السبت 2018/09/29

انقسام في واشنطن حول مهمة القوات الأميركية في سوريا


المصدر: فورين بوليسي

بقلم: لارا سيلغمان

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


من الناحية العملية، على الولايات المتحدة استعمال قواتها في سوريا لمحاربة مقاتلي تنظيم الدولة، لكن البيت الأبيض يريد استعمالها لمحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة.

باعتبار "جيمس ماتيس" قائداً سابقاً لعمليات قوات المشاة البحرية (المارينز) في الشرق الأوسط عام 2013، حيث أقاله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بسبب وجهات نظره المتشددة بخصوص إيران، يجد اليوم ماتيس نفسه، كوزير للدفاع، مرة أخرى في موقف صعب بخصوص السياسة الأمريكية تجاه طهران، لكنه هذه المرة عرضة للضغوط التي يمارسها صقور إدارة ترامب.

عملت إدارة الرئيس دونالد ترامب في الأشهر الأخيرة الماضية على زيادة الضغوط الاقتصادية، كما زادت من حدة اللهجة التي تستعملها لمخاطبة القادة الإيرانيين. فقد وجه مستشار الأمن القومي جون بولتون، هذا الأسبوع، تهديداً مباشراً يحذر فيه من مغبة استمرار طهران في "تجاوز" الولايات المتحدة وحلفائها.

قال بولتون خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: "سيواجه هذا النظام المجرم وحلفاؤه عواقب وخيمة ما لم يقوموا بتغيير سياساتهم"، مضيفاً "فلتكن رسالتي واضحة اليوم، نحن على اطلاع بما يحدث وسنلاحقكم".

في تصريح له، أعلن بولتون اعتزام الولايات المتحدة على إبقاء قواتها العسكرية في سوريا، طالما أن إيران لديها قوات هناك. وهو ما جاء على نقيض تصريحات البنتاغون التي أكدت لفترة طويلة أن الغرض من وجود نحو 2000 جندي أمريكي في سوريا هو ضمان هزيمة مقاتلي تنظيم الدولة بشكل كلي.

يجب أن يتعامل ماتيس الآن بحذر مع اللهجة العدائية للإدارة الأمريكية المتزايدة ضد إيران والطموحات الإقليمية الأمريكية، ومع مخاوف من توسيع نطاق مهمة الولايات المتحدة في سوريا.

في الواقع، من المحتمل أن يكون لماتيس وبولتون المخاوف نفسها بشأن إيران، بحسب ما يرى خبراء. لكن وزير الدفاع لديه من الأسباب ما يكفي للتعامل بحذر مع الملف السوري. أولاً، يرفض صنّاع السياسات في الكونغرس توسيع المهمة الأمريكية في سوريا ويعتبرونها غير قانونية، حيث تستند المهمة بشكل قانوني على محاربة الجماعات المسلحة غير التنظيمية، وليس إيران. في الوقت نفسه، قد يشكل تصعيد كهذا خطراً حقيقياً على القوات الأمريكية على الأرض من قِبَل وكلاء إيران والقوات الموالية لبشار الأسد، وكذا القوات الروسية.

وتعقيبا على هذا الأمر، قالت مليسا دالتون، وهي محللة سياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "لعل ما يقلق ماتيس هي العواقب التي ستواجهها القوات الأمريكية في أرض المعركة (على سبيل المثال، تعرضها لهجوم مضاد من طرف وكلاء إيران وروسيا)، لذا فهو حذر بشأن تصريحاته العلنية، بالنظر إلى مخاوف الكونغرس بشأن السلطات القانونية المتعلقة بالمهمة الأمريكية في سوريا".

مضيفة، "من المرجح أن ماتيس لم يشأ إبداء رأيه بشكل استباقي أمام البيت الأبيض في ظل هذه الأجواء السياسية الحالية".

بعد تصريحات بولتون، أكد ماتيس خلال تصريح له لمجموعة من الصحفيين في البنتاغون يوم الإثنين الماضي أن سياسات الولايات المتحدة تجاه سوريا لم تتغير.

قال ماتيس "من الواضح أنه يجب علينا تدريب قوات الأمن المحلية حتى لا يتمكن تنظيم الدولة من إعادة حشد قواته، ولا أظن أن هذا القرار يعتبر تغييراً في الموقف الأمريكي، إذ إننا ضد عدو غير تقليدي، بعكس القوات التقليدية التي يمكن أن تعيد تشكيل صفوفها على الفور. لقد ظل موقفنا على حاله لأكثر من سنة ونصف ".

ومع ذلك، أصر ماتيس أنه وبولتون "يسعيان لتحقيق الهدف نفسه".

لم تكن تصريحات ماتيس كافية للتخفيف من ردة فعل الكونغرس. إذ تساءل أعضاء في الكونغرس يوم الأربعاء عن دور الجيش الأمريكي في سوريا، حيث قاموا باستجواب مسؤولين في البنتاغون حول ما إذا كانت القوات الأمريكية ستبقى في البلاد لمواجهة إيران.

وكان "روبرت ستوري كارم"، مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، قال للكونغرس إن التفويضات الحالية، التي استخدمتها الإدارة الأمريكية لإبقاء القوات في سوريا وأفغانستان لمحاربة الجماعات المسلحة، لا تغطّي العمليات ضد إيران.

لكنه شدّد بدوره على أحقّية الولايات المتحدة في الدفاع عن مصالحها قائلاً " بغض النظر عن مكان وجودنا، فإن لقواتنا الحق في الدفاع عن نفسها إذا اقتضى الأمر ذلك".

كما أشار إلى أن استمرار وجود القوات الأمريكية في سوريا "يساهم" في ردع إيران، لكنه فصل بين الأنشطة العسكرية الأمريكية والأهداف السياسية لهذه الأخيرة.

وقال "من الواضح أن التصدي لإيران وأنشطتها العدائية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك سوريا، يأخذ أولوية كبيرة بالنسبة الولايات المتحدة، بما في ذلك في سوريا.. لكنني أعي مع ذلك الفرق بين أهداف سياستنا بشكل عام وبين الأنشطة العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة هناك".

لكن بعض المشرّعين للسياسات الأمريكية في الكونغرس لم يقتنعوا بهذه التصريحات.

قال سيث مولتون، وهو عضو في مجلس النواب عن ولاية ماساتشوستس، "يوحي هذا الكلام لي وكأننا قمنا بإرسال قواتنا إلى سوريا من أجل التصدي لإيران، خاصة أن انسحاب القوات الأمريكية يعتمد، على ما يبدو، على الخطوات التي ستقوم بها إيران مستقبلاً، وليس على العمليات التي يقوم بها تنظيم الدولة أو على هزيمته"، مضيفا أن مهمة ردع إيران في المنطقة تتطلب تفويضاً من الكونغرس.

في وقت لاحق من ذلك اليوم، زاد معارضو سياسة ردع إيران في الكونغرس. فقد قامت مجموعة من أعضاء في مجلس الشيوخ بسن تشريعات تهدف إلى منع دخول الولايات المتحدة في حرب "غير دستورية" مع إيران. إذ سيحظر التشريع على الولايات المتحدة إنفاق المزيد من الأموال التي قد تؤدي إلى حرب مع إيران دون موافقة صريحة من الكونغرس، يرى التشريع نفسه بأن شن هجوم استباقي على طهران غير قانوني بمقتضى قانون الحرب والدستور.

وقال السناتور توم أودال، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: "إن الاستراتيجية التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية بخصوص إيران تعتمد نفس قواعد اللعبة التي دفعتنا إلى الدخول في حرب فاشلة ضد العراق، والكونغرس بحاجة إلى تأكيد سلطته الدستورية ووضع حد لهذه النزعة الساعية للدخول في حرب جديدة".

يقول الخبراء إنه عبر استخدام تفويض الكونغرس لعام 2001 لاستخدام القوة العسكرية لتبرير بقاء القوات الأمريكية في سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة، فإن الإدارة ستكون على أرضية قانونية هشة. في حين يرى دالتون أن هذا القول "يستند على أساس ضعيف".

وقال مايكل أوهانلون، وهو خبير في مؤسسة بروكينغز، إنه ليس لدى الإدارة الأمريكية حجة قانونية قوية للبقاء في سوريا. في حين لا يزال بإمكانها القول إن إبقاء القوات الأمريكية هناك هو بهدف "منع عودة ظهور تنظيم الدولة من جديد".

وقال دالتون: "قد يكون إصرار ماتيس على مبرر هزيمة تنظيم الدولة بسبب الأسئلة القانونية التي قد تطرح فيما بعد".

ومع ذلك، فقد كان ماتيس واضحاً بخصوص طهران، بما في ذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأخيرة لإنهاء الصراع الذي يستمر منذ سبع سنوات في سوريا.

وقال ماتيس في تصريح للصحفيين: "أينما وجد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ستجد إيران... إذن بهدف إنهاء عملية جنيف (بهدف إنهاء الحرب السورية)، فعلى إيران القيام بدورها، وهو التوقف عن إثارة المشاكل.