الأثنين 2017/12/18

الركائز الهشة لاستراتيجية روسيا في سوريا


المصدر: تشاتام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية)

بقلم: أيمن الدسوقي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


السيطرة السياسية:

مجزأة بين صناع القرار المحليين في سوريا، يعتبر اعتماد روسيا الكلي على نظام الأسد لحماية مصالحها تهديداً استراتيجياً لها. فعلى الرغم من المصالح المشتركة التي تجمعها بالأسد وحلفائه الإيرانيين، إلا أنه لا يمكن لروسيا اعتبار أي منهما شريكاً يمكن الاعتماد عليه، إذ من المحتمل أن تبدأ المصالح المتضاربة والمتصارعة في الظهور حال الشروع في بلورة حل سياسي وكذا الشروع في عملية إعادة الإعمار وتحديداً على ضوء الترتيبات الإقليمية الجديدة.

وعلى نقيض ادعاء فلاديمير بوتين خلال زيارته المفاجئة لسوريا بأن روسيا ستنسحب، فقد دفعت كل هذه العوامل السابقة روسيا إلى العمل من أجل إيجاد طرق جديدة، تمكّنها من زيادة مكاسبها وحماية مصالحها في سوريا.

مكامن القوة والضعف:

أفادت تقارير بأن روسيا تملك سبع قواعد عسكرية في سوريا، تحتوي على ما يقارب 6000 جندي، بينما قُدّرت أعداد الشرطة الروسية المنتشرة في مناطق خفض التصعيد والمناطق التي تم استرجاعها من المعارضة نتيجة اتفاقات التسوية بنحو 1000 شرطي روسي. وكانت روسيا قد كلفت العديد من قوات الأمن الخاصة للقيام بمهمات خاصة ظاهرياً في حربها ضد تنظيم الدولة وحماية منشآت الطاقة الروسية والمشاريع الاستثمارية، كان من بين هذه المجموعات مجموعة "واغنر" شبه العسكرية، والتي تمتلك، بحسب بعض المصادر، نحو 2500 جندي في سوريا.

لكن روسيا تدرك جيدا بأنها ليست قوية بما يكفي لحماية مصالحها في سوريا وحدها وأن عليها الاعتماد على شركائها المحليين من أجل القيام بذلك.

وعليه، تكثف موسكو جهودها على جبهتين: إحداهما عمودية : وتهدف من خلالها إلى إنشاء نفوذ دائم داخل مؤسسات الدولة وتحديدا الأجهزة العسكرية والأمنية من خلال استمالة صناع القرار المؤثرين، مثل الجنرال علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي لحزب البعث، والجنرال ديب زيتون، مدير المخابرات العامة في سوريا، اللذين يعتبران من أبرز رجال الأمن في البلاد.

بينما تتسم الجبهة الثانية بالأفقية: روسيا عازمة على تطوير علاقاتها مع أصحاب القرار المحليين مباشرة من أجل إحراز تقدم مع المجتمعات المحلية بغية خلق توازن مع نفوذ إيران المتزايد داخل المجتمع السوري. يمكن لهذه العلاقات أن تستعمل كوسيلة ضغط لترجيح كفة المفاوضات السياسية نحو المصالح الروسية في الوقت الذي يتم فيه تعيينهم كشركاء محليين ورعاة للاستثمارات الروسية.

المد الروسي:

يلعب مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم الجوية دورا مهما في التواصل مع ذوي النفوذ المحليين، إلا أن آليات التواصل والمسؤولين عنها تختلف من منطقة إلى أخرى بالتوافق مع الطرف الذي يسيطر على هذه المنطقة. وقد تمكنت روسيا من التعامل مع ذوي النفوذ المحليين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بما في ذلك مختلف الأحزاب السياسية والشخصيات المحلية والزعماء الدينيين والقبَليين عبر موظفي مركز المصالحة. كما إنها أصبحت قادرة على التواصل مع الأكراد من خلال قنوات عسكرية وأمنية كقاعدة حميميم الجوية ووزارة الدفاع الروسية أو عن طريق القنوات السياسية التي تديرها وزارة الخارجية الروسية بالتنسيق مع حميميم.

لكن روسيا تواجه معضلة في التواصل مع القيادات المحلية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتعامل مع التأثير الذي يفرضه العديد من اللاعبين الإقليميين. ولتخطي هذه التحديات، استعملت روسيا العديد من الآليات للتواصل مع هذه المجموعات في محاولة للحصول على أصدقاء جدد واستعمال الشخصيات السياسية البارزة "كأحمد جربا" للتواصل مع القيادات المحلية في المناطق المحاصرة كحمص والغوطة الشرقية وكذا اللجوء إلى لجان المصالحة المحلية، (المكوّنة أساسا من شخصيات محلية بارزة وتكنوقراطيين التابعين للنظام)، التي تمتلك قنوات اتصال خاصة بها يمكن استخدامها للتواصل مع المعارضة المحلية، كما كان الحال في منطقة "التل" قُبيل وقت قصير من قيام الجيش السوري الحر بالانسحاب.

وقال أحد النشطاء من شمالي حمص إن روسيا تعتمد بشكل كبير على كوادر الشرطة العسكرية المسلمة من الشيشان، الذين يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، للتواصل مع القيادات المحلية. بالإضافة إلى أن موسكو قد استخدمت مسارا دبلوماسيا ثانيا للتواصل مع ذوي النفوذ المحلي وفتح قنوات العودة من خلال إنشاء علاقات مع القوى الإقليمية.

لقد استعملت روسيا أسلوب الترغيب والترهيب عند التواصل مع صناع القرار المحليين لفرض نفوذها، وذلك من خلال تقديم بعض المزايا لهم كالحماية الأمنية والدعم المادي، مع تخصيص مكان لهم على طاولة المفاوضات وحصص من إيرادات إعادة الإعمار.

لكن الأشكال السابقة التي انتهجتها من استعمال للتدابير الصارمة للضغط عليهم، وجعلهم أهدافا لعمليات عسكرية مستقبلية أو اللعب على وتر المنافسين المحليين لتهميش أو إعطاء الأفضلية لمجموعة على حساب أخرى في حل سياسي ما وترتيبات إعادة الإعمار، لاتزال مطروحة.

 

تحديات مستمرة:

على الرغم من أن روسيا قد قطعت أشواطاً في ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وإضفاء الشرعية على أذرعها الأمنية هناك، إلا أنها لا تزال تواجه تحدِّيات ترسيخ نفوذها داخل مؤسّسات الدولة والمجتمع السوري حيث تقف إيران في وجه هذه الجهود. إن مراكز السلطة العديدة للنظام، والاعتماد على المليشيات، وضعف المؤسسات، تحدُّ من جهود روسيا لتعزيز نفوذها في باقي المناطق السورية. وبالمثل، تجد موسكو صعوبة في التواصل مع العديد من أصحاب القرار في سوريا والتمييز بين مطالبهم ومرجعياتهم وولائهم لقوى إقليمية أخرى، ما يجعل من ركائز روسيا الاستراتيجية في سوريا أكثر هشاشة.