الخميس 2017/09/28

المقصود بالمناطق “المحررة” في سوريا ( مترجم )

عن موقع: ميد إيست آي – الموقع لم يفصح عن اسم الكاتب "حفاظاً على سلامته"

ترجمة : مركز الجسر للدراسات

 

حرب السوريين الكبرى لازالت مستمرة ضد الأسد، ولن تنتهي عبر مباحثات سلام  تضفي الشرعية على رؤية النظام لمفهوم "التحرير".

صرح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا قائلا إن "لحظة الحقيقة قد اقتربت" بخصوص مستقبل الحرب في سوريا، وذلك في مطلع هذا الشهر خلال حديث له عن العمل الذي تقوم به فرقة العمل الإنساني التابعة للأمم المتحدة.

فمع تقدم قوات النظام في دير الزور واقتراب هزيمة تنظيم الدولة في الرقة، صرح دي ميستورا أن عملهم أوشك على الانتهاء، شأنُهم شأن الكثير من اللاعبين الخارجيين الذي أصبحوا طرفاً في الحرب ضد تنظيم الدولة، أو كما عبر عنها دونالد ترامب بالقول إن "تدمير" تنظيم الدولة قد اكتمل، فبالنسبة لكل من دي ميستورا والأمم المتحدة فهذا يعني تحول تلك المناطق إلى "مناطق محررة".

وقد صرح دي ميستورا خلال مؤتمر صحفي له في 6  أيلول/ سبتمبر الماضي بالقول " بالنسبة لنا ستصبح دير الزور محررة عن قريب، وستليها  بعد ذلك الرقة إذ إنها مسألة أيام أو عدة أسابيع فقط".

من المهم النظر إلى كيفية استعمال مصطلح " المناطق المحررة" في القرن الحادي والعشرين بمنطقة الشرق الأوسط، إذ يستعمل قصداً كناية عن العمليات المناهضة لتنظيم الدولة. فالغرب والعرب ربطوا مفهوم النصر الذي يُتوّجُ ضد الجماعات الإسلامية بمفهوم التحرير، وكأن هذه الجماعات هي وحدها من يهدد المفاهيم التقدمية للعدالة والأمن.

في تموز/ يوليو 2017،  أعلن الجنرال خليفة حفتر، (الذي كان مارشالاً ميدانيا في عهد معمر القذافي) "تحرير" بنغازي من " الإرهاب" ووصفه " بالتحرير الكامل الذي يعد انتصاراً للكرامة" بعد دخول جيشه في حرب مع العديد من المليشيات من ضمنها  مجموعة "أنصار الشريعة" التي تنتمي للقاعدة.

وفي مفارقة غريبة من نوعها، قام التحالف الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن- التي أودت بحياة مئات المدنيين جراء القصف الجوي وتفشي فيروس الكوليرا الذي يعد الأسوأ من نوعه في العالم-، بوصف المناطق التي أُخرِجَ منها تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية "بالمناطق المحررة".

 

تجاهل للفعاليات المحلية:

هذا لا يعني أن القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة لا يعتبر أولوية في المنطقة، لكن التساؤل المطروح هو الغاية من استعمال مصطلح كهذا لوصف مناطق كدير الزور والرقة ومقارنتها بمدن سورية أخرى يقوم المدنيون فيها بتوثيق نشاطات كل من النظام ومجموعات المعارضة عبر وسائل إعلام مستقلة، أو مقارنتها بإدلب التي  أجرت انتخابات المجالس المحلية دون تدخل من النظام أو العناصر الإسلامية المسلحة مطلِع هذه السنة.

لقد ربط كل من الغرب والعرب مفهوم النصر الذي يتوج ضد الجماعات الإسلامية بمفهوم التحرير، وكأن هذه الجماعات هي وحدها من يهدد المفاهيم التقدمية للعدالة والأمن، متجاهلين بذلك الأنظمة الاستبدادية التي تتواجد في عُمق هذه المجتمعات. إذ يعمل هذا النوع من السرد على سحب الشرعية بشكل دائم عن الممارسات التي يقوم بها المواطنون المحليون لهذه المناطق.

فقد استعمل لفظ "المناطق المحررة" بشكل كبير كناية عن المناطق التي كانت تخضع لتنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق ( وكذا الموصل التي حررت حديثا).

فخلال سنوات الصراع السوري بالتحديد، لم يستخدم اللاعبون الدوليون مصطلح  "التحرير" لوصف المناطق التي تخضع لسيطرة المدنيين كما حدث في الزبداني.

ومع منتصف 2012 عندما كانت المدينة محاصرة، قام مدنيو هذه المدينة الواقعة بريف دمشق بإجراء انتخابات ديموقراطية مؤقتة لحكم مركزي يضمن استقلال مجلسها البلدي.  وفي مطلع هذه السنة وبعد سنوات من الحصار، رُحّل المدنيون الذين ظلوا في المدينة إلى إدلب كجزء من الاتفاق الذي جرى بين كل من الثوار والنظام. لكن لا يجب أن ننسى دور الإدارة المركزية التي أقامها سكان المدينة طيلة تلك السنوات.

ذريعة من أجل نزع الملكية:

نحتج على كثرة خطابات المجتمع الدولي وقلة فعله، لكن تبقى اللغة التي يستعملها مهمة، كما إن للهجة المستعملة من قبله دوراً في تحديد المسار الدبلوماسي. إذ تقوم تلك اللغة في معظم الوقت بتسليط الضوء على الصراع القائم بين " الجهاديين وبقية العالم"، عوض الاعتراف بالدور السياسي للشعب السوري بغض النظر عن حجمه سواء كان كبيراً أو صغيراً منذ بداية الثورة.

ومن المرجَّح أن تكون هذه المناطق التي خضعت لحكم مركزي قد قامت بالتفاوض مع قوات المعارضة -بما في ذلك المقاتلون الإسلاميون- وكذا قوات النظام، وبالخصوص عندما يتعلق الأمر بتأمين الطعام والموارد لسكان تلك المناطق. لكن النقطة الأساسية في استمرار قدرة هذه المناطق على تسيير أمورها الإدارية أنها لم تكن خاضعة لاستبداد البعثيين والإسلاميين.

فماذا نقصد بالمناطق المحررة في سوريا ؟

هل تعني تحرّراً زائفاً مؤقتاً يُمكّن الهياكل السياسية والاجتماعية السورية السابقة من استعمال الترهيب والإكراه من أجل استعادة سيادتها ؟

لطالما كان تحديد المناطق الجغرافية المحررة في الحرب الأهلية السورية غير موضوعي، فقد وصفت المعارضة السياسية من طرف النظام وحلفائه الدوليين بأنها "مجموعة متجانسة من الإرهابيين"، وأثّر هذا التصنيف في البيئة البنيوية للبلاد.

في 2012، قام بشار الأسد بإصدار المرسوم التشريعي رقم 66 وهو قانون يسمح بإعادة تطوير "مناطق السكن غير المصرح بها والمستوطنات العشوائية".  ويسمح للمشاريع الحضرية كبساتين الرازي في دمشق بمباشرة العمل، على الرغم مما اعتقده الكثيرون، ومن بينهم الصحفي طوم رولينز الذي أفاد في تقرير له بأن هذه المشاريع ما هي إلا ذريعة من أجل نزع ملكية معارضي النظام قسراً، وهندسة تغييرٍ ديمغرافي مستقبلي.

عندما قام الأسد بإعلان المرسوم التشريعي 66، اعتبر وزير الإدارة المحلية، عمر إبراهيم غلاونجي القرار "خطوة رئيسية في إعادة بناء المناطق السكنية غير القانونية، وخاصة المناطق التي تستهدفها الجماعات الإرهابية المسلح"” كما جاء في تقرير رولينز.

كما روجت المنابر الإعلامية الحكومية تطوير "بساتين الرازي" بحجة مماثلة، وهي أنه بعد رحيل "الإرهابيين"، يمكن البدء في العمل الجاد لإعادة بناء سوريا. وأطلقت عدة مشاريع لإعادة الإعمار في بابا عمرو بحمص، الذي كان فيما قبل معقلاً للثوار، ويتوقع المراقبون أن تكون المناطق الواقعة شرق حلب هي التالية.

 

الوقوع في الشرَك نفسه :

إن استعمال النظام لغة الاستقطاب واللغة الأمنية ليس مستغرباً، بالنظر إلى طموحه بالبقاء في السلطة. لكننا نرى الآن المجتمع الدولي مذعناً وغير قادر على إيجاد حلول لا تتضمن بقاء نظام الأسد في فترة ما بعد الحرب في سوريا. و تعتبر مباحثات أستانا دليلا على ذلك، بالإضافة إلى المفاوضات الحالية التي ترتكز بالأساس على مفهوم "خفض التصعيد". لكن يبقى السؤال المطروح .. ماهي آثاره؟ وما المقصود بـ"خفض التصعيد" في الحقيقة؟؟

فحرب السوريين الكبرى لازالت مستمرة ضد الأسد، ولن تنتهي عبر مباحثات سلام  تضفي الشرعية على موقف النظام:

إن ما يحاول المجتمع الدولي اليوم قوله هو أن مخطط القضاء على الإسلام المتطرف قريب من نهايته، وأن الحرب أوشكت على نهايتها، وأن أي تقدم عسكري للنظام وحلفائه يجب تجاهله لصالح عمليات السلام، والتي غالباً ما تنتهي بالفشل في الشرق الأوسط، "فعمليات السلام" التي تجري بين الطرفين الإسرائيلي-الفلسطيني خير دليل على ذلك.

وقد أوضح دي ميستورا قائلاً "بالنسبة للمعارضة الرسالة واضحة للغاية: إذا كنتم تخططون للفوز بالحرب فإن الحقائق تثبت أن هذا ليس هو الوضع. لذلك آن الأوان الآن للفوز بالسلام من خلال التفاوض وتقديم تنازلات من كلا الطرفين".

وكأن الحرب والسلام مفهومان منفصلان، بل وكأن النظام- من خلال مساعدته في ظهور تنظيم القاعدة في سوريا والإفراج عن السجناء المسلحين في مطلع هذه الحرب- لم يساهم في إطالة أمد المتطرفين الإسلاميين في المنطقة، والتي تحوّلت فيما بعد إلى ما يعرف بتنظيم الدولة. لكن كلاً من الحرب والسلام، والنظام وكذا تنظيم الدولة كلها مفاهيم تدخل في نفس الإطار إلا أنها لا تعتمد على بعضها.

فحرب السوريين الكبرى لازالت مستمرة ضد الأسد ولن تنتهي عبر مباحثات سلام  تضفي الشرعية على موقف النظام في البلاد وتحقق تحريراً جزئياً. كما إن تصريحات دي ميستورا لا تعدو أن توضع في خانة الخطابات المستهلكة -التي لا تنفك تعاد على مسامعنا إلى حد الإصابة بالغثيان- التي تدعو إلى ضرورة وجود عمليات سياسية بين كل من النظام و"المعارضة".

بعد سبع سنوات من الحرب، وقبلها بعدة سنوات عندما قام كل من النظام والمجتمع المدني بالخوض في مفاوضات سطحية كجزء من ربيع دمشق، ماهي فرص تحقيق السلام؟

 

التحرير الحق:

سترعى كل من إيران وروسيا وتركيا الجولة التالية من مباحثات جنيف المزمع انعقادها في تشرين الأول /أكتوبر، وعلى الرغم من معرفتهم الحقة بماهية الصراع القائم إلا أنهم يُظهرون تحيزهم بشكل صريح. وقد شهدت هذه المباحثات انسحاب مجموعات المعارضة لانعدام ثقتها بالتطبيق العملي للقرارات التي سيتم التوصل إليها إذا كانوا سيضطرون إلى الاعتماد على النظام وحلفائه في ذلك.

فوصف تلك المناطق بـ "المناطق المحررة" إنما هي إشارة قذرة بعيدة كل البعد عن  عمق سياسي يتطرق إلى جذور القمع في البلاد الذي يعد السبب الرئيسي خلف ارتباط مفهوم التحرير ببعض المناطق دون غيرها وليس على مستوى البلاد ككل.

لذا على كل من دي ميستورا والأمم المتحدة وكذا المجتمع الدولي أن يتفقوا على سرد متجانس من أجل الوصول إلى حل سلمي في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا، حل يأخذ بعين الاعتبار العراقيل الأساسية لضمان عملية سلام دائمة؛ فالنظام والمجتمع الدولي غير قادرين على التكهن إذا ما كان الأسد سيلتزم بالحلول السلمية - التي سيتفق عليها كل من النظام والمعارضة- من أجل تحقيق العدالة والسلام في سوريا على المدى البعيد.