الأحد 2017/10/01

الأمم المتحدة ضيعت فرصة حقيقية لوضع نهاية “للديكتاتورية” في سوريا وبلدان أخرى

في مطالعة دورية لخبراء مركز كارنيجي حول الشرق الأوسط، تحدث وليام شوكروس عن الجهود التي بذلها " كوفي عنان"، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، حول معنى مبدأ سيادة الدولة، الذي تتذرع به أنظمة قمعية مثل نظام الأسد، لمنع تدخل الأمم المتحدة في حل نزاعاتها الداخلية، فقد لاحظ في أيلول/سبتمبر 1999 (خلال حديثه عن التدخُّل الإنساني) أن مبدأ سيادة الدولة، الذي يُعتبر مركزياً بالنسبة إلى كل مفهوم الأمم المتحدة، يُعاد تعريفه الآن من قِبَل قوى العولمة والتعاون الدولي. ومع ذلك، عاينّا مفارقة في الشرق الأوسط، فحتى حين كانت النزاعات داخل الدول تجرُّ إليها العديد من القوى الخارجية، في منحى يؤشّر بوضوح على انهيار السيادة، كانت الأصوات المُنادية باحترام السيادة تسود مجلجلة في أروقة المنظمة الدولية. لقد كان في وسع الأنظمة -خاصة في سورية- أن تذبح شعبها على هواها، بحماية أسياد في مجلس الأمن يستخدمون مقولة السيادة للدفاع عنها. وهكذا جرى إثباط الرؤية التي أطلقها عنان، وجرى تحييد المنظمة تماماً وفق القاعدة نفسها التي تأسّست هي عليها.

اعتقدنا ونحن ندخل غُرّة هذا القرن، أن ثمة هندسةً عالمية جديدة للنظام العالمي الذي شُيِّد غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، لكننا في الواقع لم نُدرك ما طبيعة هيكليته النهائية، حتى ولو كنا نأمل بأن تكون اليد العليا للتدخّل الإنساني. لكن اليوم، أثبت الشرق الأوسط أن العكس هو الذي حدث، وأن الآمال الإنسانية تحطّمت في المنطقة وسادت، بدلاً منها، حصانة الديكتاتوريين في العديد من الأماكن. هذا أسوأ بكثير من الحزن.

فيما قال إدوارد مورتمر: نعم، ستواصل الأمم المتحدة لعب دور إنساني، على رغم أن هذا سيكون عصيّاً على التنفيذ، لأن أطراف النزاع تبدو أقل فأقل استعداداً لاحترام القانون الدولي الإنساني أو لقبول نزاهة وتجرّد وحصانة عمال الإغاثة. كما يرجَّح أن تستمر إناطة الأمم المتحدة بدور سياسي، أي أن تكون، على الأقل، مسؤولة عن السعي لحل سياسي سلمي للنزاعات.

بيد أن قدرتها على أداء هذا الدور ستبقى مقيّدة، ليس بسبب حالة الاستقطاب بين الأطراف المتنازعة داخل الشرق الأوسط، بل بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. إذ معروف أن سلطة الأمم المتحدة مُشتقة في نهاية المطاف من قدرة المجلس على إنفاذ قراراته، وفرض العقوبات، وفي الحالات القصوى تخويل التدخل العسكري. لكن كل عضو من الأعضاء الدائمين يمكنه ممارسة حق النقض (الفيتو) على أي قرار لا يستسيغه. ولذا، طالما أن الاستقطاب داخل الشرق الأوسط ينعكس على الدول الخمس، حيث تدعم الولايات المتحدة عموماً الانظمة السنّية فيما تساند روسيا إيران والنظام في سوريا، ستكون قدرة الأمم المتحدة على حل النزاعات محدودة للغاية.

أما شبلي الملاط فقد رأى أن الأمم المتحدة فقدت الفرصة الكبرى التي وفّرها الشرق الأوسط خلال هذا العقد، وهي وضع خاتمة للديكتاتورية في سوريا وفي بلدان أخرى عموماً تأثّرت بالربيع العربي.

ففيما يستعيد بشار الأسد على نحو متسارع الأراضي التي سيطر عليها خصومه، يجب أن نتوقّع حدوث فورات من أعمال العنف واسعة النطاق في المنطقة، حيث ستواصل المجتمعات المُحبطة في دفع أثمان المعاناة من السلطوية المُنبعثة من جديد. وبالتالي، يتعيّن على الأمانة العامة للأمم المتحدة أن تأخذ أولاّ هذه الحقيقة بعين الاعتبار وتستعد للأسوأ، بما في ذلك الاعتراف بالتهميش المطّرد الذي يضربها هي نفسها.

ثم: إذا ما تذكّرنا طبيعة شخصيات رؤساء الولايات المتحدة وروسيا والصين، سنُدرك أن أصول الآداب السياسية سيكون دونها مروحة قاسية من قادة العالم.

على أي حال، بما أن الصيحة الوحيدة التي يمكن أن تطلقها الولايات المتحدة ويكون لها وقعها هي الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن هذه المعركة ستنطوي أيضاً على السعي لإبقاء مسألة حقوق الإنسان حيّة على رغم كل الصعاب والمعوقات. وهنا، ستكون الأمانة العامة للمنظمة الدولية في حاجة إلى تعبئة القوى الداعمة لهذه الحقوق، من منظمات وأفراد، وفق رسالة بسيطة ومبسّطة: تمسّكوا بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية بكل الوسائل المتوفرة لديكم.

أما إذا ما أرادت الأمانة العامة أن تكون خلاّقة، فسيتعيّن عليها بلورة وطرح أجندة "لا عنف" تُستلهم من اللحظات المُضيئة من ثورات الشرق الأوسط عام 2011، بوصفها مؤشرات على فلسفة مغايرة لمسألة التغيير العالمي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وليام شوكروس | كاتب ومؤلف كتاب:

Deliver us from Evil: Warlords, Peacekeepers and a World of Endless Conflict

إدوارد مورتمر | زميل أول في كلية All Souls ، جامعة أوكسفورد. شغل حتى كانون الثاني/يناير 2007 منصب مدير الاتصالات في المكتب التنفيذي للأمين العام للأمم المتحدة.

شبلي الملاط | محامٍ دولي، وأستاذ دكتور في القانون، ومؤلف. أحدث كتبه: Introduction to Middle Eastern Law (2007)، وPhilosophy of Nonviolence: Revolution, Constitutionalism, and Justice beyond the Middle East