الأربعاء 2017/11/08

رغم حاجتها إلى الخروج من مستنقع الحرب .. لهذه الأسباب تريد روسيا البقاء في سوريا

العنوان الأصلي  للمقالة : استبعاد خروج روسيا من سوريا

المصدر: مركز "بيغن السادات"

بقلم: إميل أفدالياني

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

بالنظر إلى الانتصارات التي حققتها القوات الروسية في سوريا، ثمة مؤشرات جديدة تُظهر أن موسكو تسعى إلى الخروج من هناك. فقد أفادت تقارير صدرت في 2016 بـأن الكرملين خطط لسحب قواته من سوريا؛ لكن القادة الروس الآن يلمِّحون بشكل صريح إلى إيقاف عملياتهم القتالية هناك.

ظهرت مؤخرا بعض المؤشرات التي تدلُّ على بحث الكرملين إمكانيات خروجه من سوريا، أثناء اللقاء الثنائي الأخير الذي جمع بين المسؤولين الروس والإسرائيليين.

في 10 من تشرين الأول /أكتوبر الماضي، صرّحت منابر إعلامية روسية كبرى أن مستقبل الوجود الروسي في سوريا قد تمت مناقشته في لقاء تل أبيب حيث أخبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو نظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن التدخل الروسي في سوريا يقترب من نهايته.

وفي إشارة أخرى إلى نيّات موسكو، كان المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قد عدّد الانتصارات العسكرية للقوات الروسية في سوريا ووصفها أنها "بداية النهاية" للحرب هناك.

يمكن لهذه التصريحات أن تكون سببا مباشرا لتلك الانتصارات الروسية والتي تشمل تحرير دير الزور والقرى المجاورة وكذا الانتصار الكبير الذي جاء في مطلع هذا العام عندما استعادت دمشق سيطرتها على حلب.

وبالفعل، فمنذ بداية التدخل الروسي، نجحت روسيا بشكل كبير في إعادة التوازن إلى ساحة المعركة من خلال تقديم الدعم العسكري للقوات الموالية للنظام ومن تقدمها عسكريا. هذا فضلا عن أن دخول روسيا في الصراع لم يأتِ فقط لتثبيت بُنيتها العسكرية هناك في البحر الأبيض المتوسط، وإنما أيضا من أجل التوسع. ومما لا يقل أهمية، أن انتصارات القوات الروسية في المسرح السوري عزز من وزنها الجيوسياسي في المنطقة وجعل من موسكو لاعبا رئيسيا في هذا الصراع، كما إن مشاركة روسيا في الحرب الدائرة هناك قلّص فرص الجهاديين في كل من سوريا والعراق وكذا زيادة عملياتهم في المناطق التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي وروسيا على وجه التحديد.

بالإضافة إلى كونها قد حقّقت العديد من أهدافها، فإنه لاتزال هناك بعض الأسباب الاستراتيجية للدفع بروسيا إلى مغادرة ساحات المعركة بسوريا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تزعزعت علاقات الكرملين بالدول الرئيسية الداعمة للثوار كتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. فحسب رأي الروس، أن إعادة ربط العلاقات مع هذه الدول تُعد خطوة حكيمة في السياسات الخارجية وتصب في مصلحة البلاد الاقتصادية. فالعلاقات مع تركيا تتطور بسرعة ويعتقد الكثيرون أن هذه التطورات قد تكلف روسيا مواقعها في سوريا.

وفوق هذا كله، هناك عامل نفسي لرغبة روسيا بالانسحاب: فقد خلّف دعمها لنظام الأسد ضحايا في صفوف قواتها، الذين تزايدت أعدادهم في الأشهر القليلة الماضية.

ترتبط هذه المسألة بشكل وثيق بتخوّف روسيا من أن تظلَّ عالقة في سوريا لفترة أطول، ما سيزيد من ارتفاع أعداد الضحايا في صفوف جنودها. فلايزال التوجس يملأ قلوب الروس مما حدث للسوفييت بأفغانستان في 1980. يعتقد الكثيرون أن الوقت قد حان لانسحاب القوات الروسية من سوريا بالنظر إلى الانتصارات التي حققتها موسكو عسكريا على مختلف الجبهات.

لكن هناك قيودا كبيرة ستقف عائقا أمام قدرة روسيا على إخراج نفسها من الصراع في سوريا، فعلى موسكو أن تتفاوض أولا للوصول إلى حل سياسي يجعلها قوية بما يكفي لحماية نفوذها العسكري والسياسي هناك. وهو ما لا يمكن تحقيقه في الوقت الراهن، لأن عملية كهذه تتطلب مشاركة قوات الثوار وحلفائهم كتركيا.

ثانيا، روسيا متخوفة من أن تسعى إيران، حليفها الرئيسي، إلى الاستفادة من فرصة استراتيجية لزيادة نفوذها في سوريا بعد انسحابها.

علاوة على ذلك، هناك احتمال كبير بأن يكون هذا مشابها لما حدث في 2016 عندما أمر الرئيس فلاديمير بوتين بالانسحاب الفوري لمعظم قواته من سوريا بعد خمسة أشهر ونصف من الهجمات الجوية. وعلى الرغم من ذلك، علينا أن نتذكر أن الانسحاب الذي جرى في ذلك الوقت استعمل من طرف الروس كذريعة لاستجماع قواهم في سوريا، في الوقت الذي استمرت فيه عملياتهم مع القوات الموالية للنظام وحلفائهم الإيرانيين.

بالنظر إلى إمكانية انسحاب روسيا من سوريا من منظور أوسع، يَظهر أن دخول روسيا في الحرب كان له بُعد استراتيجي آخر تمثل في اكتساب الزخم بساحة المعركة؛ ما سيشجّع الغرب على جعله أكثر استعداداً للاعتراف بالمصالح الروسية في صراعات أخرى.

ومن بين تلك الصراعات، الصراع الأوكراني. فنِيّات الكرملين واضحة جدا: إذ إن النفوذ السياسي في سوريا من شأنه أن يؤثر في موقف الغرب بخصوص ملف أوكرانيا التي تعد مسرحاً رئيسياً في الأراضي الآسيوية-الأوروبية.

حتى الساعة، نجح الغرب في صد المبادرات الروسية، كما إن عزمه على مواصلة التصدي دليل على الضغوط الذي تمارسها روسيا. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا في آب/ أغسطس الماضي، فيما تشير العديد من التقارير إلى أن الاتحاد الأوروبي سيتبع المزيد من الإجراءات ضد الكرملين والشركات التابعة للحكومة الروسية.

وعلى الرغم من عدم نجاعة هذه الاستراتيجية حتى الآن، إلا أن موسكو لا تزال تأمل أن يحدث العكس. فضرورة هذه الاستراتيجية تجعل من انسحاب القوات الروسية من الصراع السوري مستبعدا في الوقت الحالي. فدون وجوده بسوريا، فإن الكرملين يواجه خطر فقدان ورقة للمساومة وإمكانية تغيير وضعه المتضعضع في أوكرانيا.