الجمعة 2019/01/18

العواقب المحتملة لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا


بقلم: رودجر شنهان

المصدر: الانتربرتر

ترجمة: مركز الجسر للدرسات


إنها سنة جديدة وفصل آخر من الحرب السورية التي طال أمدها. مع هزيمة تنظيم الدولة بشكل كامل على ساحة المعركة السورية ، اتخذ الرئيس دونالد ترامب قرارا انفراديا بسحب القوات الأمريكية من سوريا ، دون إعطاء المزيد من التفاصيل حول أهمية هذه الخطوة، ضمن سياسة أمنية أوسع في الشرق الأوسط ، أو تفاصيل حول أي شيء آخر .

كنت قد كتبت مقالا حينها بعنوان: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟  (بعد خروج ترامب المفاجئ من سوريا) وتطرقت لبعض النتائج المحتملة. في الوقت الذي عمت فيه حالة من الفوضى والارتباك حول قرار ترامب، يبدو أنه أمر واقع لا محالة.

ومع ذلك ، فإن أمام كل هذا طريق طويل قبل أن يصبح أمرا واقعا. في الوقت الذي يعني فيه عدم اتخاذ أي قرارات داخل متاهة المصالح المتنافسة في الشرق الأوسط خلو هذا الأخير من أية مخاطر، فإن فجائية الخطوة التي قام بها ترامب دفعت بالعديد من الفاعلين في المنطقة إلى محاولة  فهم تداعياته. دعوني استعرض لكم بعض الملاحظات حول العدد الكبير من القضايا المحيطة بقرار الانسحاب.

ملعون مهما فعلت!:

فيما يتعلق بسياستها تجاه سوريا، ستتعرض واشنطن للانتقاد مهما فعلت. فقد قال تركي الفيصل لبومبيو عشية زيارة هذا الأخير إلى الرياض، إن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا خطأ استراتيجي، وترسيخ لوجود بشار الأسد في سوريا، إلى جانب المصالح الإيرانية والروسية. هذا هو نفس تركي الفيصل، الذي دعا في بداية عام 2013 إلى تسليح مجموعات الثوار بصواريخ أرض جو ، قائلا حينها إنه: "يجب أن يكون لدى الحكومات الأجنبية معلومات كافية عن مجموعات الثوار لضمان وصول الأسلحة إلى مجموعات محددة فقط ... كما يمكن اختيار الأشخاص الجيدين ومنحهم هذه الوسائل لبناء مصداقيتهم".

لذا قبل انتقاد البعض، من المهم محاولة فهم دوافعهم والنظر إلى سجلهم في التحليل الاستراتيجي.

أصدقاء العاصفة:

لا تخلط بين الولاء التكتيكي والإدراك الاستراتيجي. من الطبيعي أن يشعر أعضاء التحالف الذين قاتلوا مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بالخذلان بعد مغادرة القوات الأمريكية بشكل مفاجئ، حيث لم يصدقوا منذ البدء أن الوجود العسكري الأمريكي أمر مؤقت.

قد ينتظر الأكراد طويلاً حتى يتمكنوا من تسوية علاقتهم مع دمشق، في الوقت الذي لم يعد فيه بإمكانهم المساومة.

شبح إيران:

لن تصبح سوريا وكيلة لإيران. في الوقت الذي اضطرت فيه دمشق للتنازل عن بعض الاستحقاقات السياسية والاقتصادية لصالح طهران، فإن الفكرة القائلة بأن إيران ستفعل ما يحلو لها بسوريا  في فترة ما بعد الحرب أمر يخالف المنطق.

ومن المرجح أن تتضارب المصالح الصينية والروسية مع المصالح الإيرانية، كما تقوم بعض الدول العربية الآن بإرسال وفود من رجال الأعمال، وتقوم بإعادة فتح سفاراتها هناك في محاولة للتطبيع مع النظام.

كما أظهرت إسرائيل أن الجهود التي تبذلها إيران لإنشاء قواعد ثابتة ومحاور لوجستية داخل سوريا مكلفة جدا، وذلك بسبب استعداد تل أبيب لاستخدام القوة الجوية كعقبة استراتيجية أمام الجهود الإيرانية.

إن الفكرة القائلة بأن المليشيات الشيعية سيكون لها وجود كبير وطويل الأمد في البلاد، تتجاهل حقيقة أن المواطن السوري العادي لن يدعم وجود مليشيات أفغانية أو باكستانية أو حتى عراقية بمجرد انتهاء القتال. كما إن "الجسر البري" الإيراني الشهير الذي يمر إلى البحر المتوسط، ​​لا يعدو أن يكون مجرد دعاية قامت بها واشنطن من كونه واقعا مملوسا.

جرد البنادق والمعدات:

من المشاكل الرئيسية التي ستظهر عند الانسحاب الأميركي هو ما يجب القيام به بخصوص الأسلحة والمعدات التي أعطيت للأكراد. قبل أكثر من 18 شهرا، اتخذت إدارة ترامب القرار بتزويد "قسد" بمجموعة من الأنظمة، رغم اعتراض الأتراك. اتفقت بعدها كل من تركيا والولايات المتحدة على سحب هذه المعدات فور مغادرة القوات الأمريكية.

لكن جرد كل هذه المعدات سيكون أمرا صعبا. إن احتمال استخدام هذه الأسلحة ضد القوات التركية، أو وصولها إلى قوات النظام بعد إعادة دمج القوات الكردية في صفوفه، لن يكون هذا في صالح واشنطن لذا ستسعى إلى التقليل من فرص حدوثه.

التهديدات مستمرة:

إن معرفة مآل تنظيم الدولة بعد الانسحاب الأميركي أمر مهم للغاية، لكن هذا التنظيم ليس الجماعة المتطرفة الوحيدة داخل سوريا.

حجبت الأحداث التي جرت شرق البلاد، الأنشطة التي قامت بها هيئة تحرير الشام، الجناح التابع للقاعدة، ضد خصومه للسيطرة على إدلب شمال سوريا. وهذا تطور آخر يجب أن نوليه اهتماما كبيرا.