السبت 2018/01/13

“الرياضولوجيا” لفهم التعقيدات التي تمر بها السعودية


بقلم: سايمون هندرسون

المصدر : معهد واشنطن للدراسات

مركز الجسر للدراسات


في عهد الاتحاد السوفياتي، كان المحلّلون الأجانب يولون اهتماما كبيرا لاصطفاف القيادة الشيوعية على ضريح لينين في موسكو في المناسبات المهمة. فمن كان يحضر؟

وكيف كان تموضعهم بالنسبة للأمين العام للحزب؟

كان يُطلق على كل هذه التكهنات مسمى "الكرملينولوجيا". طوال سنوات، اعتُمِدت مقاربة مماثلة لمحاولة فهم العائلة المالكة السعودية، من خلال دراسة التقارير الإخبارية والصور الجديدة التي تنشرها "وكالة الأنباء السعودية" للحصول على أسماء الأشخاص الذين يسافرون مع الملك، أو لمعرفة من يقف في صفوف الاستقبال للترحيب به أو من يودّعه عندما يسافر.

وأطلق على هذه الدراسة اسم "الرياضولوجيا"، وبدلاً من أن يكون هذا تخصصاً أكاديمياً مقتصراً على فئة معّينة، فأنّه من الضروري فهم ما يجري في السعودية.

من المهم أيضاً فهم تاريخ العائلة المالكة السعودية، التي تُعرف أيضاً باسم آل سعود. إذ يتخطّى الأمر مجرّد "بن فلان" و"بن علّان". وعلى الرغم من أن تاريخ العائلة يعود إلى عام 1745 عندما وفّر الزعيم القبلي محمد بن سعود مأوىً للواعظ الإسلامي محمد بن عبد الوهاب، يعتبر التاريخ الأبرز تاريخ تأسيس الدولة الحالية عام 1932.

ففي ذلك العام، أعلن عبد العزيز آل سعود، الحفيد الأصغر لمحمد بن سعود آنذاك، نفسه ملكاً، وانتقل العرش بعد وفاته عام 1953 إلى أولياء عهده. (وقد أنجب 44 ولداً من 22 زوجة على الرغم من أنه، وفقاً للتعاليم الإسلامية، لم يكن لديه سوى أربع زوجات في مختلف مراحل حياته).

أما بالنسبة للملك سلمان، العاهل السعودي الحالي، فهو أحد أبناء الملك عبد العزيز (المعروف غالباً باسمه التاريخي، ابن سعود)، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو أحد أبنائه. وقد أصبح سلمان ملكا لأنه، من حيث العمر والخبرة، كان أفضل أمير مؤهل في ترتيب ولاية العرش عندما توفي أخوه غير الشقيق الملك عبد الله في كانون الثاني/يناير 2015. ولكن هنا تصبح الأمور أكثر إثارةً للاهتمام، فالأمير محمد بن سلمان حصل على منصبه لأنّه الابن المفضّل لأبيه.

عندما أصبح والده ملكاً، كان محمد بن سلمان بالكاد في التاسعة والعشرين من عمره، أي نصف عمر بعض من أخوته غير الأشقاء. (وهو الابن الأكبر لزوجة سلمان الثالثة). فاليوم، وإلى جانب كونه ولياً للعهد، 3يتولّى بن سلمان أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئتَين رئيسيتين لصنع القرار في السعودية هما "مجلس الشؤون السياسية والأمنية" و"مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية"، وهو بأمر الواقع حاكم المملكة العربية السعودية. وكونه لم يتمتّع بخبرة قبل ثلاث سنوات، فإن سجل آدائه يشمل حتّى اليوم الحرب في اليمن، والخصام مع قطر، ومحاولته إعادة تنظيم الشؤون السياسية اللبنانية، والتحوّل الاقتصادي في المملكة المتمثّل في «رؤية السعودية 2030».

وبطبيعة الحال، فإن اعتبار [هذه التطورات] إنجازات من عدمها يبقى أمراً قابلاً للنقاش. ربما كان مصطلح "أعمال جارية ومستمرة" أكثر ملائمة. فهل سيصبح محمد بن سلمان ملكاً عندما يتوفّى والده، الذي سيبلغ من العمر 82 عاماً هذا العام؟ أم سيتنحّى الملك سلمان طوعاً عن العرش لصالح ابنه محمد بن سلمان؟ أم أنه سيُجبر على التخلّي عن العرش لأسباب صحّية؟ يعاني الملك ضعفا في الذاكرة قصيرة الأمد، لذلك غالباً ما يبدو حائراً ويتّكل على علامات تظهر على شاشات "آي پاد" بشكل متحفظ. ومن الناحية النظرية، يتمتّع محمد بن سلمان بالفعل بالتأييد المسبق لمجلس البيعة الذي يضم كبار أمراء آل سعود، لكن من يدري ما الذي سيحدث. فأسلوب محمد بن سلمان الصارخ المتهور قد أزعج عدداً كبيراً من الأمراء من أبناء عمومته وحتى أعمامه الذين لايزالون مؤيدين له.

كما أنّ سيره نحو الحداثة المتمثّل بافتتاح دور السينما، والسماح للمرأة بالقيادة، ربما يتعارض مع المؤسسة الدينية السعودية المحافظة، التي سيتعيّن عليها إعلانه قائداً إسلامياً وحاملاً ملائماً للقب "خادم الحرمين الشريفَين" (مكة والمدينة المنورة).

يعتقد البعض أنّ "الملك المستقبلي" محمد بن سلمان قد يقلّص أعداد آل سعود من خلال تجاهله أولاد أعمامه في ولاية العهد، وحتّى إخوته، لصالح أولاده الذين لا يبلغون اليوم سوى بضع سنوات من العمر.

إلّا أنّ محمد بن سلمان يواجه معضلةً اليوم؛ فسواء كان ولي عهد أو ملكا، لا يزال بحاجة إلى دعم أوسع من العائلة المالكة التي يُقدّر أعددها بالآلاف وفق تقديرات متفاوتة، ليمنح مركزه الخاص الشرعية اللازمة.

كما يحتاج أمراء ليكونوا حكّام محافظات ولينتشروا في الجيش لردع أي محاولات انقلاب ممكنة. سجن أحد عشر أميراً ثانوياً خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، بعد احتجاجهم على اضطرارهم فجأةً إلى دفع فواتير الكهرباء الخاصة بهم. وباسم التقشّف، قد يغامر محمد بن سلمان في خفض مخصصات الأمراء أيضاً - فحتّى أصغر فرد من العائلة المالكة يتقاضى راتباً من عائدات المملكة النفطية، وذلك استناداً إلى صيغة معقدة مرتبطة بحجم الأسرة ومدى قرابتها من خط خلافة العرش- إلّا أنّ إصلاح هذا الترتيب، الذي يكلف مليارات الدولارات سنوياً، قد يكون له عواقب سياسية وخيمة. وعلى الرغم من الادعاء القائل بأن ما يحصل هو حملة لمكافحة الفساد، إلا الكثيرين ينظرون إلى الإقامات الجبرية التي تم فرضها مؤخراً في فندق "الريتز كارلتون" في الرياض، والتي شملت وفقاً لبعض التقارير أكثر من 200 أمير والعديد من رجال الأعمال ومسؤولين حكوميين آخرين، على أنها استيلاء على السلطة من خلال تهميش خصوم محمد بن سلمان وأولئك الذين عارضوه في الماضي. ويريد الملك سلمان أن يكون نجله محمد بن سلمان ملكاً، كما أن ابن سلمان يريد ذلك أيضا. لكن من الصعب تكهن كيفية انتقال السعودية فترة الملك سلمان نحو فترة يكون فيها محمد بن سلمان ملكا، وما إذا كان حكمه محمد بن سلمان سيكون مستقراً أم لا. وستبقى "الرياضولوجيا" مفتاحاً أساسياً لفهم ما يحصل في السعودية.