الأربعاء 2018/03/07

انبثاق شراكة ديكتاتورية: ما الذي يدفع معمّماً شيعياً إيرانياً، وشيوعياً كورياً، ولصاً روسياً، وابن امبراطور صيني لدعم طاغية ضعيف كبشار الأسد؟

المصدر: نيويورك تايمز

بقلم: بريت ستيفن

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


محور الشر:

ذكرت صحيفة "التايمز" الأسبوع الماضي أن محققي الأمم المتحدة قاموا بتجميع ملف يتألف من أكثر من 200 صفحة تحتوي على أدلة موسعة حول تزويد كوريا الشمالية لنظام بشار الأسد بمواد تصنيع الأسلحة الكيماوية وأجزاء من الصواريخ الباليستية. فقد حاولت بيونغ يانغ في السابق تزويد الأسد بمفاعل نووي، وقام الإسرائيليون بتدميره في غارة جوية عام 2007.

بيونغ يانغ ليست وحدها من يساعد الأسد. ففي تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، قامت موسكو - التي تزود الأسد بالقوات الجوية لقصف شعبه - باستخدام حق النقض للمرة الحادية عشر للدفاع عن نظام الأسد في مجلس الأمن لعرقلة عمل لجنة منفصلة من الخبراء المكلفين بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيمياوية في سوريا. كما قامت بكين باستخدام حق الفيتو الخاص بها لمساعدة الأسد في ست مناسبات كذلك.

هناك أيضا إيران التي استثمرت الكثير لبقاء الأسد منذ بداية الثورة ضده عام 2011. فمن خلال وكيلها اللبناني "حزب الله"، قدّمت طهران للأسد أكثر قواته فعالية ووحشية.

فما الذي يدفع مُعمَّماً شيعياً إيرانياً وشيوعياً كورياً ولصاً روسياً بالإضافة إلى ابن امبراطور صيني لدعم طاغية ضعيف وَهِن كبشار الأسد؟

لا يطرح هذا السؤال بما فيه الكفاية. فلا أحد منهم يتقاسم حدوداً أو لغة أو ديناً أو أيديولوجيا سياسية مع الأسد. لكن كل واحد منهم قد دفع ثمناً نتيجة لتدخله.

تجدر الإشارة إلى أن إيران فقدت نحو 500 جندي بينهم 16 جنرالاً على الأقل في سوريا منذ العام 2012، وفقاً لما أعلنه مجلس الأطلسي في الوقت الذي تواجه فيه ردة فعل شعبية في الداخل ضد سياستها بسوريا.

ربما تكون روسيا قد فقدت العشرات من مرتزقتها في المواجهة المُهينة الأخيرة مع القوات الأميركية، بالقرب من نهر الفرات. بغض النظر عما يفعله كيم جونغ-أون في سوريا، فلن يغتني من التجارة هناك.

ثم مرة أخرى، هناك مصالح تتجاوز الأرواح والمال، بعضها ضيق الأفق بشكل نسبي. تسعى إيران إلى الحفاظ على ما يسمى بالهلال الشيعي. وتأمل روسيا في استخدام موقفها بسوريا للمساومة والحصول على تنازلات بشأن أوكرانيا. أما الصين فهي تريد إعادة بناء سوريا عند انتهاء الحرب، أما بالنسبة لكوريا الشمالية فهي مجرد دولة شريرة.  لكن هناك مصلحة جماعية مشتركة لإقامة محور ديكتاتوري كهذا.

المصلحة الأولى: إفشال ثورة شعبية ضد حكم استبدادي:

وهذا أمر أساسيّ، فهم لا يعتبرون سوريا دولة، بقدر ما هي مجرد ساحة لاستعراض شراكتهم الديكتاتورية، التي يكون الغرض الرئيس منها هو إظهار أن المقاومة لا تُجدي نفعاً. لهذا السبب فإن روسيا لا تتوقف عن قصف المستشفيات المدنية، كما لا يتوقف حزب الله عن تجويع مدن بأكملها بقصد إخضاع أهلها ودفعهم للاستسلام، ولا يتوقف الأسد عن استخدام الأسلحة الكيمياوية. وهم يظهرون لشعوبهم ما يمكنهم فعله ومدى وحشيتهم في سبيل الحفاظ على بقائهم في السلطة.

المصلحة الثانية: إبراز عدم أهلية أمريكا كحليف موثوق يحمي المعايير العالمية:

بغض النظر عن اختلافاتهم، تُعتبر كل من إيران وكوريا الشمالية وروسيا والصين أنظمة رجعية. فما يريدون محوَه أو إزالته، هو السلام الأميركي.

في سوريا، لديهم حليف، وقضية ونتائج معقولة. أما أميركا فتجد نفسها أمام كتلة من التناقضات. فضلا عن الكارثة الإنسانية، فقد حلت كارثة بسمعتها، إذ لم تدعم الولايات المتحدة حلفاءها المحليين، كما لم تقم بتطبيق القوانين الدولية بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، بالإضافة إلى أنها لم تُعدّ وتنفذ استراتيجية تتفق مع سياستها المعلنة.

بغض النظر عن مصالح أميركا الإقليمية والتزاماتها الأخلاقية عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن لديها مصلحة قومية حيوية في إحباط طموحات إنشاء شراكة ديكتاتورية هناك.

يمكن لأمريكا أن تغير سمعتها المتدهورة من خلال تقديم المزيد من الدعم لحلفائها الأكراد ضد أعدائهم كما فعلت بعد حرب الخليج عام 1991. يمكننا محو عار استخدام الأسلحة الكيماوية، من خلال ضرب منشآت الأسد العسكرية في كل مرة يستخدم النظام هذا النوع من الأسلحة. يمكن أن نجد طرقاً سرية لتكبيد روسيا خسائر عسكرية جمة جراء تدخلها في الحرب السورية.

يمكن لأمريكا القيام بهذا كله، من دون أن تثقل كاهلها كما حدث في العراق، مع الأخذ بعين الاعتبار مهمة تأمين مستقبل سوريا.

يحتاج هذا الأمر إلى إدارة قادرة على وضع وتنسيق وتنفيذ استراتيجية عسكرية ودبلوماسية متّسقة،  وأمريكا لا تملك هذه الاستراتيجية.  كما يحتاج الأمر إلى رئيس يفهم منافع السلام الأميركي، ولا يفكر في السياسة الخارجية على أنها سلسلة من المسلّمات، وأن يكون قادرا على تجميع الحلفاء حول قضية عامة، ويدرك أن قيم أمريكا الليبرالية هي الشروط المسبقة الكبرى لقيادتها العالمية. لكن أمريكا لا تملك هكذا رئيس.

وقبل كل شيء، يحتاج الأمر إلى الإيمان بعالم حر: بمبادئه وأخلاقه المشتركة، ومصالحه الكبرى، وطموحاته على المدى البعيد. فلم يخلُ العالم يوماً من محور للشر، وها هو يعود من جديد.. تحتاج قضية الحرية نفَساً جديداً.