الخميس 2019/01/10

المعضلة السورية.. من أوباما إلى ترامب

بقلم: مايكل هيرش

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

ثمة سبب يجعل استراتيجية الرئيس ترامب بخصوص سوريا مرتبكة مثلما كان أوباما قبله. الحرب في سوريا حرب خاسرة لا يمكن الفوز فيها.

لا شك في أن ارتباك الرئيس دونالد ترامب بشأن استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا –تارة يريد سحب القوات الأمريكية من سوريا وتارة أخرى يريد الإبقاء عليها هناك- ليس الأول من نوعه. خلال فترة ولايته الثانية بأكملها، بدا الرئيس باراك أوباما مرتبكا حول سوريا كما هو الحال اليوم مع ترامب.

هناك سبب يدفع هذين الرئيسين المختلفين إلى المعاناة من نفس المعضلة: بالنسبة لواشنطن، لا يمكن الفوز في الحرب السورية.

على العموم، فقد أصبحت سياسة الولايات المتحدة بخصوص سوريا من خلال الاستراتيجية التي اتبعها كل من أوباما وترامب، متسامحة إلى حد ما مع الأسد عوض البحث عن بديل آخر أو النظر في الاتجاه الآخر. بالتأكيد يمكن القول إن بإمكان الولايات المتحدة أن تقدم المزيد من المساعدات الإنسانية، إلا أنه لا يوجد الكثير أمام واشنطن لتفعله. إذا لم يشعر الروس والإيرانيون بالندم بخصوص الدعم الذي يقدمونه للأسد، فهم يقومون بعمل أمريكا القذر، يقتلون الجماعات المتطرفة (إلى جانب الآلاف من الأبرياء)، وبتكلفة زهيدة فيما عدا صورتها كمتبرع عالمي.

هذه هي سياسة أمريكا غير المعلنة بخصوص سوريا. يرى العديد من المحللين أنه أفضل ما يمكن لواشنطن أن تقوم به بالنظر إلى التقديرات بشأن مصالحها الوطنية دون أن يؤدي ذلك إلى نتائج سيئة.

على مدى السنوات العديدة الماضية، أزاح أعداء الولايات المتحدة بعضهم بأعداد كبيرة: المتطرفون في سوريا من جهة، وحزب الله الشيعي المدعوم من إيران، بالإضافة إلى حكومة الأسد، من جهة أخرى.

إن وجود أو غياب نحو 2000 جندي أمريكي - يقدمون الدعم العسكري للأكراد في شرق البلاد بشكل أساسي- لن يفعل شيئًا يذكر لتغيير أي شيء من هذا. فضلا عن أن المصالح الأمريكية في سوريا التي وصفها ترامب الأسبوع الماضي بأنها عبارة عن "رمل وموت"، لا تكاد تذكر ولا تحوي أي قيمة استراتيجية حقيقية. صحيح أن ما يحدث في سوريا كارثة إنسانية مروعة، لكن واشنطن لا تسعى إلى التدخل، وذلك منذ كارثة العراق وليبيا. الواقع أنه من خلال التملّص لسنوات حول ما يجب فعله، وتقديم دعم محدود للثوار، ربما ساهمت واشنطن في تمديد أمد الحرب وجعل الأزمة الإنسانية أسوأ بالنسبة لسوريا وأوروبا التي عانت من تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة.

يبدو أن ترامب قد أوضح ذلك في تصريحاته المرتجلة في اجتماع إدارته بالبيت الأبيض الأسبوع الماضي، عندما تراجع على مضض عن الانسحاب السريع بقوله إن الوجود الأمريكي كان من أجل الحفاظ على الثقة التي تربطنا مع الأكراد. مضيفا "نريد حماية الأكراد.. لكنني لا أريد أن نظل في سوريا إلى الأبد"، فهي عبارة عن " رمال وموت".

يقول جوشوا لانديز، خبير في شؤون سوريا في جامعة أوكلاهوما، والذي كان واحداً من القلائل الذين توقعوا بقاء الأسد في السلطة: "هذه هي الحقيقة تماما" مضيفا: "لا تعد سوريا دولة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة".

لا يتفق الجميع مع وجهة النظر هذه بطبيعة الحال، وهو ما دفع بترامب إلى التراجع عن قراره الآن. كان يسعى صقور إيران، أمثال مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، إلى تعزيز الوجود الأمريكي في سوريا ضد إيران، والذي كان أمرا واقعا حتى أصبح فلاديمير بوتين الحليف الأول للأسد.

يقول ريويل مارك جيريخت، من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات إن "ترامب مرتبك" وإن موقفه في سوريا يتعارض بشدة مع سياسته المعلنة بخصوص إيران. مضيفا: "يجد ترامب نفسه مجبراً على تكرار خطأ أوباما إثر انسحابه من العراق عام 2011، ما لم تطمح كل من إيران وروسيا إلى التصعيد بشأن التزاماتهما المدمرة في سوريا: إن هناك أعداد كبيرة من السنة مقارنة بأعداد العلويين في الوقت الذي تسيطر فيه إيران فعليا على القوات البرية التابعة للنظام ".

بعبارة أخرى، إن حصول الأسد على الدعم الإيراني أمر حاسم إذا ما أراد هذا الأخير البقاء في السلطة بالنظر إلى الأقلية التي ينحدر منها والتي تعتبر طائفة شيعية. فهو بحاجة إلى الحصول على مساعدة طهران العسكرية في التخلص من الثوار السُنة.

تعد إيران الشريك الاستراتيجي لأسرة الأسد منذ وقت طويل ومن الصعب تغيير ذلك (فلم يمنع وجودها كشريك استراتيجي التعاون الأمريكي السوري في الماضي، على سبيل المثال بين جهاز استخبارات النظام ووكالة الاستخبارات المركزية في مطاردة القاعدة قبيل الحرب 2011).

خلال فترة ولايته، لم يبد ارتباك أوباما واضحا بخصوص سوريا كما هو الحال مع ترامب، الذي أعلن في 19 من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي أن القوات الأمريكية ستغادر الأراضي السورية في غضون 30 يوما وأن تنظيم الدولة قد هُزم بالكامل. تسبب ذلك في إثارة الضجة ودفع بوزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس إلى تقديم استقالته، قبل أن يسحب ترامب تصريحاته هذه بعد أسبوع. على الأغلب أن تردد أوباما أيضا كان محرِجا في بعض الأحيان: فقد صرح ذات مرة أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا "خط أحمر"، ليهدد بالرد على الأسد إثر استخدامها، ويقرر بعد ذلك رفع القضية إلى الكونغرس.

انتهجت الولايات المتحدة سياسة عدم التدخل تجاه سوريا منذ عام 1947، عندما رفض وزير الخارجية الأمريكي، جورج مارشال، آنذاك إرسال بعثة إلى دمشق مع استعداد الدول العربية لمهاجمة إسرائيل. بعد اندلاع الحرب السورية قبل نحو ثماني سنوات كجزء من الربيع العربي، بدت إدارة أوباما مرتبكة بشأن ما يجب القيام به. في البداية بدا وكأن الأسد سيسقط، طلبت منه واشنطن التنحي، في حين دعا الليبراليون إلى تدخل الولايات المتحدة لأسباب إنسانية، لكن أوباما رفض تكرار الفظائع التي حدثت في العراق، وشكك بقوة في أن ما يدعيه الثوار السوريون لم يكن سوى إعادة لكتابات أحمد الجلبي، يتحدثون كثيرا دون دعم حقيقي في الداخل..

تتجلى مشكلة ترامب الآن في التردد الذي يسود موقف إدارته، فقد قال بولتون إن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا إلى حين القضاء على تنظيم الدولة والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

يواجه ترامب الآن خطر تبني سياسة مشابهة كما فعل أوباما في السابق. لن يتم التخلص من النفوذ الإيراني بسهولة في سوريا، ومن الصعب القضاء على تنظيم الدولة بالكامل. تدفع كل هذه العوامل بالولايات المتحدة إلى البقاء داخل سوريا لفترة غير محددة ومواصلة دعم بعض جماعات الثوار. لكن هذا بالتأكيد لن يساعد على الفوز في سوريا.