الجمعة 2018/11/16

الطريقة الصحيحة لإنهاء الحرب في سوريا


بقلم: جاني دي جيوفاني

المصدر: الشؤون الخارجية

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


في وقت سابق من هذا الشهر، تم تعيين جير بيدرسون، الذي شغل منصب سفير النرويج لدى الصين ومنصب الممثل الدائم في الأمم المتحدة سابقا، مبعوثا خاصا إلى سوريا. ليحل محل المفاوض الإيطالي السويدي المخضرم ستيفان دي ميستورا، الذي حاول إنهاء الحرب السورية الدموية طوال السنوات الأربع الماضية؛ لكنه فشل في ذلك.

شهدت سوريا حربا وحشية طوال الثماني سنوات الماضية، وهو ما يعادل عمر طفل في الصف الثالث؛ أي أطول بسنتين من المدة الإجمالية للحرب العالمية الثانية. وبدلا من انتهاء الحرب خلال هذين العامين الماضيين، حيث تبدو القوى الفاعلة في الحرب منهكة، تصاعدت الحرب السورية.

لقد كان تأثير هذه الحرب على المجتمع السوري كارثيا. فالجيل الصاعد لا يعرف شيئا سوى الحرب. إذ نزح نحو ستة ملايين شخص داخل البلاد، في حين لجأ نحو خمسة ملايين آخرين إلى البلدان المجاورة. كما إن نحو 14 مليون نسمة - من أصل22 مليون نسمة كانت في سوريا قبل الحرب – بحاجة ماسة للحصول على المساعدات الإنسانية. تعتبر سوريا اليوم دولة محترقة، جُوع أهلها واعتُدي عليهم بالأسلحة الكيماوية، وقُصفت بوحشية لإسقاط جل مناطق المعارضة السابقة، باستثناء إدلب، التي يسعى بشار الأسد إلى السيطرة عليه.

إن انتهاكات حقوق الإنسان - التي تشمل السجن الجماعي والتعذيب والاغتصاب، والقيام بهجمات بالأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين واستخدام التجويع كأداة للحرب - هي أسوأ ما رأيت على الإطلاق خلال ثلاث عقود من العمل في هذا المجال.

إذا لم تتوقف الحرب في سوريا في القريب العاجل، فسيكون مصيرها شبيها بمصير الصراع اللبناني الذي بدأ عام 1975 واستمر لمدة 17 سنة دمرت خلالها البلاد بالكامل وأسفرت عن مقتل أكثر من 150 ألفا وتشريد عشرات الآلاف. إن استمرار الحرب في سوريا كل هذا الوقت، يعني موت الجميع.

لا يستطيع أحد التكهن بالأرقام الحقيقية لأعداد القتلى في سوريا حتى الآن؛ فقد توقفت الأمم المتحدة عن إحصاء القتلى عام 2016. لكن التقديرات تقول إن ما يقارب نصف مليون شخص قتلوا خلال الحرب السورية إن لم تكن أعداد القتلى أكبر بكثير. استقبلت لبنان أكثر من 1.5 مليون سوري، حيث تضررت هذه الأخيرة، إلى جانب العديد من البلدان المجاورة الأخرى، من الحرب السورية؛ فقد استُنفِدت موارد مؤسساتها التي تتميز بالهشاشة، كما إن أعداد اللاجئين السُّنة الذي وفدوا إليها ساهمت في اختلال التوازن الديني الحساس الذي تعرفه لبنان، الشيء الذي أدى إلى رد فعل عنيف ضد اللاجئين. ومع قدوم فصل شتاء جديد، تزداد معاناة اللاجئين داخل المخيمات والمدنيين المحاصرين في أماكن مثل إدلب والغوطة وحلب، التي دمرت مؤخرا عن بكرة أبيها خلال هجوم عنيف بواسطة قنابل روسيا والنظام.

إن المهمة التي تقع على عاتق بيدرسون كبيرة، حتى بالنسبة لواحد من أمهر الدبلوماسيين على الساحة الأممية، بالنظر إلى تاريخه الطويل في العمل على حل الصراعات المعقدة. كان بيدرسون جزءاً من الفريق الذي قاده مواطنه تيري رود لارسن في مفاوضات سرية أدت إلى اتفاقات أوسلو عام 1993 بين كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما عين مبعوثا أمميا للبنان في الفترة ما بين 2005 و2008، تميز بقدرته على التواصل مع جميع اللاعبين السياسيين، بما في ذلك حزب الله. سيحتاج إلى هذه المهارات البراغماتية في سوريا.

قد يكون توقيت تعيين بيدرسون في صالحه: فجميع الأطراف الفاعلة - بما في ذلك المعارضة والنظام والروس وحزب الله والولايات المتحدة وتركيا – قد استنفدت مواردها، ما يعطي إشارة بأن الوقت قد حان لبدء المفاوضات، وهو أمر لم يكن في الإمكان القيام به عندما تم تعيين دي ميستورا مبعوثا خاصا إلى سوريا.

تعد الفترة التي قضاها دي ميستورا في منصبه كمبعوث خاص إلى سوريا الأطول حتى الآن مقارنة مع كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، اللذين عملا فيما قبل على حل قضايا مشابهة، حيث ظل عنان في منصبه لفترة لا تزيد عن خمسة أشهر، بينما شغل الأخضر الإبراهيمي هذا المنصب قرابة العامين، وذلك نظرا للطبيعة المثبطة للمشاركين في هذه الحرب وحقيقة ألا أحد منهم سعى لإنهائها.

عمل دي ميستورا، الذي سبق له أن عمل في السودان والعراق وأفغانستان، بلا كلل في سوريا، لكن سرعان ما كانت تصل جهوده إلى طريق مسدود: الأسد ورعاته الروس. خلال لقاء لي معه عام 2015 أخبرني قائلا: "لم أشهد يوما حربا ميؤوسا منها كالحرب التي تدور في سوريا"، مشيرا إلى أن الطرفين كانا على استعداد للتضحية بشعبيهما عوضا عن التنازل من أجل تحقيق السلام. عُرف دي ميستورا بحنكته الدبلوماسية، فحاول وقف إطلاق النار، لكن محاولاته باءت بالفشل، كما شهدت جولات المفاوضات توترا كبيرا والتي كانت غالبا ما تنتهي برفض الأطراف المشاركة في المفاوضات أو حتى حضور هذه الجولات؛ قوبلت آخر محاولاته الرامية لصياغة دستور سوري جديد، بالرفض من قبل الأسد وهو ما كان متوقعا. فلم يكن أحد مستعدا للاستسلام أو تقديم تنازلات.

تنتهي الحروب بالقوة أو بالتفاوض. يستغرق الأمر، في بعض الأحيان، سنوات لتصبح الأطراف المتصارعة مستعدة للدخول في مفاوضات. فقد لزم "صلح وستفاليا"، الذي أنهى الحروب الدينية الأوروبية عام 1648 وأسس أول دولة قومية ذات سيادة، تدخل نحو 109 هيئات سياسية، واستغرق سنتين للاتفاق على بنوده. بغض النظر عن تفاصيل التسوية التي ستُنهي الصراع السوري، يجب أن تظل سارية المفعول، حتى لا تعود الأطراف المتحاربة إلى ساحة المعركة. فقد كتب ويليام زارتمان في كتاب له بعنوان "السلام مقابل العدالة: التفاوض وتقييم النتائج"، الذي يعد الكتاب المقدس للمفاوضين، إن " إبرام معاهدة لإنهاء حرب ما، هي في الواقع، تحضير للدخول في حرب جديدة ما لم تتطرق إلى أسباب تلك الحرب وتنشئ نظاما سياسيا جديدا يمنع إشعال فتيلها مرة أخرى".

يجد بيدرسون نفسه أمام معارضة محطمة ودكتاتور عنيد وقاتل شرس يرفض الرحيل. يجب أن يكون رحيل الأسد -الذي لطخ يديه بدماء السوريين، ويحظى بدعم كل من بوتين وحزب اللهـ من السلطة المحرك الأساسي لأي تفاوض في المستقبل. إذ من المستحيل إعادة الاستقرار إلى هذا البلد في مرحلة ما بعد الحرب، في الوقت الذي لا يزال فيه من تسبب في كل هذا الكرب على رأس السلطة.

كيف يمكن للعدالة الانتقالية أن تعمل في ظروف كهذه؟

لا يزال الروس، الذين يمسكون زمام الأمور في نهاية المطاف، مصرين على أن الأسد جزء من العملية السياسية. ولكن إذا نجح بيدرسون في إجبار عرفات ورابين على المصافحة، فربما يستطيع إيجاد وسيلة لإقناع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن عهد الأسد قد ولى.

في هذه الأثناء، لا تزال معاناة السوريين مستمرة. في الأسبوع الماضي، أخبر رائد الصالح، مدير الدفاع المدني السوري أو ما يطلق عليه الخوذ البيضاء، صحيفة التلغراف، أن إدلب، آخر معاقل للثوار، في خطر.

تخضع إدلب بشكل جزئي لسيطرة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة تعتبرها كل من روسيا والنظام السوري هدفا مشروعا لهم.

كان قد تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن "صالح" قد حذّر الأسبوع الماضي من تزايد عدد قذائف الهاون التي يطلقها النظام التي أودت بحياة 20 شخصا في الأيام القليلة الماضية.

لطالما كانت السيطرة على إدلب بمساعدة روسيا جزءا من استراتيجية كبرى للأسد– في حال كانت لديه واحدة – وذلك لإكمال مهمته التي تتجلى في التطهير العرقي لبلاده من خلال حصر المعارضة السنّية في منطقة صغيرة، لكن من شأن ذلك أن يعرض حياة نحو ثلاثة ملايين مدني يعيشون في إدلب للخطر.

يجب أن تنتهي الحرب في سوريا، كما يجب أن تأخذ العدالة مجراها، احتذاء بالنموذج الرواندي للمحاكم المحلية أو لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، وذلك من أجل ضمان تقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة.

من خلال هذه العملية فقط يمكن جلب السلام إلى بلاد مدمرة. ولن يحدث ذلك مادام الأسد في السلطة.

قبل ثلاثة وعشرين عاما، جمع الدبلوماسي الأمريكي، ريتشارد هولبروك، قادة الفصائل المتحاربة في البوسنة في قاعدة رايت باترسون الجوية بالقرب من مدينة دايتون في ولاية أوهايو. هناك، قام هولبروك، بتوبيخ وتهديد الرئيس الصربي آنذاك، سلوبودان ميلوسيفيتش خلال جلسات ليلية، كما قام بإجبار الزعيم البوسني، علي عزت بيغوفيتش، على التوقيع على التخلي عن أجزاء من بلاده كانت في الواقع من حق المسلمين. لم تكن اتفاقيات دايتون ناجحة بشكل كامل، فالعديد من البوسنيين كانوا غاضبين من الكيفية التي انتهت بها الحرب، ومن صعود القومية في جمهورية صرب البوسنة، تحت حكم ميلوراد دوديك، وهذا خير دليل على أوجه القصور الخطيرة في الاتفاق، لكن هذه التسوية وضعت حدا للقتل الذي حوّل البوسنة إلى حمام دم، وانتهت بمجزرة سربرنيتشا عام 1995.

يجب أن تنتهي الحرب في سوريا. لدى بيدرسون سجلّ حافل بالعمل مع أشد المفاوضين إصرارا على هذا الكوكب. لكنه يحتاج إلى الإصرار على انتهاء هذه الحرب وفق الشروط الصحيحة والتي تتمثل في ألا يشمل مستقبل سوريا الأسد، كما يجب أن تتوفر أي تسوية على آلية العدالة الانتقالية، كالبحث عن مرتكبي الجرائم المروعة ضد الإنسانية وتقديمهم للعدالة.

عدا ذلك، فخلال عقدين القادمين، ستعود الكراهية والمعاناة للظهور من جديد بكل تأكيد، وسيظهر أسد آخر دون محالة.