمة لها في شباط/ فبراير الماضي، لكنه تراجع بعد تلقي "مكالمة هاتفية غاضبة" من بوتين. هذا بالإضافة إلى الامتعاض الروسي بعد قيام إسرائيل بغارة جوية على القاعدة الجوية (تي-4) في نيسان/ أبريل الماضي، والتي أدت إلى تدمير منظومة الدفاع الجوي القصير المدى الإيراني، التي تعرف باسم (إس إي-15) من (منظومة تور للصواريخ). وقد كان من المزمع أن يقوم الكرملين ببيع نظام الدفاع الجوي (إس-300) إس إي-10 إلى الأسد ردا على ما قامت به إسرائيل.

لقد كان جلياً تزايد الخلاف الروسي الإسرائيلي، ولكن عقب زيارة نتنياهو لموسكو والنجاح الذي حققته عملية "بيت الورق"، تراجعت روسيا عن موقفها وتم إلغاء صفقة البيع.

كما إن السياق الذي تم فيه الإعلان عن القرار كان مثيرا للاهتمام حيث قال فلاديمير كوجين، وهو أحد كبار مساعدي الرئيس الروسي لشؤون التعاون العسكري التقني، عندما سئل عن إمكانية تزويد سوريا بـصواريخ "إس -300" مجيباً: "في الوقت الراهن، نحن لا ننوي إرسال شحنات أنظمة حديثة (أنظمة الدفاع الجوي)". وأضاف كوجين أن النظام لديه "كل ما يحتاجه"، وهو تعليق لافت للنظر باعتبار أن إسرائيل دمرت الدفاعات الجوية للنظام خلال العملية العسكرية التي قامت بها.

تُعتبر إزالة هذه العقبات والحصول على موافقة بوتين الضمنية تطورا كبيرا نتيجة لقيام نتنياهو بإقناع الرئيس الروسي بما يلي:

أولاً، أن هدف إسرائيل الرئيسي هو الرد على إيران والقوات التابعة لها في سوريا، بالإضافة إلى أن مصالحها لا تتعارض مع مصالح روسيا في سوريا، وأنها لن تستهدف الأسد أو منظوماته الدفاعية. بل ستقوم كذلك بتحذير الأسد للتراجع بمجرد بدء العملية. إذا اضطُرت إسرائيل للرد على قوات النظام لمشاركتها، فسترد دون المساس بالأسد. كما إنها لن تقوم بتوسيع دائرة النزاع للحدود اللبنانية إذا لم يقم حزب الله بالتدخل، وبالتالي تجنب الدخول في حرب حذر منها محللون على مدى سنوات.

باختصار، فقد قام نتنياهو بعرض العملية على أنها محدودة من حيث المدة والنطاق، وأنها استهدفت المواقع التي تقع تحت سيطرة إيران فقط، كما ستحافظ على جوّ الاستقرار السائد في سوريا بشكل عام.

فيما يتعلق بنقل (إس-300)، من المرجح أن يكون نتنياهو قد أقنع بوتين بأن تسليم هذه النظم الصاروخية سيشكل انتهاكاً لأحد خطوط إسرائيل الحمراء وسيتم اعتباره تهديدا لأمن إسرائيل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد كان من المقبول أن تستخدم روسيا نظم (إس-400) بالقرب من القواعد الساحلية الروسية – التي تقوم القوات الروسية باستخدامها حصرا– رداً على إسقاط تركيا للطائرة المقاتلة طراز (سو-24) في كانون الأول/ ديسمبر 2015. إذ تعتبر (إس-400) كافية، كونها نظم دفاع جوي ذات معايير عالمية بالإضافة إلى أن روسيا لم تكن على قائمة الأهداف الإسرائيلية في سوريا.

يبدو أن هذا التفاهم الذي حصل قبل بدء العملية، سمح لإسرائيل باستهداف مواقع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في منطقة الكسوة (جنوب دمشق) وفي القنيطرة (المجاورة للحدود الإسرائيلية في الجولان) باستخدام طائرات مقاتلة من طراز (إف-15) و (إف-16). فإذا اعتقدت إسرائيل أن طائراتها ستستهدف من طرف (إس-400) أو أن المعلومات التي قامت بجمعها قد وصلت إلى النظام وأنه يتربص بها، فمن المحتمل أن يغير الجيش الإسرائيلي تكتيكاته العسكرية من خلال إعطاء الأولوية لإزالة تهديد هذه الدفاعات الجوية قبل التركيز على مقرات القيادة الإيرانية والمرافق الاستخباراتية ومواقع القيادة اللوجستية ومراكز المراقبة، ومرافق تخزين القذائف ومناطق العمليات البرية وغيرها من المواقع. لم تشر التقارير إلى أن إسرائيل قد قامت باستخدام طائراتها الشبح (إف-35) "أدير"، والتي أعلن الجيش الإسرائيلي عن جاهزية 9 منها للقيام بعمليات قتالية كجزء من سرب "النسر الذهبي" في سلاح الجو الإسرائيلي.

كان يمكن لروسيا أن تجعل هذه المسألة معقدة بشكل كبير من خلال الدخول في مواجهة مع إسرائيل حول ما تعتبره هذه الأخيرة خطاً أمنياً أحمر غير قابل للتفاوض. كما صرح عضو سابق في "وحدة 8200"، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في شباط/ فبراير الماضي: "لا يمكننا القضاء على حزب الله عبر الدخول في حرب مع الروس. لقد جربنا ذلك في سبعينات القرن الماضي، لا أظن أن هذا الأمر يستحق العناء".

اعتبر بوتين قرارًا كهذا ضد مصالحه، والتي تتمثل في الحفاظ على وجوده العسكري داخل سوريا ودوره كحكم إقليمي في المنطقة. ربما قد فهم أنه يمكنه القيام بذلك دون مساعدة من إيران وضد رغبات الأسد، الذي سيصبح أكثر اعتماداً عليه إذا تراجع نفوذ طهران في المنطقة.

بالنسبة لفلاديمير بوتين، فإن السبيل لتعزيز إنجازاته في سوريا قد يكمن في إبرام اتفاق مع إسرائيل لترسيخ مكانة روسيا، وإبرام اتفاق مع الولايات المتحدة التي تركز بشكل كبير على القضاء على تنظيم الدولة في شرق سوريا وتخطط للانسحاب. قد يعني ذلك أمرين: الأول هو أن العرض الإيراني لم يكن جيدا بما فيه الكفاية مقارنة بالعرض الإسرائيلي. أما الاحتمال الثاني أن تكون العملية الإسرائيل قد كشفت طبيعة المكاسب التي حققتها إيران في سوريا على أنها ليست أكثر من مجرد "بيت ورق" في مهب الريح.