الأثنين 2019/07/22

بلومبرغ: هذا ما يمكن أن تحققه صفقة روسية أمريكية في سوريا

بقلم: رام يفنه

المصدر: بلومبرغ

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن من مصلحة القوى الكبرى في سوريا منع نشوب القتال وعدم الاستقرار في المنطقة، لذا فإن عليها أن تكاثف جهودها لتحقيق ذلك.

تقترب الحرب السورية من نهايتها، لكن لا تزال البلاد بؤرة للتوتر ومن شأنها أن تشكل تهديدا على المصالح الإسرائيلية والأمريكية. هناك طريقة واحدة لتقليل خطر الدخول في حال عدم الاستقرار، وإعطاء الأمل للسوريين الذين أنهكتهم الحرب وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للقوى العظمى: التوصل إلى صفقة أمريكية روسية وهو أمر لا يبدو بعيد المنال.

بحلول نهاية عام 2018 كانت قد انتهت أسوأ مراحل القتال في سوريا، حيث لقي نحو نصف مليون شخص مصرعهم، وخلفت خسائر تقدر بنحو 400 مليار دولار، كما أجبر نصف السكان على الفرار من منازلهم وغادر نحو 5.5 مليون لاجئ سوريا في حين شرد الباقون داخليا.

ومع ذلك، فمن الصعب تقييم المخاطر التي ما تزال قائمة: إذ لم يتم القيام بأي نوع من التأهيل المدني أو الاقتصادي في دولة دمرتها الحرب، كما لا تزال الأسلحة منتشرة على نطاق واسع. في الوقت الذي يتزايد فيه الغضب العام من النظام القمعي الذي يدير البلاد. يحكم المتطرفون منطقة إدلب الواقعة شمال غرب سوريا هذا بالإضافة إلى انتشار القوات الأجنبية في البلاد على نطاق واسع.

لا يمكن اعتبار اندلاع الاقتتال من جديد أمرا مستبعدا. فحتى لو استطاع نظام بشار الأسد تحقيق نوع من الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها، فإن تقدم القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا وفي لبنان، يهدد المصالح الإسرائيلية والأمريكية، ويشجع إيران على اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد خصومها السنة. كما إن احتمال وجود كيان سني متطرف شرق سوريا، يهدد استقرار كل من العراق والأردن، وستزيد حدة هذه المخاطر إذا ما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا.

على الرغم من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق بشأن سوريا والحفاظ على المصالح الاستراتيجية لكلا اللاعبين. وللقيام بذلك على كلا الطرفين تقديم تنازلات معقولة.

فما هي أبعاد الصفقة روسية أمريكية المرتقبة؟

أولا، ستعترف هذه الصفقة بفوز نظام الأسد الآن، وتؤخر عملية الانتقال السياسي التي فرضتها الأمم المتحدة في سوريا. ستوافق الأطراف الموقعة على تمويل عملية إعادة التأهيل الاقتصادي في سوريا، الذي سيشكل حافزا كبيرا للأسد للقبول بهذه الصفقة.

بالمقابل، ستصر الأطراف الموقعة على انسحاب جميع القوات الإيرانية من سوريا وقطع إمدادات الأسلحة غير القانونية عن البلاد. كما ستؤكد هذه الأطراف على حق "قوات سوريا الديموقراطية" والمجموعات السنية والكردية في الحفاظ على حكم ذاتي شرق وشمال سوريا كحصن ضد أي عودة جديدة لتنظيم الدولة.

من الناحية العملية، سيتعين على روسيا استثمار الكثير على المستوى العسكري والسياسي لضمان الانسحاب العسكري الإيراني ومراقبة الحدود لمنع انتشار المقاتلين وتجارة الأسلحة. وهذا يعني منع إيران وحزب الله وتنظيم الدولة والفصائل المتطرفة الأخرى الموالية لإيران من القيام بأي عمل عدواني على الأراضي السورية من شأنه أن يستهدف الدول المجاورة.

ما الذي سيدفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للموافقة على هذه الصفقة؟

ستحقق روسيا هدفها المتمثل في إبقاء الأسد في السلطة وجني بعض الفوائد الاقتصادية من خلال عملية إعادة تأهيل سوريا. سوف تحصل أيضا على اعتراف عالمي وإقليمي بدورها الرئيسي في تقرير مصير سوريا، وهو أمر من المرجح أن يلقى ترحيبا كبيرا لدى فلاديمير بوتين.

بالنسبة للولايات المتحدة، ستجني الكثير من الفوائد على المستوى السياسي.

أولا، من شأن صفقة كهذه أن تدعم الاستقرار الإقليمي مع التصدي للتهديدات التي يواجهها الحلفاء الأمريكيون في الشرق الأوسط وخاصة إسرائيل.

ثانيا، سيكون الاتفاق جزءا من الحملة الأمريكية ضد العدوان الإقليمي الإيراني.

ثالثا، من شأن هذه الصفقة أن تحدد الخطوط العريضة للمشاركة الأمريكية المستقبلية في سوريا والعراق، مع مشاركة مباشرة أقل في سوريا (واستمرار الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديموقراطية) وإيلاء الاهتمام اللازم للعراق والقضايا الإقليمية الأخرى.

بالنسبة لإسرائيل، ستراعي صفقة مصالحها الرئيسية على المسرح السوري: كبح جماح النفوذ العسكري الإيراني، وإضعاف حزب الله اللبناني عن طريق قطع خطوطه اللوجستية في سوريا.

من الواضح أن مثل هذا الاتفاق له عدة مخاطر، بما في ذلك معارضة النظام الإيراني ونظام الأسد، وكذلك الاستياء التركي من حصول الأكراد على حكم ذاتي (على الرغم من التحول السياسي في سوريا، ومنع حدوث موجة أخرى من اللاجئين).

من المحتمل أن تحدث انتهاكات من قبل الأطراف الموقعة على الاتفاق،

كما حدث بعد اتفاقية خفض التصعيد جنوب غرب سوريا التي وقعتها كل من الولايات المتحدة وروسيا والأردن عام 2017. لتفادي هذا الأمر، يجب الفصل بين الصفقة السورية والصفقة النووية الإيرانية، كما يجب أن تكون دوافع الاتفاق محددة وواضحة، ويجب وضع خطة عملية للإشراف على تطبيق بنود الاتفاق.

من شأن اتفاق على هذا المنوال أن يراعي المصالح الأمريكية والإسرائيلية، والأهداف الروسية، ويخفف من حدة التوتر في المنطقة. الأهم من ذلك كله، أنه سيحقق الاستقرار والسلام للشعب السوري بالمستقبل، في ظل عدم وجود بديل أفضل.